محمد الحمامصي يكتب:

الصحافة سلاح إسرائيل الناعم في كسب الصداقات الأفريقية

راهنت إسرائيل على الصحافة والإعلام كقوة ناعمة تدعم وجودها وتروّج لها على المستوى الدولي في مواجهة حملات المقاطعة والرفض. واستثمر الإسرائيليون في كثير من الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية كجزء من سياستهم الخارجية. ومن هذا المنطلق اختارت الباحثة المصرية إيمان بالله ياسر أن تركّز على الخطاب الصحافي في متابعة للدور الذي تلعبه إسرائيل في القارة الأفريقية، ومقارنته بدور مصر وعلاقتها بالقارة التي تنتمي إليها.

حملت الدراسة عنوان "الخطاب الصحافي الأفريقي.. تحليل للدور المصري والإسرائيلي"، ومن خلالها تسلّط الباحثة الضوء على أهمية القارة الأفريقية وثقلها سياسيّا واقتصاديّا وهي أهمية تتضاعف اليوم.

لم ترتبط إسرائيل بأيّ علاقات مع دول أفريقيا حتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي، حينما بدأت الدول الأفريقية تنال استقلالها. وتعتبر ليبيريا ثالث دولة في العالم تعترف بإسرائيل، وأول دولة أفريقية تعقد معها معاهدة صداقة وتعاون. وزايد الاهتمام الإسرائيلي بأفريقيا بعد مؤتمر باندونغ 1955، ومعه سطع نجم أفريقيا في دائرة الضوء في السياسة الخارجية الإسرائيلية، خاصة بعد انضمام معظم الأقطار الأفريقية إلى الأمم المتحدة، حيث باتت تشكّل كتلة صوتية لها وزنها في المحافل الدولية.


وبادرت إسرائيل بعرض المساعدات الاقتصادية والفنية والاجتماعية على الدول الأفريقية بدعوى تنميتها. ولاقت هذه الدعوة ترحيبا من جانب الدول الأفريقية. وساهمت هذه المساعدات وما ترسله إسرائيل من خبراء ومستشارين -تحت ستار تنمية وتحسين الأوضاع- في تمهيد السبيل أمام التغلغل الإسرائيلي في أكثر من 30 دولة أفريقية، رأت فيها إسرائيل قوة يمكن -في حالة تحالفها معها- أن تهدد العديد من الدول العربية المحاطة بأقطار أفريقية في جنوب الصحراء.

وتلفت الدراسة إلى أن مخطط التسلل الإسرائيلي إلى أفريقيا بدأ من غرب القارة ثم امتد لوسطها، وانتقل إلى شرقها. ويأتي هذا التوسع في إطار عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي، إذ ترى إسرائيل في أفريقيا مجالا مهمّا لإدارة الصراع في الشرق الأوسط، وميدانا لا يمكن التخلّي عنه في ظل الطوق والعزلة السياسية والاقتصادية اللذين تفرضهما عليها الدول العربية. وقد أفسح غياب الدول العربية -وفي مقدمتها مصر- عن هذه المنطقة المجال لإسرائيل للتغلغل والانتشار في القارة، في محاولة لسدّ أيّ ثغرات من شأنها زعزعة العلاقات بينها وبين القارة الأفريقية.

وكانت الصحافة السلاح الإسرائيلي الناعم في تنفيذ هذه الإستراتيجية التوسعية. ورصدت الباحثة وحللت الاتجاهات الخاصة بالخطاب الصحافي الأفريقي إزاء العلاقات الأفروإسرائيلية والأفرومصرية، عبر ما نشرته صحف Le Soleil وPressafrik (السنغال) وStandard وDaily Nation (كينيا) وEthiopian Heraled وThe Reporter (أثيوبيا) وThe Star وCity Press (جنوب أفريقيا).

ركزت الباحثة عمّا كتبته هذه الصحف في متابعتها لمختلف الأنشطة المصرية والأفريقية، معتمدة على تطبيق منهج المسح وأسلوب المقارنة المنهجية وتحديد القوى الفاعلة والأطر المرجعية والإجابة عن مجموعة من الأسئلة الخاصة باتجاهات الخطاب الصحافي الأفريقي.

وكشفت المتابعة عن سيطرة السلطة الحاكمة على المضامين المنشورة داخل الصحف. وظهر ذلك بوضوح في اتساق الخطاب الخاص بكل من الصحف الحكومية والصحف شبه الحكومية أو الخاصة. وعبّرت عنه الصحيفتان الأثيوبيتان Ethiopian Heraled وThe Reporter في خطابها الخاص بالنشاط المصري في فترة تولّي محمد مرسى وتصريحاته الخاصة بسد النهضة الأثيوبي وحصة مصر من مياه النيل، وأيضا في ما يتعلق بجهود الجيش المصري لتحرير الرهائن الأثيوبيين المحتجزين في ليبيا، وكذلك الحال في خطاب صحيفتيْ Standard وDaily Nation الكينيتين عن النشاط الإسرائيلي في الدولة عند تناول المساعدات التي قدّمتها الأخيرة لكينيا في إطار مواجهتها للإرهاب الذي ضرب المركز التجاري في نيروبي 2013.

