عبدالله ماجد آل علي يكتب:

مستشفى إماراتي عائم.. دولة الإمارات العربية المتحدة تداوي جراح غزة

أبوظبي

في الثامن من فبراير(شباط) 2024، أبحر مستشفى إماراتي عائم من ميناء خليفة في دولة الإمارات، متوجهاً إلى شواطئ مدينة العريش المصرية، ليقوم بواجبه في تقديم المساعدة الطبية الضرورية من أجل إنقاذ آلاف الأرواح البريئة في غزة. وتكوَّن طاقم المستشفى من 100 شخص من الأطباء والممرضين والإداريين في تخصصات مختلفة تشمل التخدير والجراحة العامة والعظام والطوارئ. كما يضم المستشفى 100 سرير، وغرف عمليات، وعناية مركزة وأشعة ومختبراً وصيدلية ومستودعات طبية، وطائرة إخلاء وزورق إخلاء طبياً وسيارات إسعاف مجهزة بأحداث الأجهزة الطبية.
والمستشفى العائم جزءٌ من عملية إغاثية كبرى، حملت اسم «الفارس الشهم- 3»، وذلك بعد عمليتي «الفارس الشهم-1» لإجلاء رعايا دول مختلفة من أفغانستان عام 2021، و«الفارس الشهم- 2» التي أطلقت لإغاثة منكوبي الزلزال في سوريا وتركيا في فبراير 2023.
وقد سارعت دولة الإمارات إلى إطلاق «الفارس الشهم-3» في 5 نوفمبر(تشرين الثاني) 2023، بأمر من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقف مسيرة المساعدة الفاعلة، التي شاركت فيها مؤسسات وهيئات إماراتية مختلفة، تعاونت جميعها لأداء هذه المهمة الإنسانية النبيلة. وكما سبقت المستشفى العائمَ خطواتٌ كبرى، فقد تلته أيضاً جهودٌ لم تتوقف حتى اللحظة.
تضمنت عملية «الفارس الشهم- 3»، خلال مئة يوم من انطلاقها، 157 طائرة، و476 شاحنة نقل بري دخلت من مصر، وثلاث سفن شحن محملة بالمساعدات، نقلت 11,105 أطنان من المساعدات. وأنشأت الدولة مستشفى ميدانياً في غزة استقبل نحو 44 ألف حالة، وافتتحت 6 محطات تحلية في مدينة رفح المصرية لضخ مياه الشرب إلى سكان غزة، بطاقة تبلغ 1.2 مليون غالون يومياً، ويستفيد منها نحو 600 ألف شخص. ووصلت 474 حالة إلى الدولة لتلقي العلاج بها.
وشاركت في العملية هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، التي وزعت مليوناً وستمئة وخمسين ألف قطعة ملابس شتوية وأغطية للتدفئة، وقدمت مساعدات غذائية وإغاثية لـ133 ألف مستفيد. وتُشغِّل الهيئة 28 مطبخاً خيرياً أنتجت 13,280 وجبة استفاد منها 53,120 فلسطينياً. كما نفذت مشروع الخبز المدعم في 7 مخابز، أنتجت 2,235 ربطة خبز لصالح 22,350 مستفيداً.
وكانت مساهمات الإمارات المالية لدعم الفلسطينيين هي الأسبق منذ اندلاع الأزمة. ففي 10 أكتوبر(تشرين الأول) 2023، أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بتقديم مساعدات عاجلة إلى الأشقاء في غزة بمبلغ عشرين مليون دولار. وفي 13 أكتوبر 2023، وجَّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بتقديم مساعدات عاجلة بمبلغ 50 مليون درهم. وفي 3 فبراير(شباط) 2024، أعلنت دولة الإمارات تقديم خمسة ملايين دولار لدعم جهود سيجريد كاغ، كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة.
ولا تكتسب هذه الجهود أهميتها من ضخامة حجمها فحسب، بل إنها ترتبط بالأساس بقدرة دولة الإمارات على توظيف مكانتها العالمية واستثمار ما تملكه من أوراق القوة السياسية والاقتصادية، وما تتمتع به من ثقة ومصداقية واحترام لدى مختلف الأطراف المؤثرة في العالم، لإيصال هذه المساعدات في وقت كان فيه الأشقاء في قطاع غزة أحوج ما يكون إليها، وبعد أن فشلت محاولات سابقة لتقديم الغذاء والمياه والأدوية في ظل احتدام الصراع العنيف في القطاع، ما يعني سقوط آلاف الضحايا من الفلسطينيين بسبب الجوع والعطش والحرمان من الرعاية الطبية الضرورية.
لقد اكتفت أطراف شتى في ذروة احتدام المأساة بالمزايدات وإطلاق الشعارات وتدبيج الخطب الرنانة، لكن أياً من هذه الخطب والشعارات لم يُنقذ مريضاً أو مصاباً، ولم يدفع عن الأشقاء في غزة غائلة الجوع والعطش والصقيع. أما دولة الإمارات فقد استنفرت أبناءها ومؤسساتها لتقوم بعمل حقيقي في أصعب الأوقات.
وفي الوقت ذاته، خاضت دولة الإمارات معركة دبلوماسية صعبة في مجلس الأمن الدولي، وقادت جولات من الجهود المنسقة، أسفرت عن اعتماد المجلس القرار رقم 2720، في 23 ديسمبر(كانون الأول) 2023، والذي دعا جميع الأطراف إلى إتاحة وتسهيل الإيصال الفوري والآمن لمساعدات إنسانية واسعة النطاق إلى غزة، واتخاذ إجراءات عاجلة بهذا الصدد، وتهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية. كما طالب القرار الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين منسق للإشراف على إيصال المساعدات إلى غزة، وإنشاء آلية أممية جديدة للمساعدات الإنسانية.
كذلك كانت دولة الإمارات طرفاً فاعلاً في الجهود العربية المشتركة التي تسعى إلى معالجة الأوضاع في غزة. وقد شارك سمو الشيخ عبدالله بن زايد، وزير الخارجية، في اللقاء التشاوري الذي احتضنته الرياض في التاسع من فبراير الحالي، وشارك فيه وزراء خارجية السعودية وقطر والأردن ومصر، ووزير الشؤون المدنية الفلسطيني. وقد أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد خلال اللقاء أهمية الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها تحت الاحتلال، مشيراً إلى أن التوصل لوقف مستدام لإطلاق النار يشكل أولوية ملحة خلال المرحلة الراهنة.
وخلال هذه الجهود التي تبذلها دولة الإمارات على مسارات متعددة، فإنها تضع في اعتبارها الأفق الأوسع للوصول إلى حل شامل للمشكلة، وهو التعاون مع كل الأطراف الفاعلة إقليمياً ودولياً من أجل استعادة مسار التفاوض، وتحقيق السلام الشامل على أساس حل الدولتين، وهو ما يمكن أن يدشن عهداً جديداً من الاستقرار والأمن في المنطقة تستفيد منه كل دولها.
إن التزام دولة الإمارات إزاء القضية الفلسطينية هو أحد ثوابتها الراسخة منذ تأسيسها، وسوف تواصل دورها التاريخي في تقديم كل أشكال الدعم إلى الأشقاء في فلسطين، ومساندتهم في تأسيس دولتهم المستقلة، من خلال الجهود الواعية المدروسة، موقنة بأن الزبد يذهب جفاءً، وأنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح.