د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

تقول العرب الضرب بالميت حرام

تؤكد جحافل الحشود المتدفقة يوم 26 أكتوبر لإحياء ذكرى يوم الأربعين لمقتل الشابة الإيرانية البريئة مهسا بأن نظام الملالي من الناحية الواقعية هو نظام ميت سريريا ولا أمل في خروجه من غرفة الإنعاش إلا ميتا غير مأسوف عليه .. فلما يسعى الغرب إلى إحياء ميت اُفتُضِح أمره وبانت سوءاته على الملأ خاصة وأنهم لن يتمكنوا من حفظ وإبقاء نظامهم هذه المرة في طهران.. نعم سبق أن تمكن الغرب من استبدال نظام الشاه بنظام الملالي لكن طلاسم الخداع اليوم قد انكسرت ولم يعد الشعب الإيراني مستعدا لقبول أي خداع يديم محنته وعذاباته، وما يقوم به الغرب من محاولات لن تثمر عن شيئ فالمحتضر بحكم الميت، وكل شعارات الغرب والعالم كان صادقا أو مخادعا لا جودى في هكذا نظام ولا أفضل من خيار الوقوف إلى جانب الشعب الإيارني في ثورته فالنظام  كما قالت (العرب الضرب بالميت حرام).

ما يجب أن نعيه هنا بأن مساعي الغرب هذه من أجل إبقاء نظام الملالي على سدة الحكم في إيران ليست ليبقى النظام على سدة السلطة في إيران فحسب بل وللبقاء على سدة الهيمنة والنفوذ في العراق وسوريا كليا وفي اليمن ولبنان جزئيا، وفي الخليج وسيلة للإبتزاز، وفي عموم المنطقة صانع أزمة من الطراز الأول، وهذا هو المطلوب ايجاده وبقائه بالنسبة للغرب حيث قدم نظام الملالي ما لم يقدمه نظام الشاه ولم ولن يقدم أي نظام آخر في إيران ما قدمه نظام الملالي الذي وفر للغرب ما لم يكن ليحلم به وما لم يحصل عليه الصينيون والروس والأوربيون في العراق من خلال الأمريكان يحصلون عليه من خلال نفوذ ملالي طهران في العراق.

اختلفت المعادلات والتوازنات الدولية اليوم وقلبت الثورة الإيرانية الطاولة على رؤوس الجميع بما لم يكن في الحسبان أبدا ومن لم يفهم حركة النساء وطلاب المدارس والجامعات والشباب في الثورة الوطنية الإيرانية التي تخطت الأربعين يوما فلينظر إلى صورة الحشود التي تدفقت يوم 26 أكتوبر في مقبرة بمدينة سقز الإيرانية ليعرف أنه قُضي الأمر في إيران، وأن هذه الدولة بكل مكوناتها مقبلة على عصر جدید؛ عصر سيبدل واقع الشرق الأوسط كله؛ واقع يبرهن بأن الثورة الإيرانية ثورة ممتدة منذ ٤٣ سنة سكنت لكنها لم تنطفىء، وأن ما لم تحققه ثورة ١٩٧٩ ستحققه هذه الثورة؛ وأن الشعب سيسقط النظام الإيراني الكهنوتي لا محالة سواء اعترف المجتمع الدولي بحق الشعب في الدفاع عن نفسه بما هو متاح وممكن أو لم يعترف فالمواقف الدولية المراوغة وغير الشفافة توحي بأن الغرب لن يعترف بحق الثوار الإيرانيين في الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم المشروعة وثورة شعبهم.

رمزيات هذه الثورة كثيرة وذات مدلولات عميقة وأبرزها نساء وفتيات إيران والقيم والروح الإنسانية العالية التي ألفت بين قلوب الناس وخلقت نوعا معبرا من التضامن بينهم ووحدتهم على قول واحد وهدف واحد، ومن أهم مدلولاتها أنها كشفت مدى هشاشة وزيف ٤٣ سنة من الخداع والكذب وتشويه الحقائق وهي  تلك السياسة التي دأب عليها النظام ضد معارضيه الذين تعرضوا لشتى صنوف الإبادة والتنكيل والتشويه لكن جماهير الشعب الإيراني اليوم تنصفهم بإلتحامها معهم كما واضح في صورة القيادة والتلاحم بين أكبر قوة إيرانية معارضة وبين شعبها.

لن تسود في إيران سوى إرادة الشعب حتى لو اتبع النظام سياسة الأرض المحروقة وهو أمر متوقع ومُنتظر من أجل إخماد الثورة والثوار، وهي آخر سياسة سيتبعها الملالي وجنودهم وهو ما توقعته قيادة الثورة ويتوقعه الثوار ومستعدون له، ومهما حاول الغرب إعادة إحياء نظام الملالي الذي وصل إلى مثواه الأخير فلن يفلح ولن تحييه نوويات الكون كله؛ والعد التنازلي مستمر وسيكون نصر الثوار الأبطال العزل في إيران نصرا مدويا بإذن الله، وسيعيد التاريخ تسطير سطورا سوداوية لدول دأبت حكوماتها على نهج وثقافة سياسية استعمارية ولم ولن يفارقانها ما لم يحدث تغييرا جوهريا في دول الشعوب المستضعفة.

نصر من الله وفتح قريب