هناء باهارون تكتب لـ(اليوم الثامن):
أزمة الأخلاق.. أصل العلل ومفتاح الخروج
لو نزلنا إلى الشارع وطرحنا سؤالاً بسيطاً على المارة: ما هي الأزمة التي يعاني منها مجتمعنا ومجتمعات أخرى؟
سنحصل على إجابات تتوزع بين أزمات الخدمات والكهرباء والمياه، وأزمات المال والفرص والعمل، وأزمات التعليم والوعي. جميع هذه الإجابات صحيحة ومحقّة، بل تعكس حجم التحديات اليومية التي يواجهها الناس.
لكن، وراء كل تلك الأزمات، تكمن أزمة أعمق وأخطر: أزمة الأخلاق.
ليس المقصود هنا الأخلاق بوصفها “نصائح مثالية”، بل الأخلاق بوصفها منظومة قيم قادرة على توجيه الأفراد نحو ما ينفع المجتمع ويحمي استقراره وحقوقه ومصالحه. والسؤال الجوهري: لو سادت الأخلاق، هل كانت مشكلات الخدمات والفساد والصراعات لتتفاقم بهذا الشكل؟
من يتأمل في المشهد اليومي سيلاحظ أن غياب الأخلاق لا يظهر في السلوكيات الصغيرة فقط؛ بل يظهر في جودة العمل، في احترام الدور والقانون، في الالتزام بالمسؤولية العامة، وفي طريقة إدارة الاختلاف. عندما تقف الطوابير في زحمة وعراك وتبادل للاتهامات، فالأساس ليس نقص الخدمات، بل ضعف الوعي الأخلاقي. وعندما تتردى جودة العمل في المؤسسات العامة والخاصة، فالمشكلة ليست نقص الموارد فقط، بل غياب الالتزام الأخلاقي تجاه أداء المهنة.
أزمة الأخلاق ليست قضية فردية؛ إنها قضية دولة ومجتمع. إن غياب القيم يجعل المجتمعات سهلة الانزلاق نحو الفساد، ويجعل الصراعات قابلة للاشتعال، ويحول الأزمات الاقتصادية إلى مأزق وجودي.
الدين الإسلامي بُني أول ما بُني على أساس الأخلاق. وقد عبّر الصحابي جعفر بن أبي طالب عن جوهر الرسالة عندما تحدث أمام النجاشي فقال: كان الإسلام إصلاحًا لأخلاق الناس قبل أن يكون شعائر وطقوسًا.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق».
والرسول لم يقل إن أحب الناس إلى الله أكثرهم صلاة وصيامًا، بل قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً».
لماذا؟ لأن الشعائر علاقة بين الإنسان وربه، أما الأخلاق فهي اختبار مباشر للعلاقة بين الإنسان والآخرين، بين المواطن والدولة، بين العامل والمؤسسة، بين التاجر والمستهلك، بين الحاكم والمحكوم.
إن بناء المجتمع على أخلاق راسخة يشجع التعاون ويحمي الحقوق ويمنع الفساد، ويفتح أبواب التنمية الحقيقية. أما غياب الأخلاق فيقود إلى واقع مأزوم مهما كثرت الموارد أو تحسنت الخدمات.
ومن هنا يمكن فهم القاعدة القرآنية الحاسمة: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».
لذلك، لو سادت الأخلاق في مجتمعاتنا، فإن كثيرًا من أزماتنا ستنحسر تلقائياً؛ لأن الجذر المسبب لها سيتلاشى. ليست المسألة وعظًا.. بل معادلة واقعية للوصول إلى مجتمع آمن ومتماسك.
ويبقى السؤال الذي يستحق التأمل:
هل يمكن لمجتمع متخلٍّ عن أخلاقه أن يسير نحو الاستقرار والبناء؟
وهل نمتلك الشجاعة لبدء التغيير من داخل ذواتنا قبل مطالبة الآخرين بالتغيير؟


