إبراهيم الزبيدي يكتب:
رئاسة جمهورية العراق وأحلام سنّة الحكومة
لمن نسيَ، أو نخشى أن ينسى، نُذكّر بأن نظام المحاصصة لم يكن وليد الغزو الأميركي – البريطاني – الإيطالي في 2003 وحليفه ووريثه الإيراني، بل إنه ولد تحديداً وهو كامل الأوصاف في يونيو 1992 في مؤتمر فيينّا الذي عُقد بالمال الأميركي والرعاية الإيرانية والبريطانية، والذي اخترَع شكل العراق القادم، وحدد نوع الحكم فيه ومواصفات دستوره وجيشه وبرلمانه وأصنافَ حكامه ومقدار حصة كلٍ منهم وحدودَها التي لم تتغير إلى اليوم.
وفي مؤتمر صلاح الدين في شمال العراق الذي عقد في أكتوبر 1992 تمَّ ضمُّ حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، بعد أن كانا مقاطعيْن، إلى هيئة القادة الكبار.
وفي عام 1998 سمح الكونغرس الأميركي بتقديم 97 مليون دولار لـ”المؤتمر الوطني الموحد” بموجب قانون “تحرير العراق”، وعُين الأميركي فرانسيس ريتشاردوني سفيرا معتمداً لدى المعارضة العراقية، ثم خلَفَه في المهمة السفير زلماي خليل زادة.
رئاسةُ الوزراء بكل ما فيها من سلطة وسلاح ومال محجوزة لمن يختاره البيت الشيعي، حصرا، وتوافق إيران على تنصيبه
وفي مؤتمر نيويورك مارس 1999 شهدنا حملات شتم من الوزن الثقيل بين القادة الكبار، واتهاماتٍ متبادلة بالخيانة والعمالة والسمسرة. ولأول مرة أيضا سمعنا تهديدات باستخدام الأحذية سلاحا لحسم نتائج معارك الحصص الحكومية في العراق القادم المنتظر. ولكن بتهديد إدارة فندق نيويورك باستدعاء الشرطة وتدخّل ممول المؤتمر السفير ريتشاردوني توقف القتال وسارت الأمور بعدها بسلام.
وأخيرا عُقد مؤتمر لندن في يناير 2002 الذي اكتمل فيه اعتماد أضلاع نظام المحاصصة الثلاثة، وتقرر اتخاذُها شكلاً نهائياً للدولة العراقية القادمة.
ويُذكر هنا أن السيناتور الأميركي سام برونبك حضر إلى لندن مبعوثا عاجلا من بوش الابن، واجتمع بقادة المعارضة الستة الكبار، وكرر دعم الإدارة الجمهورية لمؤتمرهم، ثم بيَّن لهم ما ينبغي اتخاذُه وما لا ينبغي من قرارات وتوصيات.
وفي هذا المؤتمر تحديدا تقرر تتويج المعسكر (الشيعي) الموالي لإيران، والذي يضم حزب الدعوة الإسلامية، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، محمد بحر العلوم، أحمد الجلبي، أياد علاوي وموفق الربيعي أكبرَ الأضلاع الثلاثة وأقواها وأوفرها حظوةً لدى الأميركيين.
لم يعد أمام الشعب العراقي سوى أن يرسم لنفسه خارطة طريق أخرى خارج هذا النظام، ودون هذه الحكومة، وبلا هذا القضاء
والضلع الثاني الذي يليه في القوة والفاعلية وفي اتخاذ القرارات الحاسمة هو المعسكر الكردستاني ويضم حزب مسعود البارزاني، حزب جلال الطالباني والحركة الإسلامية الكردستانية.
أما الثالث وهو الأضعف والأقل فاعلية وهيبة وصلاحية فهو المعسكر السني ويضم الحزب الإسلامي، نصير الجادرجي، الشريف علي بن الحسين، غازي الياور وسمير الصميدعي.
وفي آخر القائمة جاء ترتيب الحزب الشيوعي العراقي الذي كوفئ بوزارة الثقافة في حكومة مجلس الحكم وبموافقة الحاكم الأميركي بول بريمر.
