أمين اليافعي يكتب:

إلى أين تتدحرج كرة ثلج الصراع

لا أحد يعلمُ إلى أي مدى، وفي أي اتجاه يُمكن لكرة ثلج الصراع بين إسرائيل وإيران وشبكاتها في المنطقة أن تتدحرج. فبعد أيام من الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل، والأول من نوعه، أكّد وزير الخارجية البريطاني الأربعاء ما سبق أن أعلنته حكومة الحرب الإسرائيلية بعد ساعات قليلة من الهجوم في عدم توانيها عن الرد.

وبينما تتصاعد نبرة التصريحات بين الجانبين بالتهديد بالرد المُقابل على كل “رد”، وتحذير الكثير من دول العالم الطرفين وضرورة ضبط النفس وعدم التصعيد، تضطرب توقعات المحللين والمراقبين في تقديراتهم للطريقة التي ستؤول إليها الأحداث خصوصاً إذا دخلت في دوامة من الردود المتبادلة والمتصاعدة.

هنالك عوامل كثيرة ستلعب دوراً بارزاً في رفع وتيرة هذا الصراع أو خفضه أو ربما ضبطه في مستوى معين، لعل أبرزها: صراع حكومة بنيامين نتنياهو على شعبيتها في إسرائيل، وحسابات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حتى موعد الانتخابات الأميركية، والوضع في غزة وتداعياته الإنسانية والسياسية، وملف القضية الفلسطينية برمته، وطريقة استجابة النظام الإيراني مع الإهانات التي يتلقاها باستمرار، إضافة إلى الطريقة التي ستتفاعل بها أدوات إيران في المنطقة مع الأحداث.

يبدو واضحاً وإلى حد اللحظة أن الطرفين لا يرغبان في خوض حرب شاملة الأمر الذي يؤكده عدم التسرع في الرد المباشر، ومحاولة تلقي الضربة ثم التفكير في طريقة مناسبة للرد. ومع أن “حكومة الحرب” اليمينية في إسرائيل تبدو الأكثر تصميماً على التصعيد من بين كل الأطراف الفاعلة في هذا الصراع، لكن هذه الحكومة التي اجتمعت “تحت الأرض” للإعلان عن عزمها على الرد، من المُستبعد ووفقاً لكل الحسابات والتقديرات المتوفرة، أن تضع في حساباتها الدخول حالياً في حرب شاملة مع إيران.

في ظهوره الأول للتعليق على أحداث غزة، برر حسن نصرالله عدم انخراط حزبه في حرب مع إسرائيل بسبب التهديد الذي تلقوه (غالباً من أميركا) بضرب إيران، بمعنى أن أي حرب مفتوحة مع إيران سيكون حزب الله طرفاً فاعلاً فيها، فهو خط الدفاع الأول عنها، وبما أن إسرائيل لم تفتح جبهة على الحدود اللبنانية، فيعني أن فتح حرب مع إيران مستبعد في هذا التوقيت. ربما تُراهن حكومة نتنياهو على ضرب قائمة أهداف حيوية في إيران كصيغة من صيغ الرد (الرادع) وبما سيؤدي إلى تعزيز مكانتها وصورتها داخلياً وخارجياً وعدم التورط في صراع واسع في ظل وضعها الحالي في غزة.

في الجهة المقابلة، تبدو إيران أكثر الأطراف تهرباً من المواجهة المفتوحة، فكل موازين القوى ليست في صالحها، فضلاً عن حالة الدعم الكبير الذي حظيت به إسرائيل من المجتمع الغربي بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر. ستحاول إيران مواصلة انتهاج سياسة “حفظ ماء الوجه” على طريقتها أمام إهانات إسرائيل، وبالطريقة الاستعراضية (الكاريكاتورية) التي اعتادت عليها، والتركيز على تعزيز حضورها عن طريق المقايضة بوسائل ومغامرات أخرى، مستفيدة من وضع وتجارب المنطقة مع الحروب في السنوات الأخيرة، ومستغلة كل الفرص، وبلا هوادة، لخدمة بنك أهداف مصالحها الخاصة، ومنها تعزيز موقفها في المفاوضات على الملف النووي.

أميركا في ظل إدارتها الحالية التي تسعى إلى تقمّص دور الحَكَم، كل ما تحاول أن تقوم به هو ممانعة نقل المباراة إلى الملعب الكبير / الرئيسي، وإن سمحت أو تغاضت عن استمرار اللعب – غير النظيف – في الحواري والأزقة الجانبية. تبدو الأشهر المتبقية على الانتخابات الأميركية زمناً طويلاً مقارنة بمستوى وتيرة الأحداث في المنطقة، فإدارة بايدن تحاول جاهدة أن تستفيد من سيناريوهات “حافة الهاوية”، أو كما يتم تصويرها إعلاميا، لإعطاء صورة للناخب الأميركي بقدرتها على الإمساك بخيوط لعبة هي في منتهى الخطورة، خصوصاً بعد الانتقادات الكبيرة التي تعرضت لها في تعاملها مع ملف الحوثي فضلاً عن تبعات التداعيات الإنسانية في غزة، مراهنة في نفس الوقت على عدم رغبة كل الأطراف بالانجرار إلى حرب مفتوحة.

لكن الأسئلة المستقبلية المهمة بعد رسو سفينة المرشح الفائز في البيت الأبيض ستبقى إجابتها معلقة: هل يمكن أن تختلف السياسيات الأميركية كثيراً عما شهدناه في السنوات الماضية لتجاري وتيرة الأحداث في المنطقة؟ وما هي الوسائل (المختلفة) التي ستتوفر لديها – سواء أصبح الرئيس ترامب أو استمر بايدن – لكبح جماح الصراع المسلح في الشرق الأوسط خصوصاً بعد التجربتين المريرتين في كل من العراق وأفغانستان.

كل المؤشرات تشي باستمرار تصاعد وتيرة الصراع في المنطقة في ظل شروط لم تُفرز سوى أطراف يبدو أن استمرار الصراع يحقق لها مكاسب كبيرة داخلية وخارجية، أو هكذا ترى على الأقل، ومن المُستبعد بقاؤه عند مستوى معين قابل للسيطرة عليه. بمعنى آخر؛ نحن ومنذ سنوات أمام مشهد أصبحت فيه “حروب الحواري” استمرارا للسياسة بوسائل أخرى وجدت فيها أطراف الصراع في المنطقة ضالتها، لذلك هي متفقة على خوضها بدأب باعتبارها الوسيلة الوحيدة المتوفرة لديها، وفي ظل تخاذل ما يُسمى بالمجتمع الدولي! لكن قد تكون العلاقة بين الوسيلة (الحرب) والغاية (المصالح السياسية) شائكة جدا في ظل اندفاع الأحداث ودخول معطيات جديدة غير متوقعة، وفي نقطة ما قد تتجاوز الوسيلة الغاية!