د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

أصوات حرة من بروكسل تنادي بإسقاط النظام الإيراني

فسيفساء إيرانية على امتداد البصر في بروكسل.. لوحةٍ حضارية حرة تجلى فيها النوع الإيراني الذي آثر التضحية والتفاني ولم يدخر دماً ولا مالاً ولا عمراً على مر عقود طوال، ولقد جسدت اللوحة مطالب الشعب الإيراني الثائر في وجه الدكتاتورية المتلحفة باطلاً وخداعاً برداء الدين، لوحةً من الأحرار من كل طيف ووجهة؛ كُتِبت بحبر كريم وريشة مناضلين لا يسعون وراء سلطة بل جُل همهم كرامة وطنهم والإنسان الذي يعيش على أرضه.

لقد كانت بروكسل يوم السادس من سبتمبر أيلول استعراضا مهيبا ورسالة قوة وشرعية واقتدار واستعداد يساندها العالم الحر موجهة للمجتمع الدولي وتيار الاسترضاء الغربي المساند لنظام الملالي والمتواطئ معه متستراً على جرائمه وانتهاكاته التي لم تقتصر على الشعب الإيراني فحسب بل وصل لدول وشعوب منطقة الشرق الأوسط.. وذاك هو حال العراق واليمن ولبنان وسوريا وغزة وفلسطين وكل أرض وطأتها أقدام ملالي إيران وكل قضية تدخلوا فيها.

لا شرعية لمن لم تختاره الشعوب ومن لم يرعى مصالح الشعوب.. وفي دولة كإيران فرض المستعمرين نظام الشاهنشاهية على الشعب الإيراني، ولما خلع الشعب الإيراني الشاه وأسقط نظامه عاد المستعمر وفرض الملالي على الشعب الإيراني الذي أقام ثورته في عام 1979 للخلاص من الاستبداد والدكتاتورية وليس لاستبدال دكتاتورية الشاهنشاهية بدكتاتورية الملالي.. وهكذا فعلتها قوى الاستعمار كما فعلتها من قبل في إسنادها للشاه وفي عدائها مع المرحوم الدكتور محمد مصدق.. كذلك لا شرعية لمن يُقيم حكمه بالحديد والنار والطغيان وهدر كرامة الإنسان ونشر الفتن والضغائن والعدوان على الجار؛ وهو ما يقوم عليه نظام الملالي.. نعم لا شرعية لنظام الملالي وهكذا قالها الشعب في انتفاضاته المتوالية وهكذا قالتها نساء إيران في كافة أرجاء عندما قالت لا للدكتاتورية سواء كان الشاه أو المُلا.. وبحجاب وبدون حجاب ماضون للأمام نحو الثورة، ولا زالت هذه الرسائل مستمرة ولا زالت الانتفاضة مستمرة.

كانت المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي على الدوام ملهمة مواكبة لما يجري في إيران معنية به ومدافعة عنه.. مدافعة عنه قريبة من معاناة الشعب متعايشة معها، وقد كانت ولا زالت مؤمنة بقدرة الشعب الإيراني على التغيير.. وفي تظاهرة السادس من سبتمبر أيلول كانت السيدة مريم رجوي أكثر إلهاما وتحدياً وتبجيلاً لمسيرة المناضلين وخاصة المرأة المناضلة في مجاهدي خلق من منطلق أنهن اليوم قدوةً ومثالا للعطاء والتضحية لكل المناضلين في صفوف المنظمة وللنساء الإيرانيات المنتفضات داخل إيران وداخل وحدات المقاومة.. وقد كنت أنا كاتب هذا المقال أخاً فخوراً بهن، ومقرباً منهن ومؤمنا بهن وبقدراتهن وموقراً لهن عارفاً لقدرهن.. وقد ذكرت السيدة مريم رجوي بعضاً منهن ليس على سبيل الحصر بل على سبيل الذِكر والتذكير بعطاء وإيثار المناضلين وضرورة الوفاء لهم أشخاصاً ومسيرة.. فقالت: أخواتي العزيزات فهيمة، شهرزاد، نسرين، تهمينة، موجكان، صديقه، زهره، والآن زهرا بكل كفاءاتها.. إنّهن ومع صفّ من النساء البطلات في المجلس المركزي لمجاهدي خلق أوجدن علاقات جديدة تشكّل نموذجًا لتحرّر النساء والرجال، ومفتاحًا لتقدّم مجتمع الغد.   

رؤية البديل الديمقراطي "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" ليست وليدة اليوم 

ليست رؤية المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وليدة اليوم وإنما هي وليدة أول اجتماعاته في ربيع عام 1982، وهذه الرؤية كانت ولا زالت من الصور الواضحة الجلية التي تكررها السيدة رجوي وتؤكد عليها على الدوام قائلة هذا ما أقره المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية على نفسه منذ تأسيسه، ومن ضمن رؤية المجلس "البديل الديمقراطي" أن ملف المهام العاجلة للحكومة المؤقتة سيكون لمدة ستة أشهر بعد إسقاط نظام الملالي، وهذه المهام العاجلة تتضمن عشرة بنوداً أيضا.. منها أن المهمة الأساسية إجراء انتخابات حرّة لانتخاب الجمعية التأسيسية والتشريع الوطني.. أي انتخابات تقوم على اقتراع عام مباشر، ومتساوٍ وسري لكل أبناء الشعب الإيراني.. يسبق كل ذلك إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، ونزع سلاح وحلّ جميع الأجهزة الرجعية وأدوات القمع والرقابة بدءا من قوات الحرس وميليشيا البسيج وإلى حل محاكم ما يسمى بـ "محاكم الثورة الإسلامية ومحاكم الشرع، والأجهزة السياسية الأيديولوجية، والمجلس المسمّى بـ الثورة الثقافية، وأجهزة التربية وصولًا إلى الأجهزة القمعية المناهضة للفلاحين والعمال" ومن ثم إعادة الحقوق لكل الذين تعرّضوا للتصفية والحرمان ظلمًا خاصة الموظفين، والمدرسين، والمعلمين، والعمال، والمتقاعدين.. وللنهوض بإيران يجب دعوة جميع العناصر الوطنية والمتخصصين داخل إيران وخارجها للمشاركة في العمل الوطني.. وتلك هي مقتطفات عن الرؤية التي وضعها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية عام 1982 وأقرها ملزما نفسه بها حتى اليوم.

لم يقتصر حدث بروكسل المهيب الذي تقيمه المقاومة الإيرانية على مشاركة جماهير المقاومة الإيرانية وأنصارها ومحبيها وحشود المعارضين الإيرانيين وعشرات الشخصيات العالمية المرموقة بل شاركت فيه وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق داخل إيران من خلال عملياتها البطولية المتوالية ضد أجهزة نظام ولاية الفقيه القمعية، وكذلك مشاركتها عبر خاصية الأونلاين في تظاهرة بروكسل.. وكذلك شارك أحرار العالم، وأبناء الشرق الأوسط المتضررين وأهل الفكر الحر والاعتدال مشاركات حضورية ومشاركات تعبيرية من خلال آرائهم وأقلامهم.

الأصوات الحرة التي صدحت في بروكسل والصور الحية التي تجلت هناك ليس سوى تأكيد سنوي منذ عام 1982 على بيعة تستمر بالعطاء حتى يُسلم المجاهدين السلطة للشعب الإيراني.

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي