د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
كهنة ولاية الفقيه والموقف من الأقليات في إيران والمنطقة
إننا إذ نستعرض موقف وكيفية تعامل كهنة المعبد في نظام الملالي مع مختلف المكونات العرقية والعقائدية والفكرية في المجتمع الإيراني نستعرض الموقف ذاته في العراق وسوريا كدولتين خاضعتين لكبير الكهنة في إيران (الولي الفقيه) وكيف هذا النظام على نحو متناقض يفضح حقيقته وسياساته ومخططاته في المنطقة.
بداية كي تكون الصورة واضحة للقارئ أو الباحث عن الحقيقة في هذا الشأن ليعلم الجميع أن نظام الكهنة الحاكم في إيران لا علاقة له بالإسلام ولا بالمذهب الجعفري وبالتالي لا علاقة له بالشريعة الإسلامية من قريب أو بعيد، وإنما كان الدين وسيلة من أجل السلطة وكان المذهب الجعفري وسيلة لتخدير الناس بشعارات محبة آل بيت النبوة (ص)، وكان الإسلام والقدس وفلسطين وسيلة للتعاطي مع أبناء العالم الإسلامي الخارجي، وحقيقة الأمر هي أن كهنة المعبد في إيران يتبعون النظرية الميكيافيلية ذاتها التي يتبعها الصهاينة في نهجهم من أجل السلطة والهيمنة ويسير الطرفين الميكيافيليين ويلتقيان في المحصلة النهائية بالنتائج وقد تكون لديهم مجموعة من الأهداف المشتركة في مقدمتها كما أسلفنا من تفتيت وإضعاف الدول العربية وضرب العقيدة الإسلامية الحقيقية وخلق أزمات توفر في نهاية الأمر تحقيق هدف الهيمنة على المنطقة بأسرها بالتقاسم بين الطرفين، ولذلك يسير الطرفين في خطين متوازيين ويتجنبان أية مواجهة مباشرة فيما بينهما.
يتكون المجتمع الإيراني عرقياً من الفرس والآذريين والعرب والأكراد واللر والبلوش والتركمان وغيرهم، ودينياً الإسلام وأقليات مسيحية ويهودية وبهائية وصابئة وزرادشتية، وينقسم المسلمين في إيران إلى طائفتين (الطائفة الشيعية على المذهب الجعفري - الطائفة السنية على عدة مذاهب) لا يمكن تسمية أبناء الطائفة السنية في إيران بالأقلية فالمسلمين البلوش والأكراد وبعض العرب وغيرهم هم من أتباع الطائفة السنية على الرغم من أنهم أقل عدداً من المسلمين الشيعة، ولا يمثل ملالي السوء في إيران جميع الشيعة في أوساط قوميات (الفرس و الفرس والآذريين والعرب والأكراد واللر وغيرهم) ولا يمثلون سوى أقلية من المنتفعين من السلطة، وبعد أربعة عقود ونصف من حكم نظرية ولاية الفقيه في إيران يتبين أنه لم ينجو من بطش الملالي في إيران أياً من مكونات الشعب الإيراني، وأن الشيعة في إيران كانوا من أكثر ضحايا هذا النظام الدكتاتوري الفاشي وينطبق الحال تماماً على العراق بعدما تم تطبيق نفس برنامج الكهنة فيه بعد عام 2003 ومباركة غربية، والنتيجة الأهم التي وصل إليها أغلب الشيعة في إيران والعراق والمنطقة أن أكبر ضرر وتشويه وقع على الشيعة والمذهب الجعفري قد وقع على يد نظام ولاية الفقيه، وأكبر خطورة في ذلك أنهم أسسوا لحالة من الفوضى العقائدية التي نتج عنها تفشي الفساد والإلحاد والمخدرات والانحلال الاجتماعي وبدا ذلك وكأنه ممنهج وموجه نحو الهدم لغايات سياسية، كما بدت حالات الهدم في أوساط المسلمين الشيعة أكثر من الهدم الحاصل في أوساط المسلمين السُنة.
موقف كهنة نظام الملالي من الأقليات في إيران
تعاني الأقليات العرقية والدينية والمذهبية والفكرية في إيران أشد المعاناة في حين يدعي الملالي أنهم يدعون بأنهم يحترمون الأقليات، وعلى سبيل المثال لا أعرف ماذا تفعل صورة خميني في مكان عبادة للصابئة في إيران.. حيث قامت فضائية الجزيرة في العقد الأول بعد الألفية الثانية أي منذ ما يقرب من عشر سنوات بتصوير مناسبة حفل زفاف لعروسين من الصابئة في مكان عبادتهم وجاءت كاميرا التصوير بشكل خاطف وسريع على صورة خميني ويبدو أن عدسة الكاميرا قد ارتفعت قليلا من المصور وبشكل غير مقصود ومن الممكن أيضاً أن مخرج البرنامج في قناة الجزيرة لم يكن يفهم تأثير ظهور صورة خميني في برنامج القصد منه تلميع صورة هؤلاء الكهنة.. ويسري نفس النهج على سائر الأقليات.
في حقيقة الأمر أن أبناء الطائفة السُنية في إيران يدفعون ثمن صراع الملالي مع الدول العربية وفي مقدمتهم السعودية، وكذلك مع تركيا إذ يرى الملالي أنه من أجل إقامة إمبراطوريتهم عليهم التوسع على حساب كلا الدولتين (المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية) وقد كانت ولا زالت هيمنة الملالي في العراق وفي سوريا ولبنان واليمن والخليج وفلسطين تسير في هذا المسار وفقاً لهذه الرؤية، وفي يعاني أبناء الطائفة السُنية (العرب والأكراد والبلوش) في إيران أشد المعاناة يسعى الملالي إلى تقديم الدعم والمساعدة للعرب السُنة ومن قبلهم الأكراد السُنة في العراق، وكذلك لفئات من العرب السُنة في فلسطين في حين يضطهدون غالبية العرب الشيعة في العراق، وبينما يقمع الملالي الأكراد الإيرانيين يقدمون دعمهم المالي والسياسي والعسكري للكثير من الأكراد العراقيين شرط أن لا تقوم لهم دولة، ومستعدين لتقديم الدعم لأكراد تركيا المنشقين حتى وإن قامت لهم دولة، وفي حين يقمع الملالي ملايين الإيرانيين على مختلف مشاربهم بسبب فكرهم وآرائهم السياسية قدم الملالي دعمهم للحزب الشيوعي العراقي ولفئات سياسية غير عراقية وغير إسلامية مقيمة على الأراضي العراقية وترفض الدين كمعتقد دعمتهم حتى بات لهم نواب داخل برلمان العار في العراق.
أما السُنة العراقيين العرب والأكراد والتركمان فقد تمت الهيمنة عليهم سواء من خلال أحزابهم وسياسييهم الموالين لكهنة إيران أو من خلال الترغيب والترهيب والقمع.. وتتضح بالنتيجة حقيقة ملالي إيران ونواياهم بالمنطقة، وبالتمعن قليلاً في الجغرافيا السياسية لدول المنطقة خاصة (تركيا والسعودية ودول الخليج والأردن) يجد أن ملالي إيران يحاصرون تلك الدول بمحيط من نار تهدد كيانهم كدول وهوية، وقد تمس استقرار مجتمعاتهم بعد هيمنة الملالي في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن.. وقد سعى الملالي والغرب إلى تغييب تركيا عن الموقف السياسي بالعراق ونجحوا في ذلك.. وللحديث بقية.. وإلى عالم أفضل.
د. محمد الموسوي / كاتب عراقي