وعمليا وواقعيا أصبحت الرئاساتُ الثلاث منذ العام 2005 أملاكا ثابتة لأصحابها وفق نظام الحصص، وما تزال وستبقى.
فرئاسةُ الوزراء بكل ما فيها من سلطة وسلاح ومال محجوزة لمن يختاره البيت الشيعي، حصرا، وتوافق إيران على تنصيبه. ورئاسةُ الجمهورية مهداةٌ لجلال الطالباني الذي احتكرها لثماني سنوات، ثم انتقلت بعد وفاته إلى تلميذه فؤاد معصوم، وآلت أخيراً إلى الرئيس برهم صالح. وقد جدد بافيل الطالباني الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني قبل أيام تأكيده أن “رئاسة الجمهورية هي حصتُنا”، وأنّ الرئيس برهم صالح هو “مرّشحنا لرئاسة الجمهورية في أعقاب الانتخابات المقبلة”. طبعا أياً تكن نتائجُ الانتخاب.
وتبقى رئاسة البرلمان الذي تملكه وتسيره الأحزاب والكتل الكبرى الشيعية والكردية من نصيب الشخص السني الذي يحظى بقبولها وشروطها، ولكن برضا قاسم سليماني ثم بعد مقتله بموافقة الوريث الجنرال إسماعيل قاآني.
أما مطالبة بعض السياسيين السنّة المشمولين بالرعاية الإيرانية مؤخرا بسلب منصب رئيس الجمهورية من صاحبه الشرعي حزب جلال الطالباني، فتلك فقاعة عابرة لن تسمح بها إيران التي يهمها أن تنصر السليمانية على أربيل.
كما أن إعادة تدوير الخلطة السياسية السنية بتشكيل تحالفات جديدة وإلغاء تحالفاتٍ غيرها لن تغير مواقع مقاعد كل فريق سني ولا عددها داخل خيمة ولاية الفقيه.
ومعروف أن الانتخابات المبكرة كانت مطلب الشعب المنتفض الذي حدد شروطها وظروفها بما يلي: لجم السلاح المنفلت، الكشف عن قتلة المتظاهرين، اعتماد قانون جديد للانتخابات يمنع التلاعب والتزوير، تشكيل مفوضية عليا للانتخاب من خارج أحزاب السلطة، طلب إشراف الأمم المتحدة عليها، حل مجلس النواب، ضمان أمن المرشحين والناخبين وسلامتهم، وقبل كل هذه الشروط ضمان استقلال القضاء.
عُقد مؤتمر لندن في يناير 2002 الذي اكتمل فيه اعتماد أضلاع نظام المحاصصة الثلاثة، وتقرر اتخاذُها شكلاً نهائياً للدولة العراقية القادمة
ولأن الأحزاب الحاكمة وإيران لا تريدان لأيٍ من هذه المطالب أن يتحقق خوفا من الخسارة، فإن كل ما تفعله وما تقوله حكومةٌ عراقية مهزومة أمام الميليشيات، وبوجود القضاء المسيس، وإن كلَّ ما تُصر الأحزاب (الشيعية) الحاكمة وحلفاؤها الكرد والسنة على فعله لمنع حدوث التغيير المطلوب، فإن الشيء الوحيد المؤكد الباقي هو أن ولادة وطنٍ صحيح ومعافى لن تتم في وطن المحاصصة والتزوير والاختلاس. ومهما تكن نتائج الانتخابات القادمة فالسلطة لن تكون إلا لسلاح الطرف الثالث المسلح بالكواتم والمفخخات.
وإذن لم يعد أمام الشعب العراقي سوى أن يرسم لنفسه خارطة طريق أخرى خارج هذا النظام، ودون هذه الحكومة، وبلا هذا القضاء.
يؤكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في بيان أصدره مؤخرا “تهيئة الحكومة (كلَّ) مستلزمات إجراء الانتخابات المبكّرة في موعدها في 10 أكتوبر القادم، وتوفير الظروف (الملائمة) لضمان أن تكون نتائجُها المعبر الحقيقي عن إرادة الشعب العراقي”. ترى هل يؤيد الواقع مثل هذا الكلام؟