د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

يهددون العالم بالصواريخ ويخشون من أهل القبور

ملالي إيران تلاحقهم جرائمهم وتقض مضاجعهم، ويخشون من ملاحقة أهل القبور لهم في الوقت الذي يهددون فيه أوروبا وأمريكا بالصواريخ..  

 اعتراف مساعد رئيس بلدية طهران بتحويل مقابر آلاف شهداء الثمانينات رسمياً إلى مرآب للسيارات وبطلبٍ منه..

 ساوموهم على آرائهم وكرامتهم ثم لم يجدوا منهم إلا ثباتاً فاتهموهم بمحاربة الله حتى يسهل سفك دمائهم والتنكيل بهم في السجون بفتوى الحِرابة فأبادوا منهم 30 ألفاً، ولم تنتهي مجزرة الإبادة الجماعية هذه عند هذا الحد بل وصلت حد أنهم لم يسمحوا لذويهم بدفنهم وتكريمهم بعد موتهم كما يقول الشرع وكما يقول العُرف، وهل انتهى الأمر عند ذلك الحد لا لم ينتهي بل وصل حد هدم القبور الجماعية وتحطيم الشواهد ومنع زيارة ذويهم لقبورهم ثم السعي إلى تجريف تلك المقبرة لتصبح مرآب سيارات بقرار سياسي، وبذلك يتم طمس معالم وأدلة إحدى مجازر الإبادة الجماعية التي وقعت بحق الصفوة من أبناء المجتمع الإيراني أطباء ومهندسين ومحامين ومدرسين و...؛ وعلى هذا النحو والسلوك من لدن نظام ولاية الفقيه يمكن القول بأن جريمة الإبادة الجماعية تواصلت منذ ثمانينيات القرن الميلادي الماضي حتى اليوم " قتل وإخفاء جثث.. منع الزيارة وإخفاء وتحطيم شواهد القبور ووضع المقبرة تحت حراسة أمنية مشددة.. ثم التجريف وتحويل المنطقة إلى مرآب سيارات فينتهي كل دليل على المجزرة قبل الوصول إلى يوم محاكمتهم.. هذا إن أفلحوا والله لا يخلف وعده.. فدماء الأبرياء تبقى معلقة في رقاب الجلادين والمجرمين.. وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين.   

سفك الدماء وقتل الأبرياء ليس بالأمر الطبيعي أبدا عند الأسوياء.. فما بالكم إن كان سفاك الدم هذا من المدعين بالإسلام ولم يسلم الناس من ألسنتهم ولا أيديهم، ومن المدعين بالإيمان والولاء لآل بين النبوة الأطهار ولم يبدو عليهم ولا في سلوكهم سِمةٍ من سمات الإيمان ولا اقتداء لآل بيت المصطفى عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.. الأمر خارجٌ تماماً عن الإسلام وأخلاقه.

في شاهنشاهية ملالي إيران يقتلون الأبرياء بتهمة محاربة الله، أما كيف يُحارب الله فلا يقولون ولا يوضحون الحقائق؛ أصدر كبيرهم في حينها فتوى دينية عُرِفت بـ فتوى الحِرابة كي يتخلص من خصومه السياسيين.. قمعوهم واعتقلوهم وحكموا عليهم قضائياً بالسجن لكن مجرد بقائهم في السجن على قيد الحياة لا يزال يُرعِب الملا السلطان.. لذا لابد من القضاء عليهم، وكيف يتم القضاء عليهم لا شيء سوى فتوى دينية تُعطي لجريمة الإبادة الجماعية بحق هؤلاء السجناء صِبغة شرعية لتبدأ سلسلة من الجرائم المنظمة والمخططة لها ترافقها عملية توزيع الأدوار" خميني يُصدر فتوى، ورئيسي يُشكل لجان الموت التي ستبدأ في التعامل مع عشرات آلاف السجناء السياسيين لتحاكمهم مرة أخرى على جريمة تمت محاكمتهم عليها من قبل، والبعض منهم سيخرج عما قريب بعد أن أتم مدة حبسه؛ فالمتهم عدوٌ لهم يهدد عرشهم، وهنا السلطان عدو المتهم وهو الحاكم والقاضي والسياف.. وهو الذي سيُصيغ وسينشر الخبر في وسائل الإعلام التابعة له.

