عمر علي البدوي يكتب:

اليمن.. مخاطر التشرذم والاعتياد

لم يعد في وسع “تحالف دعم الشرعية” أن يتسامح مع الخلافات التي تُشتّت الجهد العسكري والسياسي وتعيق إنهاء أزمة اليمن، ولا التساهل في إطالة أمد الاقتتال بين الأطراف المتنافسة، بما يحقق لميليشيا الحوثي وداعميه في طهران أن يتمددوا ويعززوا من مشروعهم ويضاعف من متاعب اليمنيين ويتركهم في حالة حرب مفتوحة وبلا أجل مسمى، فيما الحوثي هو المستفيد الوحيد من بقاء الأمور على ما هي عليه.

على الفرقاء اليمنيين أن يتوقفوا عن لعبة التنافس الهامشية، بينما ينزف قلب اليمن من بأس المتاعب المتراكمة، وحتى لا ينصرف عنه المشغولون باستقراره وإرساء السلام فيه، لاسيما وأن تراكم الأحداث التي تثقل المنطقة يتسبب في انزواء الأزمة اليمنية عن صدارة المتابعة والاهتمام، بعد أن تراجعت الآن عن عناوين الأخبار، وأضحت تفصيلاً مهملاً في خانة المتابعة الخبرية، الأمر الذي يعطي مؤشراً مقتضباً عمّا يمكن أن تؤول إليه المسألة.

ولأجل اليمن، من الضروري أن تنجح الجهود السياسية وأن يتوقف “لامنطق” الصراعات الصغيرة على الأرض، كما قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش.

“أعلن الأميركيون الأسبوع الفائت اعتراض قرابة طن من المخدرات في طريقها إلى اليمن، تضاف إلى شحنات ضُبطت خلال شهرين، وقبل شهر أُوقفت سفينة إيرانية كانت تقوم بالتهريب بغطاء الصيد. ومطلع العام، أوقفت شحنة أسلحة إيرانية في طريقها إلى الحوثي”.

يصور هذا المقطع من شريط الأخبار، قيمة ومعنى استمرار الأزمة اليمنية بالنسبة إلى بلد مأزوم هو الآخر؛ إيران التي تقتات من وجع اليمنيين لتمويل آليات بقاء النظام الأيديولوجي، واستخدامه ورقة ضغط ومساومة على طاولة المفاوضات المرتقبة مع الواصل الديمقراطي الجديد إلى البيت الأبيض.

كما تواصل الدوحة سلوكها السلبي والتخريبي في تفخيخ مسارات السلام والاستقرار في اليمن، وتمثل بذلك الوجه الآخر من عملة المستثمرين والمستفيدين من استمرار أزمته ونزيفه.

ورغم الأجواء الإيجابية التي تخيم في سماء قطر مع جوارها الخليجي، إلا أنها جددت نهجها الدعائي الخبيث، وأصدرت سلة برامجية جديدة على شاشة الجزيرة تستهدف أطرافاً من التحالف العربي، وتحريض المجتمع اليمني على ما تسميه “خفايا وكواليس التمدد الإماراتي على ساحل البحر الأحمر في اليمن”.

يتزامن هذا مع السلوك المريب الذي تبديه تجمعات أيديولوجية تشترك مع الدوحة في الانضواء تحت لواء العداء للرياض وأبوظبي وبقية عواصم الاعتدال والاستقرار في المنطقة، وتستهدف عبر الإستراتيجية الإعلامية والسياسية وحتى الاستخبارية، تفكيك جبهات المواجهة ضد الحوثي وإضعاف صلابة الموقف الوطني اليمني النابذ لتلوينات الهويات والمرجعيات المتنائية.

منذ وقت مبكر، دعمت قطر الميليشيا الحوثية بالمال والسلاح والإعلام والعلاقات، وعملت على زعزعة الاستقرار في اليمن، ومنذ الأزمة الخليجية صارت هذه السياسة القطرية واضحة، ولا يُعرف إذا كانت المصالحة المرتقبة ستنهي هذه السياسة الرعناء وتوقف الدوحة عن مواصلة تورطها في اليمن.

بالإضافة إلى طول أمد الأزمة، فإن الخلافات البينية داخل الصف اليمني المقابل لميليشيا الحوثي تسببت في كثير من الأضرار في سلامة وفعالية المشروع الوطني واضطراب الصف الواحد، وفي تعزيز أقدام الحوثي على الأرض وتعزيز سيطرته على العاصمة صنعاء وبقية المفاصل الحيوية على التراب اليمني، وإنهاء الخلاف وتثبيت مكتسبات اتفاق الرياض ضرورة تزداد إلحاحاً بالنظر إلى ما يقاسيه الحوثي والراعي الإيراني من هشاشة وضعف، وهو يتقلب على جمر الانتظار برفع أغلال العقوبات عن كاهله.

لا يمكن أن يقبل المحيط العربي ولا المجتمع الدولي بجماعة ميليشياوية توالي طهران، وتقصي بقية الأطراف المحلية، وقد مُنح الحوثي فرصة أن يعيد دمج كيانه ضمن المجموع اليمني، لكن تعنته جرّ عليه عزم الإدارة الأميركية تصنيف الحوثيين المدعومين من إيران منظمة إرهابية، بعد فرضها عقوبات استهدفت مسؤولين منهم تورطوا في عمليات تعذيب نساء وأطفال.

تضعف فرص السلام بوصفه النتيجة المتوخاة من عمل تحالف دعم الشرعية، وأفضل أرضية لتحقيق استقرار اليمن وسلامة أهله، بالنظر إلى العقيدة التي تتبناها ميليشيا الحوثي وانتمائها الفج إلى الأجندة الإيرانية، وقد استوعبت الإدارة الأميركية الموشكة على الرحيل الصورة الكاملة، وذهبت في سبيل المساعدة على إنهاء الأزمة اليمنية إلى موضع الجرح مباشرة.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، فرض عقوبات على المسؤول العسكري في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، حسن إيرلو، الذي أرسلته إيران إلى صنعاء في اليمن للعمل كضابط ارتباط مع حركة الحوثيين.

ويُنتظر من الإدارة الأميركية المرتقبة أن تواصل على نفس هذا الخط، حتى في إطار ما تعِد به من إعادة النظر والاعتبار إلى الاتفاق النووي مع طهران، لا يمكن التسامح مع سلوك إيران السلبي والتخريبي في المنطقة، الذي يقوض الاستقرار ويشحن فرص التطرف والخراب، وإلا فإنه لا أمل بانقشاع هذه الدوامة التي تكابدها المنطقة وتدفع ثمنها أجيال متعاقبة محرومة من العيش الكريم والمستقبل الواعد.

أعطى وصول إيرلو إلى صنعاء إشارة واضحة عن عزم طهران زيادة دعمها للحوثيين، وعدم نية الأخير الخروج عن المظلة الأيديولوجية التي استسلم لها وخضع لتوجيهاتها، الأمر الذي انعكس على تكثيف الحوثيين هجماتهم غير المجدية على الأراضي السعودية، تزامنا مع دفعات مهرّبة من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية الإيرانية ومعدات عسكرية متنوعة أرسلتها طهران خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وبالتالي تعقيد المساعي الدولية للتوصل إلى تسوية للصراع.

قد لا يعيد التاريخ نفسه بالضرورة، لكنه يبقى كتاباً مفتوحاً ونابضاً بالمواعظ. والواقع الراهن هو الآخر يمكن أن يقدم الدروس العملية عن سوداوية النهاية المتوقعة في حال استمر ارتهان بلد ما إلى الأجندة الإيرانية، ولعل شواهد لبنان والعراق كافية لتتوقف ميليشيا الحوثي عن الاستمرار والإصرار على إلحاق اليمن وربطه بالمظلة الإيرانية.

أما وإن لم يقلع الحوثي عن سلوكه المشين بحق شركائه على الأرض اليمنية، فإن مواصلة قطع الطريق عليه ضرورة وطنية وأمنية تتطلب التنازل عن “المعارك الصغيرة” والكف عن مراهقات الهوامش الجانبية.