قصة قصيرة..

انسحاب

أرشيفية

ولاء عمران
كاتبة وصحافية لدى صحيفة الجمهورية المصرية ومجلة حريتي وصحيفة اليوم الثامن
صرخ بأعلى صوته " أنا عارف الحقيقة " وظل يصرخ مرات ومرت ..تجمهر حوله الناس ..سأله احدهم " أية حقيقة " نظر إليه بازدراء وبصق عليه ورحل ..مشي وحيدا ..أتي عليه الليل نام في الطريق مثله مثل أولاد الليل والشوارع ..مضي يوم ..يومان ..ثلاثة وهو على هذه الحالة ..رجع المنزل بملابسه الرثة  وشعره المترب وحلقه الجاف ..دخل قوقعته واحتضن الوهم ونام ..
لم يكن يتخيل أن يصل به الحال إلي هذا الحد ..كان طموحا ..حلم كثيرا أن يصبح نجما وشجعه على ذلك صوته الجميل .....
كبر وكبرت أحلامه معه ولكنها اصطدمت بالواقع المرير فتخلي عنها ..ظن بان أيامه شاخت ولم يعد لها معني ..أهمل بيته ..وزوجته وابنته الو حيده ..تركهما وعاش في قوقعته وحيدا .. كان يشعر بجفاء ناحيتهما ..كان مؤمنا بأن فاقد الشيء لا يعطيه ..لم يعطهما الحب الذي حرم منه .. لم يكن أبويه يعاملانه كما ينبغي ..داهمه المرض النفسي ..لم يعترف مطلقا بمرضه كان مؤمنا بكل ما يقول ..كان يري أنه العاقل الوحيد في العالم وجميع البشر أغبياء ..دائما ما كان يهذي بكلمات كلها بمعني التهديد والوعيد ؟؟ تكلم كثيرا في السياسة ..لم يكن يدري أنها بداية النهاية ..وأي نهاية ؟
مرت الأيام وهو هكذا لا يتغير وشعوره بالمرارة والانكسار وبأن المجتمع يلفظه
لا يموت ..كان في كل وقت يصب لعناته علي المجتمع كله إلي أن جاء يوم واختنق ..شعر بأن شيئا ما يقبض على رقبته ..انتفض وأخذ يجوب الشوارع والطرقات ..صرخ بأعلى صوته ..لعن العالم كله ..لعن الدنيا بكبارها وصغارها ..لم يكن يعلم أن هذا الكلام سيوصله إلي مكان مجهول
أتي مجهولان ..طرحاه أرضا بلا شفقه ولا رحمه ..ضرباه حتى تحطمت ضلوعه ..نزف .. تركاه في الطريق وذهبا إلي حال سبيلهم
أقبل النهار تجمهر حوله أناس كثيرين ..منهم من وقف بدافع الشفقة ..ومنهم من وقف بدافع الفضول .. عرفه أحدهم ونقله إلي منزله .. أفاق من غيبوبته ..نظر حوله وتفحص المكان فوجده منزله ..ضحك ضحكة ساخرة عالية ..ثم أخذ يجول بنظره في المكان وغنى بتهكم "بيت العز يا بيتنا " كان يكره هذه الأغنية سمعها ذات مره في المذياع فحطمه .. راح مرة أخري في غيبوبته ثم فاق بعدها لدقائق وجد ابنته بجواره ..نظر إليها نظره عميقة كلها ألم ..تمني لو ضمها إلي صدره ليشعرها بحنانه ..قبلته ابنته بين عينيه ..غني يصوت متهدج ومتقطع ..خسا ره خسا ره ..فراقك يا جاره " ثم تدحرجت دمعة من عينيه ثم راح في غيبوبته ..ولكن هذه المرة لم يفق منها أبدا....