إن كانوا فعلا على ادعائهم بالإسلام والإيمان فحد الحِرابة لا يُقام إلا على من يجتمع فيهم ويثبت عليهم جٌرم الحِرابة وهو " التعدي بالقتل والسرقة على الآمنين نهاراً جهاراً معترفاً بذلك" وفي العادة لا يمكن أن يحدث ذلك في وسط المدن ومن قِبل أطباء ومهندسين ومحامين ونخبة المجتمع، علما أنه قد تم اعتقالهم على خلفيات سياسية لانتمائهم لمنظمة مجاهدي خلق، وقد حاول الملالي أن يأخذوا منهم البيعة لخميني نظير تبرئتهم وإطلاق سراحهم ورفضوا ذلك.. وفي حد الحِرابة أو أي حد شرعي لا تجوز المساومة لكنه إسلام الملالي الذي لا علاقة له بالإسلام.

أعلنت أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في الـ 11 من شهر آب / أغسطس 2025 عن تدمير وتسوية القطعة 41 في مقبرة بهشت زهرا حيث يرقد آلاف من شهداء منظمة مجاهدي خلق من الذين استشهدوا على يد جلادي خميني عام 1981؛ مؤكدة في البيان أن إزالة آثار الإبادة الجماعية والجريمة ضدّ الإنسانية المتعلقة بهذا الموقع هي استمرار بالمشاركة في تلك الجرائم الوحشية، وهو بالفعل استمرار لجرائم الإبادة الجماعية تلك وسعي من طرف نظام ولاية الفقيه لإخفاء معالم جرائمه في وقت تتصاعد فيه التوترات بينه وبين المجتمع الدولي حيث هدد الملالي بالتصعيد وضرب أوروبا وأمريكا بالصواريخ، وقد يستخدم هذا الأخير جرائم الإبادة الجماعية هذه كوسيلة لمساومة هذا النظام وفرض إملاءاته عليه.. وبالطبع ليس هذا هو الدافع الوحيد الذي يدفع النظام إلى التعدي على أهل القبور بل قد يكون الخوف من السقوط هو أحد الدوافع أيضاً.

من لم يخشى الله في الأحياء لن يهابه ويخشاه في الأموات، وثقافة التعدي على أهل القبور والتنكيل بهم ليست جديدة على ملالي إيران ومدرستهم فقد سبق أن تعدوا هم ومرتزقتهم على قبور في إيران والعراق.. حيث أقدم نظام الملالي على تدمير قبور مجاهدي خلق الذين أُعدموا في الثمانينات في تبريز، ومنهم شهداء مجزرة عام 1988 في مقبرة وادي رحمت، وقد جرى حتى الآن تدمير قبور 75 قبراً من قبور الشهداء من بينهم الشهيد أكبر چوپاني وثريا أبوالفتحي التي أُعدِمت وهي حامل، كما تعدى مرتزقة الملالي في العراق على مقبرة النجف وجرفوا مساحات كبيرة منها لينتفع بها موالين لملالي طهران.. كما تعدوا مقبرة شهداء منظمة مجاهدي خلق في مدينة أشرف بالعراق..

هؤلاء المدعون الحاكمون في إيران باسم الإسلام لا دين ولا ديانة ولا بصر ولا بصيرة.. ولو كانوا مبصرين لانتبهوا واكترثوا لقول الله تعالى عندما يخاطب عباده بخطاب الرحمة ليتقوا شرور أنفسهم ولأجل أن تُبصِر أفئدتهم باتباعهم الهدى.. 

 بسم الله الرحمن الرحيم 

"أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" 

التهديد بالصواريخ والتعدي على أهل القبور ليس دليل إيمانٍ ولا رشد وإنما دليل خروج وضعف وهوان وقبح.. وفي النهاية سينتصر أهل القبور.

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي