"اليوم الثامن" تستعرض من زاوية أخرى مخاض الحرب..

تحليل: القبيلة اليمنية في مأرب.. خفايا التحالفات الإخوانية الحوثين

شيوخ دين حوثيون يقدمون محاضرات طائفية في بيحان شبوة عقب السيطرة عليها في سبتمبر (أيلول) الماضي

القسم السياسي

لم يكن طموح الحوثيين -الاقلية الزيدية الاثنا عشرية-، يتجاوز السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، قبل يوليو (تموز) العام 2014م، العاصمة اليمنية كانت شديدة التحصين من قبل فيالق عسكرية ضخمة هي قوات الفرقة الأولى مدرع، وقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وقوات الشرطة والأمن المركزي والنجدة والشرطة العسكرية، ناهيك عن ميليشيات إخوان اليمن التي قدر عددها حينها بـ40 ألف مقاتل.

في الـ11 من فبراير (شباط)العام 2011، كان الحوثيون قد تسللوا إلى ساحة الجامعة، وسط ترحيب من تنظيم الإخوان الذي اعتبرهم ثوار يمنيون ضد نظام علي عبدالله صالح، الذي وصفوه بالدموي، على الرغم انهم كانوا جزء من النظام حتى العام 2007م، أي قبل قيام الثورة بنحو ثلاثة أعوام فقط.

شيخ قبلي يندد بواقعة استهداف قوات التحالف.. تقرير: قبائل شبوة تحدد موقفها من إخوان اليمن.. "لا شرعية للإرهاب"

لعب علي محسن الأحمر، القائد العسكري الإخواني دورا كبيراً في ادخال الحوثيين إلى صنعاء، فهو أراد ان يكون رئيساً خلفاً لصالح في الحكم، وكان بحاجة للحوثيين الذين كانوا قد أصبحوا قوة لا يستهان بها، ناهيك عن انه يريد التكفير عن مشاركة قواته في الحرب ضد المتمردين في جبال صعدة ومران.

في الـ21 من فبراير (شباط)، وبعد مرور سنة على الانتفاضة اليمنية في ساحة الجامعة، حتى أذنت القيادية الإخوانية اليمنية توكل كرمان في اتباعها "ان ارفعوا خيامكم، فالثورة انتصرت"، لوحت بأصبع مخضبة بالمداد، "اهداف الثورة، الديمقراطية قد تحققت بانتخاب عبدربه منصور هادي، رئيسا توافقياً خاض الانتخاب منفرداً، وشهدت انتخاباته المرفوضة في الجنوب، أوسع عملية تزوير في تاريخ الدولة اليمنية الوليدة بعد الإطاحة بالإمامة في ستينيات القرن الماضي.

"اليوم الثامن" تبحث في سيناريو معركة شبوة.. تحليل: خفايا صراع الرئيس ونائبه.. لماذا يصور هادي الصراع بالطائفي

لم يرفع الحوثيون خيامهم، بل توسعت أكثر وأكثر، وتحولت الى مراكز سرية استعداداً لحرب مرتقبة وحاسمة، أهدافها الأولى ضد "هادي"، الحاكم الجديد القادم من الجنوب، والذي عرف خلال وجوده بجوار صالح (الرئيس)، بالنائب الضعيف، والمعين دون قرار او سلطات او صلاحيات، لكن هي في الواقع حرب طائفية "اقلية زيدية هاشمية لديها معركة ثأرية تاريخية مع القبيلة اليمنية وان كانت زيدية"، معركة الثأر للحسين بن علي بن ابي طالب (...).

كان العام الأول لهادي في الحكم محاولة بائسة لتقليد "صالح"، في اللعب على رؤوس الثعابين، فشرعن للحوثيين التحرك سياسيا من خلال مؤتمر الحوار اليمني (2013 – 2014)، واعتذر لهم عن حروب صعدة الستة واعتبرها حروبا باطلة ووعدهم بالتعويض عن كل ما خلفته تلك الحروب.

قبائل النعمان تحضر للاحتشاد "السبت".. تقرير: "إخوان هادي".. يتوعدون قبائل شبوة بالضرب بيد من حديد

وما ان انتهى مؤتمر الحوار، حتى كان "هادي"، أولى اهداف القادمة، فاختطفوا مدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك، الذي كان يقوم بتسجيل مكالماته الهاتفية مع "الرئيس"، دون علم الأخير، وقد أثيرت الكثير من الشكوك حول الاختطاف، خاصة وان بن مبارك يعد من المقربين من النظام القطري الذي كان حينها أحد أبرز الممولين الإقليميين للحوثيين.

انتظر الحوثيون حتى منتصف العام 2014م، وبعد ان استكمل الدعم "القطري"، المقدم كهبة، لإعادة اعمار صعدة، حتى بدأت حربهم في عمران المجاورة لصنعاء، فاراد هادي استمالت الحوثيين الى صفه، وذهب الى عمران وبشر بعودتها الى حضن الدولة، فرد عليه حميد الأحمر بان الدولة الحقيقية موجودة في صعدة وحرف سفيان، من خلال النظام القمعي الذي سنه الحوثيون.

لم تكن معركة صنعاء العاصمة، بالعملية العسكرية السهلة، فالحرب التي خطط لها الحوثيون منذ العام 2011م، من خلال شراء الولاءات، واختراق التحصينات القبلية بدعوى ان ثورتهم ضد الفساد والمحسوبية ونهب المال العام، كانت مؤجلة الى ما بعد الوصول الى العاصمة عدن في الجنوب، قبل ان يخوض الحوثيون حروبا داخلية "تصفيات واخفاء قسري وتشريد"، حروب كانت القبيلة في صنعاء المستهدف الوحيد فيها.

ولم يسلم من تلك الحرب حتى صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي للحوثيين، والذي لقي حتفه في محافظة الحديدة في واقعة يكتنفها الغموض إلى اليوم، لكن في كل الأحوال "ازيح الصماد"، من منصبه لمصلحة مدير مكتب عبدالملك الحوثي "مهدي المشاط"، وهو من الهاشمية الحوثية.

تنديد جنوبي واسع بجرائم "بن عديو".. تقرير: هاشمية إخوان اليمن.. التمهيد للحوثيين باستهداف قبائل بلحارث

قتل الصماد، فانطلق الحوثيون في القتل والسحل لزعماء قبائل يمنية، فالكثير من زعماء القبائل الذين قاتلوا في صف الحوثيين، لقوا حتفهم في معارك عديدة من خلال غارات لطيران التحالف العربي، أبرزها قصف صالة عزاء في العاصمة اليمنية صنعاء في العام 2016م، والتي أودت بحياة العشرات من المسؤولين العسكريين والمدنيين وزعماء قبائل بارزين.

وقد اعترف التحالف العربي بقيادة السعودية ان الغارة كانت خاطئة نتيجة معلومات خاطئة، محملا حكومة عبدربه منصور هادي، مسؤولة تلك الحادثة.

رغم ان ميليشيات الحوثي منيت بهزيمة مذلة في الجنوب، الا ان الحرب ضد القبائل اليمنية والجنوبية استمرت حتى استسنح الاخوان تلك

الحرب في شبوة بعد السيطرة عليها في أغسطس (آب) العام 2019م، وهي الحرب التي تعرضت في القبائل لحرب شعواء من قبل تنظيم الاخوان، وميليشيات القوات الخاصة التي يقودها أحد المقربين من ميليشيات الحوثي ويدعى عبدربه لعكب الشريف، الذي ينحدر من سلالة هاشمية.

"انتهاج حرب العصابات".. تقرير: "إخوان اليمن".. حرب انتقامية من القبائل والميسري بالواجهة

لكن معركة مأرب ظلت تصور على انها حرب بين قوات حكومية تدعمها السعودية وميليشيات حوثية تدعمها إيران، ان حصار بلدة العبدية، حيث موطن قبائل مراد، أشرس القبائل اليمنية، كشفت عن الوجه الحقيقي للحرب، المستهدف فيها القبائل التي كانت موقع استهداف من قبل تنظيم الإخوان والحوثيين والتنظيم الإخواني في مأرب يرأسه مبخوت بن عبود الشريف، هو أيضا هاشمي وتربطه علاقة وثيقة بالحوثيين، وعقد سلسلة لقاءات مع المتحدث الرسمي باسم الحوثيين محمد عبدالسلام في مدينة صلالة بسلطنة عمان خلال العامين الماضيين.

معركة "العبدية" كشفت عن تحييد وزارة الدفاع التي يتزعمها محمد علي المقدشي، الجيش في مواجهة الحوثيين الذين حاصروا قبائل مراد في العبدية لأكثر من شهر دون ان يتحرك الجيش الإخواني، قبل ان تسقط في قبضة الحوثيين بعد ان نفدت الأسلحة والغذاء عن المقاومة القبلية.

معركة خاسرة رغم الدعم الاقليمي.. تقرير: حكومة مأرب الإخوانية.. الانتحار في شبوة بحرب ضد القبائل

وبينت تلك الحرب ان "القتال الذي خاضته ميليشيات الاخوان في شبوة، ضد القبائل ما هو الا استنساخ لحرب حوثية ضد القبيلة اليمنية.

ويبدو أن الحوثيين والإخوان قد تقاطعت مصالحهم في اضعاف القبيلة في مأرب وتفتيتها واستهداف رموزها، فالإخوان يرون ان البعد الإقليمي والدولي قد يحول دون سقوط مأرب في قبضة الحوثيين، وبالتالي يكون التنظيم قد تخلص من او على الأقل اضعف القبيلة التي قد تهدد مستقبل التنظيم في مأرب، اما الحوثيون فالحرب التي يخوضونها ضد قبائل مأرب، تمثل معركة وجودية، فالسيطرة على مأرب دون "كسر القبائل"، تعتبر معركة منقوصة وغير مكتملة ما لم يتم اضعاف القبيلة بشكل لا يجعلها تقوى على حمل السلاح مجدداً في الدفاع عن مأرب، وهي معركة تبدو صعبة لذلك يرى الحوثيون ان الدخول في اتفاقية مع الاخوان تتيح لهم أولا التشارك في الحكم والثروة، عقبها يتم الاجهاز على زعماء القبائل من خلال التصفيات الجسدية، ودفع القبائل للقتال فيما بينها، بنفس السيناريو الذي تعامل به نظام صنعاء عقب العام 1994م، مع القبائل الجنوبية التي أضعفها واستهدف رموزها، وصولا الى تغذية الثأرات القبلية، واشتغال القبائل بمعارك، تبعدها عن معركة الدفاع عن الثروات النفطية والطبيعية.

زعيم قبلي بارز يوجه رسالة عاجلة للرئيس هادي.. تقرير: "بلحارث".. قبائل جنوبية هزمت الحوثيين ولا تخشى الإخوان

قد تستمر معركة مأرب طويلا ما لم تنكسر القبائل بشكل سريع او ان ينج الحوثيون في شراء ذمم بعض الولاءات القبلية حتى يسهل لهم التهام المحافظة الغنية بالثروات النفطية والغازية، ومن ثم تغيير استراتيجية التعامل مع القبائل بالشكل الذي يجعلها لا تقوى حتى على المطالبة بنصيبها مما تنتجه المحافظة.

----------------------------------------
فريق القسم السياسي في صحيفة اليوم الثامن