د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحقيقة التائهة بين النظام الإيراني والنظام العالمي

مزيجاً من التناقضات في تصريحات واستعراضات نظام الملالي ورسائل الغرب ونظامه العالمي..

  لكل مفردة تصدر من التصريحات الصادرة عن أطراف الاستعراض معنىً خاص ورسائل تختفي ورائها مسارات نعلم بعضها ونجهل الكثير منها، وتُستنبط الآراءُ من قراءتها؛ في تصريح للرئيس الأمريكي ترامب بولايته الحالية يقول ما معناه "لقد روضنا النظام الإيراني ولم تعد هناك مخاوف منه" بمعنى أنه اطمئنوا لا قلق ولا سلاح نووي ولا غيره والنظام مستقيم وانتهى الأمر.. ثم يأتي بعدها رئيس وكالة الطاقة الذرية ليناقض قول ترامب ويثير القلق حول برنامج الملالي النووي بقوله "رغم الضربات القوية التي تعرض لها لا تزال القدرات التقنية للبرنامج النووي الإيراني عالية وبمقدور إيران إنتاج عشرة قنابل نووية وفق وتيرة العمل الحالية، ويستمر غروسي في تهديداته وتلميحاته.. ويمضي غروسي رئيس الوكالة الذي هو جزء هام من النظام العالمي ويقول "إلا أنه لا يوجد دليل على أن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي.. كقول ترامب إنهم يسعون من أجل البقاء".. ثم يأتي من بعدهما عباس عراقجي وزير خارجية الملالي ليقول" إن إدارة العلاقة مع الأمريكان ممكنة لكن مطالبهم تدفعنا إلى الانسحاب من المفاوضات.. وبشأن غروسي يقول لا نعلم إن كان قلقاً علينا أم أنه يهددنا وينتقل إلى التصعيد في لهجته ضد غروسي متوعدا إياه ورهطه ونهجهم بالفشل.."

ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني الذي كلف حتى اليوم قرابة 3 تريليون حيث كلف حتى عام 2021 تريليوني دولار وفقا لتصريح الأستاذ الجامعي الإيراني علي رضا نامور وقد ترتقي كلفة التصعيد في الأنشطة النووية الإيرانية وما يتعلق بها خاصة بعد الضربات العسكرية إلى ثلاثة تريليون دولار.. وبالطبع فإن هكذا أنشطة بهكذا تكاليف ليست لبناء محطات طاقة نووية، ولكون الغرب مطلعا بذلك منذ البدايات وموقناً أن القدرات النووية للملالي تستهدف العرب.. أما هم فلن تمسهم بسوء بل ستخدم مصالحهم لذلك كان النظام العالمي الذي ينتمي إليه كلاً من ترامب وغروسي ووكالته جزءا من سرية هذا النظام، ولولا فضح المقاومة الإيرانية لأسرار هذا البرنامج لبقي على سريته بتغطية من الغرب، ومن هنا كان النظام العالمي أمام مأزق احتواء عملية الإفشاء تلك وترتيب السيناريوهات المطلوبة للمرحلة المقبلة في إدارة الصراع بالملف النووي الإيراني الذي لا يزال الغرب يتعامل معه بمنطق المناورة والمساومة حتى يومنا على عكس التعامل مع البرنامج النووي والتسليحي العراقي الذي كان مجرد افتراضات لم تستطع وكالة ايكيوس والبرادعي وغروسي وغيرهم إثبات دليل واحد على صحة ما افترضوه بشأن العراق سواء قبل عام 2003 أو بعد احتلال العراق سنة 2003 حيث أصبح كله بقبضة النظام العالمي.. والفرق بين البرنامجين النوويين في طهران وبغداد عظيم؛ في طهران سيهدد البرنامج النووي العرب وليس الغرب، وفي بغداد سيقوي البرنامج النووي العراقي العرب ويضع الغرب عند حدودهم.. لذلك تحامل النظام العالمي ووكالته ومؤسساته على العراق في حين دعم نظام الملالي وجوداً وتسليحاً حفاظاً على المصالح.

الحقيقة التائهة عنا أو عن بعضنا هي أن البرنامج النووي الإيراني الذي لن يهدد سوى العرب سيكون عاملاً مهماً في إنعاش الاقتصاد الغربي وسيدر عليه تريليونات الدولارات من عائدات بيع وصيانة الأسلحة التي ستأتي بعوائد من اتفاقيات اقتصادية أخرى.. ومن هنا تأتي التناقضات في تصريحات الوكالة وغروسي وسائر أقطاب النظام العالمي أمراً طبيعيا جدا وفقا لما تتطلبه قواعد إدارة الصراع في ظل هكذا ظروف، وستبقى هذه التناقضات قائمة، وقد سبق وأن قال ترامب نفسه بأن النظام الإيراني على بعد أسابيع من صناعة القنبلة الذرية وكذلك غروسي في تصريحات وتأكيدات مماثلة تناقضت مع ما لحقها من تصريحات يبدو أن القصد إرباك قناعات الرأي العام العالمي بشأن خفايا الأمور بين الغرب وملالي إيران.

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي