وضاح الهنبلي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الشرعية القانونية للوحدة اليمنية بعد 1990.. إكراه سياسي أم شراكة دولية؟

تُعد اتفاقية الوحدة اليمنية الموقعة في 22 مايو 1990 بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، نموذجًا فريدًا لمعاهدة دولية أبرمت بين دولتين مستقلتين وذواتي سيادة معترف بهما في الأمم المتحدة، نتج عنها إنشاء دولة جديدة باسم الجمهورية اليمنية. وبالنظر إلى طبيعتها، فإن هذه الاتفاقية تخضع لقواعد القانون الدولي للمعاهدات، وبالأخص لأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، التي يعتبر الفقه والقضاء الدولي أن معظم موادها اكتسبت صفة العرف الدولي الملزم لجميع الدول، حتى تلك التي لم تصادق عليها، استنادًا إلى مبدأ أن العرف الدولي جزء لا يتجزأ من القانون الدولي العام.

منذ لحظة التوقيع، شابت هذه الاتفاقية عدة إشكالات قانونية تتعلق بشرعية الرضا وصحة الإجراءات. فالمادة 46 من اتفاقية فيينا تنص بوضوح على أنه لا يجوز للدولة الاحتجاج بانتهاك قانونها الداخلي لإبطال معاهدة، إلا إذا كان الانتهاك ظاهرًا ويمس قاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي. وفي حالة الجنوب، لم يُطرح مشروع الوحدة على استفتاء شعبي رغم أن الدستور نص على أن السيادة للشعب وأن أي تغيير يمس طبيعة الدولة يجب أن يُقرّ عبر آلية تمثيلية أو استفتائية. الاكتفاء بقرار سياسي محدود من قيادة الحزب الاشتراكي، دون العودة للشعب، يمثل خرقًا جوهريًا لقاعدة أساسية في النظام الدستوري. وبذلك يصبح الرضا المعبر عنه من قبل ممثل الجنوب غير مستوفٍ لشروط الصحة الدستورية، وهو ما يفتح المجال للطعن في مشروعية الاتفاقية من أساسها.

إضافة إلى ذلك، يثير عنصر الغش المنصوص عليه في المادة 49 من اتفاقية فيينا مسألة بالغة الأهمية. فالجنوب دخل الوحدة على أساس شراكة سياسية ودستورية متساوية، لكن الممارسة العملية أثبتت أن الطرف الآخر كان يضمر نية مبيتة لإلغاء الشخصية الدولية للجنوب والاستحواذ على السلطة، وهو ما ظهر بوضوح خلال فترة قصيرة من خلال الإقصاء السياسي والتفرد بالقرار، ثم الحرب في عام 1994. مثل هذا السلوك يدخل في نطاق الغش والخداع الذي يجيز للمتضرر أن يعتبر المعاهدة باطلة.

كما أن المادة 52 من اتفاقية فيينا توضح أن المعاهدات المبرمة تحت التهديد أو باستخدام القوة تكون باطلة. ورغم أن الوحدة لم تُفرض بالقوة العسكرية عند توقيعها، فإن ما جرى في حرب 1994 أكد أن الطرف الشمالي لجأ إلى الحسم العسكري لفرض صيغة ضم وإلحاق، لا وحدة قائمة على التوافق. ويعني ذلك أن استمرار هذه الاتفاقية أصبح قائمًا على الإكراه العسكري، في تعارض صريح مع ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة لتغيير الحدود أو فرض المعاهدات.

أما المادة 53 من الاتفاقية ذاتها، التي تتعلق بالقواعد الآمرة Jus Cogens، فتفتح المجال أمام بطلان المعاهدات المخالفة لحق الشعوب في تقرير المصير. استمرار فرض الوحدة بالقوة العسكرية، ومنع شعب الجنوب من التعبير عن إرادته بحرية، يتناقض مع أحد أهم القواعد الآمرة المعترف بها عالميًا، والتي كرستها قرارات الأمم المتحدة، لاسيما إعلان 1960 بشأن منح الاستقلال للشعوب المستعمرة وقرار الجمعية العامة 2625 لعام 1970 حول العلاقات الودية.

علاوة على ذلك، نصت المادة 60 من اتفاقية فيينا على أن الإخلال الجسيم بالمعاهدة من قبل أحد الطرفين يجيز للطرف الآخر إنهاءها. وقد جسدت حرب 1994، وما تبعها من إقصاء ممنهج للكوادر الجنوبية والاستحواذ على مؤسسات الدولة وتسريح الجيش الجنوبي وإجبار عشرات الآلاف على التقاعد المبكر، إخلالًا جوهريًا ببنود اتفاقية الوحدة التي نصت على الشراكة والتكافؤ. وبذلك يحق للطرف الجنوبي التمسك بحقه في إنهاء الاتفاقية وفقًا لهذه المادة.

وتبرز المادة 62 المتعلقة بالتغير الجوهري في الظروف لتؤكد بدورها انطباقها على الحالة اليمنية. فالأساس الذي قبل الجنوب بموجبه الدخول في الوحدة كان قيام نظام ديمقراطي تعددي وضمان شراكة متساوية. هذا الأساس انهار جذريًا بعد 1994، حين تحولت الدولة إلى نظام أحادي قائم على السيطرة المطلقة لطرف واحد. وهو تغير يمس جوهر التزامات الاتفاقية ويبرر إنهاءها. وقد فسرت محكمة العدل الدولية في قضية غابشيكوفو-ناجماروس عام 1997 هذه المادة باعتبارها تعكس قاعدة عرفية دولية، لكنها أكدت أن تطبيقها يجب أن يكون في حالات استثنائية وجوهرية، وهي شروط تنطبق بوضوح على ما حدث في اليمن.

إلى جانب ذلك، يظل مبدأ حسن النية، المنصوص عليه في المادة 26، حجر الزاوية في تنفيذ المعاهدات. الاتفاقية لم تُنفذ بحسن نية، إذ حوّلها الطرف الشمالي إلى أداة للهيمنة، وهو ما يفقدها مشروعيتها. كما أن التعديلات الدستورية الأحادية التي أُجريت بعد الوحدة تُعد خرقًا للمادة 27، التي تحظر الاحتجاج بالقانون الداخلي كذريعة لعدم تنفيذ المعاهدة.

إن الفقه الدولي، كما عرض له إيان براونلاي ومالكولم شاو، يوضح أن المعاهدات التي تُبرم بالغش أو تحت الإكراه أو بما يخالف القواعد الآمرة، تكون باطلة. ويشير شاو إلى أن مبدأ حسن النية ليس التزامًا أخلاقيًا فقط بل قاعدة قانونية جوهرية تضمن استقرار النظام الدولي، وأن غيابها يؤدي إلى انهيار أي التزام تعاقدي. وقد طبقت محكمة العدل الدولية هذا المبدأ في أكثر من قضية، مؤكدة أن بقاء المعاهدات مشروط بالوفاء المتبادل بحسن النية.

انطلاقًا من ذلك، فإن اتفاقية الوحدة اليمنية لم تعد قائمة من منظور القانون الدولي، لا بسبب إخلالات إجرائية ودستورية في لحظة التوقيع فحسب، بل أيضًا نتيجة الغش والإكراه والإخلال الجسيم والتغير الجوهري في الظروف. كما أن استمرار فرضها بالقوة يمثل انتهاكًا لحق تقرير المصير، وهو قاعدة آمرة لا يمكن التنازل عنها. وبناءً عليه، يمتلك شعب الجنوب الحق القانوني والسياسي في استعادة دولته المستقلة، استنادًا إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات وإلى ميثاق الأمم المتحدة والقواعد العرفية الملزمة في القانون الدولي.