يوسف الديني يكتب:

هل هذا تسويق للتفاوض أم لصقور الملالي؟

هناك علاقة طردية بين خفض الجناح من قبل البعض في الإدارة الأميركية لملالي طهران، وبين قدرة إيران على إنتاج المزيد من الشخصيات الراديكالية التي تمثل جناح الصقور، وكان انتخاب رئيسي تتويجاً غير مفاجئ لهذا السياق من العلاقة التي تعكس ارتباكاً في المقاربة بين التسويق للتفاوض وخطة العمل الشاملة المشتركة، بينما ينعكس ذلك على إعادة إنتاج المتطرفين داخل الإدارة الأميركية لمشروع إيران التوسعي عبر التمدد في مناطق التأثير واستباحة السيادة من العراق إلى لبنان وصولاً لليمن.

كل هذه المناطق تحظى وفقاً للتقارير الأميركية خصوصاً على مستوى مراكز الأبحاث ومنصات التحليل والرصد بموجة ضخمة من برامج التدريب وتهريب الأسلحة، وخلق المزيد من الوحوش الموالية لآيديولوجية الملالي التدميرية، وكل ذلك يحدث على في ظل العقوبات الأميركية التي يتم التسويق لاستبدالها بواسطة اتفاق لا يشمل تقليم أظافر وتوغل الأجنحة والمؤسسات والميليشيات بعبارة أخرى الوجه الخشن المعبّر عن مشروع إيران في المنطقة، وهذا ما حدا بجيمس جيفري في ورقة بحثية مهمة بعنوان «الاتفاق النووي ليس الأزمة بل إيران» القول بأنه «يتعين على إدارة بايدن أن تفعل أكثر بكثير من مجرد إعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة، وهذا يتأكد بشكل أخص بعد تولي رئيسي من تيار الصقور والذي لا يمكن تصوّر أي مساع من شخص بخلفيته إلى أخذ طهران نحو طريق أكثر اعتدالاً وانفتاحاً على العالم، بدءاً بجيرانها الإقليميين ووصولاً إلى مخاوف شركاء وحلفاء الولايات المتحدة والقوى الراغبة في منطقة مستقرة تنعم بسيادة مستقلة واقتصادات قابلة للازدهار، في ظل أمن المرافق والموانئ وخطوط الإمداد العالمية».

الأكيد أن تسويق التفاوض أو خطة العمل المشتركة اليوم في الخطاب المعلن والمضمر للمقاربة الأميركية ومخرجاتها المباشرة، باتت منفصلة تماماَ عن محتوى وسياق المراكز البحثية الأمنية والدفاعية وخزانات التفكير التابعة لها والتي تتحدث عن أن كل شيء في منطقة الشرق الأوسط متصل ومشتبك بشكل بنيوي، فلا يمكن أبداً غض النظر عن أصابع إيران العابثة في المنطقة واستقرارها، لأن دورها التخريبي النابع من مشروع وسلوك وليس مناورة سياسية هو حجر الأساس في طريقة العمل لبناء قومية إيرانية يختلط فيها الديني بالقومي، وهنا نفهم سر تحرّكات مثقفين إيرانيين أميركيين يعملون في تدعيم رؤية إعادة إدماج نظام طهران، باعتباره قادراً على تحقيق أجندة الديمقراطيين ويتم تمرير هذه الأجندة عبر شعار عريض، وهو أن التفاوض هو السبيل الأمثل لمنع طهران من أن تصبح دولة نووية وهو شعار لا يبتعد كثيراً عن شرق أوسط جديد لكن يمكن استبداله بواسطة كلمة «ملتهب» للتأكيد على أن سعي إيران للوصول إلى ذلك رغم كل العقبات الكبرى تقني وعلى مستوى الموارد والإمكانات، وليس الخوف من الردع الأميركي، ولن يعيق ذلك السعي هذا الخطاب الناعم الذي لا ينكأ عين التطرف ولا يرضي الحلفاء الذين باتوا مدركين لسلبيات المقاربة الأميركية المرتبكة.

المعادلة البسيطة التي تطرحها مراكز الأبحاث الأمريكية التي تحاول بعث رسائل جادة وقراءات تحليلية دقيقة بنقدها للمقاربة الناعمة من الإدارة الأميركية هو أن أي انفراجة محتملة مع نظام طهران يعني قدرتها عبر استغلال الموارد والملاءة التمويلية على زيادة منسوب الاضطرابات في المنطقة عبر أذرعها الآيديولوجية.

واللافت أن هذا ما يكاد يجمع عليه العقلاء في الداخل الذين يشعرون بأن قبضة النظام ستزداد إحكاماً مع أي تخفيف لحملة الضغط الأقصى على النظام، والتي تعني بالضرورة إطلاق اليد للمؤسسات التابعة للحرس الثوري والميليشيات المسلحة والتنظيمات العنيفة في المنطقة وبحسب دينيس روس مستشار أوباما السابق وجيمس جيفري سفير أميركا السابق في العراق في ورقتهما المشتركة في نقد هذه المقاربة، فإن التسجيل الصوتي المسرب لوزير الخارجية الإيراني ظريف والذي عبر فيه عن استيائه بسبب تفوق فيلق القدس وعودته للمشهد بعد أزمة غزة الأخيرة، وهو ما انعكس بشكل سيئ على التحركات الدبلوماسية التي عمل عليها وزير الخارجية للحد من ابتلاع الحرس الثوري ومؤسساته لنظام طهران وتمثيله للوجه الشرس من ثنائية قناع الثورة والدولة، وهو ما يعيد بحسب تعبير الورقة السؤال الذي سبق وأن طرحه كيسنجر إلى الواجهة مجدداً هل إيران القضية والشعار أم النظام، حيث استخدام الشعارات الدينية والمقاومة المناهضة للاستعمار كقناع لمشروع قومي توسعي عابر للحدود عبر دعم الإرهاب، وكل ما يفجر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، فالمشروع التوسعي الإيراني يتصل أيضاً بطريقة بناء مكونات الدولة في الداخل والقوى الفاعلة، ويمكن القول إن مساحة حضور العنف والهيمنة في خطاب إيران الخارجي مبني على سياسة داخلية غير متجانسة، تعاني من تشظيات عميقة بين ثلاث مجموعات أساسية متداخلة، لكنها قد تتحد في حال قدرة الملالي على التحشيد القومي في مواجهة الخارج من خلال مجموعة الإسلاميين المتشددين، والإصلاحيين، والذرائعيين الذين لا يشكلون سوى مجموعات معارضة صغيرة غير فاعلة رغم امتلاكها لخطاب حجاجي قوي، لكنها غير قادرة بسبب القبضة الأمنية الخروج من ثنائية الملا العنيف والملا الأقل عنفاً، وهي ثنائية تحاول للأسف المقاربة وخطابها الذي يحظى بنقد متصاعد في الخطاب السياسي العام تمريرها وتسويقها كنموذج للاعتدال والتسوية التفاوضية الناجحة!