وديع منصور يكتب لـ(اليوم الثامن):

ليست الخمسة أعوام بل الخمسين!

هل يمكن تحميل السنوات الخمس الماضية نتيجة كل مايحصل في اليمن اليوم ؟ كل مايحصل في الشمال وكل مايحصل في الجنوب .
هل ما يطفو على السطح اليوم بالفعل هو نتيجة الخمس سنوات الماضية فقط ؟ هذا ما يحاول البعض تسويقه باصرار على الملايين من ابناء اليمن الذين تم إفقارهم وتشريدهم وقمعهم منذ زمن بعيد .
صحيح ان التدهور اليوم متسارع اكثر من أي وقت سابق ، لكن هل يمكن هكذا ، وببساطة ، تجاهل تراكمات طويلة حدثت على مدى عقود ؟ هل يمكن تجاوز فصول من صراعات اطراف كانت ومازالت تسعى فقط للحفاظ على مصالحها ، او اعادة أحياء ماضيها بعد ان تخسر باحدى دورات الصراع . هل يمكن أن يكون كل هذا الجهل والتشدد والعصبية والرغبة غير المتناهية في سلب حقوق الاخرين نتيجة خمس سنوات فقط ؟
التراكمات التي حدثت على مدى عقود طويلة كانت في معضمها تدور حول ثورات سعت للسيطرة على الحكم وانقلابات على الثورات ، ثم بروز أخرى بدافع تصحيح مسار من سبقتها ، وكل ذلك كان يترافق مع إستئثار من هم ليسوا مؤهلين بمقاليد الحكم ، والاستمرار دون توقف باقصاء من هم مؤهلون وتهميشهم ودفعهم دفعا للهجرة ، او في احسن الاحوال ابتعادهم عن كل شئ والتزامهم الصمت . كان يتبع على نحو مستمر أسلوب ترحيل المشاكل وتهجير الكفاءات . كل ذلك اسسس ارضية واسعة للمتصارعين ، وهم يتقاتلون عليها اليوم دفاعا عن الشعب ! والمؤسف أن الكثير من الممارسات القديمة التي تم اتباعها في السنوات الخمس الماضية ماتزال تتبع حتى اليوم .
حين تتراكم الأخطاء اكثر مما ينبغي فانها تنفجر يوما ما بوجه الجميع ، فهي أشبه بقنبلة مؤقوتة . لا يمكن تجاهل الكم الهائل من الأخطاء التي ارتكبت بأسم الثورات شمالا وجنوبا على مدى عقود طويلة ، والاخطاء التي اعقبتها بأسم التحرر والوطنية ، والجرائم التي تلتها باسم الحفاظ على وحدة التراب والدفاع عن الدين . واليوم بأسماء اخرى جديدة .
تلاشت ماتعرف بالطبقة المتوسطة ، وهي لم تكن واسعة الانتشار على أي حال من قبل ، واصبح من الصعوبة ايجاد آثار واضحة لمجتمع مدني . وهو أيضا لم يكن موجودا من قبل الا على نطاق ضيق .. هل يمكن لبلد في هذا العصر الذي نعيش فيه ان يكون بدون طبقة متوسطة وبدون مجتمع مدني !
وفيما كانت القبيلة تهيمن على الدولة كانت المناطقية تختطفها ايضا . وهذا ماتم تسميته إختصارا على مدى خمسين سنةبالدفاع عن الوطن والشعب !
لا يمكن لبلد لديه كل هذه التراكمات الطويلة من العجز والفوضى والأخطأ القاتلة ، وكان يقف طويلا على ارضية هشة ، ان يكون متعافيا اليوم . وماحدث في الخمس السنوات الماضية لم يكن أكثر من التحول من علامات واضحة على الامراض إلى جسد مهدود بفعل تمكن الامراض منه .
الذين يقولون ان مايحصل اليوم هو نتيجة السنوات الخمس ، هل يستطيعون ايقاف هذا التدهور قبل ان تمر خمس سنوات اخرى ، بدون القتال واقصاء الاخرين وسلبهم ؟ وهل لديهم وصفة سلمية لوقف التدهور ؟ من يستطيع أن يبرهن للملايين من اليمنيين المغيبين قسرا ان دولتهم القادمة ستكون مختلفة عن تلك التي انتجت لهم في الماضي بلدا متخلفا وفقيرا ومضطربا على الدوام وطاردا لمواطنيه . دولة قادمة غير فاسدة ، لا تتسول لإطعام شعبها .
في الواقع ، يشعر المتابع للازمات في اليمن بالدهشة من اصرار عدد غير قليل من مواطني هذا البلد على تاييد من يسعون لاستعادة الماضي دون ان يكون لديهم القدرة الكافية على التعامل مع الحاضر ناهيك عن تحديات المستقبل ، ومبعث الدهشة هي انه كيف ان القطيعة النهائية والتوقف عن الاعتراف بكل اولئك ليست من بين المواقف التي يُفترض اتباعها وممارستها بشكل أوسع ! ربما لأنه يبدو أسلوبًا يتعارض مع ماتم التعود عليه لزمن طويل ، ولم يتم تجربته في أي وقت سابق بدرجة كبيرة كحل من الحلول الفعالة ، وفي ظل مايعيشه اليمنيون شمالا وجنوبا من ازمات منهكة ، فأنه يبدو بأن الحلول التي لم تتم تجربتها لا تكون فعالة .