بسام عبدالله يكتب لـ(اليوم الثامن):
حين تتقاطع الجغرافيا مع السياسة.. الجنوب والخليج في لحظة تفاهم استراتيجي
في سياق يؤكد أهمية الشراكة الإقليمية وامتدادها السياسي في المشهد اليمني، التقى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس قاسم الزبيدي، مع معالي جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في العاصمة السعودية الرياض، وذلك في إطار مساعٍ خليجية متواصلة لإسناد جهود الاستقرار في اليمن وتعزيز مسارات الإصلاح المؤسسي.
اللقاء الذي جرى في مقر الأمانة العامة للمجلس لم يكن لقاءً بروتوكوليًا عابرًا، بل جاء ليؤكد على المسار السياسي الذي بدأ منذ اللقاء التشاوري في الرياض عام 2022م، وهو اللقاء الذي مهد لنقل السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي، برعاية خليجية مباشرة، وضعت أسسًا جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية في اليمن، وأرست معادلة سياسية جديدة لم تكن لتتحقق دون توافق إقليمي فاعل.
وقد شكل ذلك التحول نقطة ارتكاز لإعادة فتح ملف القضية الجنوبية ضمن العملية السياسية، على قاعدة أن معالجتها لا يمكن أن تتم خارج إطار تفاوضي خاص، كما نصت عليه خارطة الطريق المعلنة آنذاك. ومنذ ذلك الحين، ظل رئيس المجلس الانتقالي يؤكد على أن الجنوب لم يعد طرفًا هامشيًا في معادلة السلام، بل شريك رئيسي في هندسة المستقبل السياسي للدولة.
وفي اللقاء، شدد الزبيدي على محورية الدور الخليجي في دعم مسارات السلام ومعالجة الأزمات الإنسانية والاقتصادية، مع إبراز الحاجة إلى تحرك دولي وإقليمي أكثر فاعلية لدعم الحكومة اليمنية في تنفيذ برنامج الإصلاح الشامل، والذي يمثل مدخلًا جوهريًا لإعادة بناء المؤسسات وتحسين الخدمات وتخفيف معاناة المواطنين.
ما يميز هذا اللقاء هو ما حمله من إشارات واضحة إلى أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لا تزال تنظر إلى الملف اليمني باعتباره مسؤولية استراتيجية، وأنها ملتزمة بمواصلة دورها في تحقيق التوازن المطلوب، سياسيًا وإنسانيًا. وقد عبر الأمين العام جاسم البديوي عن ذلك بشكل صريح، بإعلانه استعداد الأمانة العامة لمجلس التعاون لاستضافة مؤتمر دولي للأمن الغذائي في اليمن، وهي خطوة تعكس نية حقيقية لإحداث اختراق في ملف المعاناة الإنسانية المزمنة.
إن قراءة متأنية لهذا اللقاء تؤكد أن ما يقوم به رئيس المجلس الانتقالي يأتي امتدادًا واعيًا لمخرجات اللقاء التشاوري، ومحاولة لترسيخ حضور الجنوب كفاعل مؤسسي داخل معادلة الدولة، وليس مجرد طرف يتلقى مخرجات الحلول. فالإصرار المستمر على مناقشة القضية الجنوبية في مسار تفاوضي خاص لا يعكس فقط عدالة المطلب، بل يترجم تطورًا في الوعي السياسي لدى القيادة الجنوبية، نحو شراكة تعكس الحقائق على الأرض.
في المحصلة، فإن لقاء الرياض ليس مجرد محطة دبلوماسية، بل جزء من عملية سياسية طويلة الأمد، تعكس تحولات عميقة في مقاربة الملف اليمني خليجيًا، كما تعكس تصميمًا جنوبيًا على أن يكون للجنوب مكانه في أي تسوية قادمة، لا كجغرافيا، بل كقضية سياسية ذات طابع وطني وأبعاد إقليمية.