ورأت الباحثة أن سيطرة رجال الأعمال على سوق الصحف جعلت الخطاب موجّها ومرتبطا بمصالحهم، فنجد جريدة City Press قد دافعت عن الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة في عاميْ 2012 و2014 مؤكدة أن إسرائيل تسعى إلى الدفاع عن نفسها في ظل إطلاق الجانب الفلسطيني الصواريخ عليها. وبالتالي كانت هذه الصحيفة تعارض بشدة المقاطعات الاقتصادية والثقافية التي أطلقها بعض مسؤولي جنوب أفريقيا في حال استمرار الممارسات الإسرائيلية العدائية ضد الشعب الفلسطيني.

في المقابل نادت جريدة The Star بوجوب تطبيق بعض العقوبات الاقتصادية على السلع القادمة من إسرائيل حتى دفعتها إلى تعديل الشعار الخاص “بصنع في إسرائيل” إلى “شعار صنع في فلسطين” في ما يتعلق بالسلع القادمة من الأراضي الفلسطينية، كزيت الزيتون وبعض الفاكهة والخضراوات المجففة.


وأوضحت الباحثة أن الأنشطة الخاصة بكل من مصر وإسرائيل في أفريقيا، ضمّت أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية وعسكرية وأمنية وغيرها. وقد غلب النشاط السياسي على غيره من الأنشطة الأخرى خاصة عند الحديث عن مصر وهو ما عبّرت عنه بوضوح الصحف، فقد سيطرت المرجعيات السياسية الرسمية على معظم مضامين الصحف المذكورة في تناولها النشاط المصري في أفريقيا، لأن مصر تعمل بشكل سياسي مؤسسي في دول القارة الأفريقية، فهي تسعى دائما إلى العمل من خلال أدوات سياسية رسمية، بعيدا عن الأدوات الشعبية غير الرسمية في ظل غياب المنظور الشعبي المصري عن القارة الأفريقية ودولها.

وبرز النشاط الاقتصادي بشكل كبير عند الحديث عن الجانب الإسرائيلي في صحف العينة نتيجة التقدّم الاقتصادي والتكنولوجي، الذي تمتعت به والذي سعت إلى توظيفه لتحقيق نوع من التقارب مع دول القارة من خلال المشروعات الزراعية واستصلاح الأراضي، إلى جانب مشروعات الريّ والصرف الصحي التي قامت إسرائيل بتنفيذها في الدول الأفريقية، والتي عبّرت عنها الصحف.

وقد برز ذلك من خلال طغيان جانب المرجعية الاقتصادية على ما تمّ تقديمه في الصحف حول النشاط الإسرائيلي في أفريقيا. وسعت إسرائيل في ذلك الأمر إلى استغلال القطاع الخاص بها من أجل تحقيق هذا التقارب، من خلال إطلاقها المؤتمرات الخاصة بالاستثمار في أفريقيا وزيادة النموّ التجاري بين الجانبين، مع العمل على تشجيع المستثمرين الإسرائيليين للذهاب إلى الدول الأفريقية، من أجل تنفيذ عدد من المشروعات بها.

وكشفت الباحثة عن أن تأثير العلاقات الثقافية الأفريقية الإسرائيلية لم يظهر بشكل كبير في الخطاب الخاص بالصحف حول النشاط الإسرائيلي في أفريقيا، وإن أشارت إلى بعض التحرّكات الثقافية التي سعت إسرائيل من خلالها لتحقيق قدر من التقارب مع الجانب الأفريقي كالحفلات والمهرجانات التي أقيمت في السنغال وأثيوبيا، والتي شاركت فيها مجموعة من الفرق الغنائية والموسيقية الإسرائيلية، كما جاء في الخطاب الخاص بصحيفتيْ Le Soleil السنغالية وThe Ethiopian Heraled الأثيوبية. وكذلك الرحلات الخاصة بالحجاج الأثيوبيين إلى الأراضي المقدسة في إسرائيل لأداء فريضة الحج. وهنا يجب التأكيد على أن إسرائيل وجدت أن الجانب الثقافي لا يمكن أن يكون الأداة الحاسمة التي تمكّنها من تحقيق أهدافها في المنطقة، التي تتمثل في المنافع الاقتصادية والسياسية.

وحول تأثير العلاقات الثقافية بالنسبة لمصر قالت الباحثة “لم تقم مصر بتوظيف الآليات الثقافية الخاصة بها من أجل تحقيق التقارب مع الدول الأفريقية، وهو ما ظهر جليا في غياب النشاط الثقافي المصري في الصحف، وإن كانت صحيفتا Le Soleil وPressafrik السنغاليتان أشارت للدور الثقافي والحضاري المصري في ذكرى ميلاد الشيخ أنتا ديوب من خلال عرضها أطروحته الخاصة بزنجية الحضارة الأفريقية، وذلك في ظل غياب توظيف الدولة المصرية الجوانب الثقافية ككل، سواء في ما يتعلق بالنشاط الداخلي بها أو الخارجي، فللأسف لم تسع الحكومة المصرية إلى توظيف الجوانب الثقافية في تعاملاتها مع دول القارة الأفريقية، بالرغم من الارتباط التاريخي بينهما، وكان من الممكن أن يُحدث تأثيرا كبيرا إذا ما تم توظيفه بالشكل الأمثل لتأكيد الهوية الأفريقية لمصر.

وأكدت أن النشاط الاجتماعي الإسرائيلي كان غالبا على نظيره المصري في الدول الأفريقية خاصة من خلال المشروعات الصغيرة التي قام مواطنون يحملون جنسيات إسرائيلية بالقيام بها في الدولتين الكينية والأثيوبية كمشروع المزرعة الخاصة بأحد الجنود المتقاعدين الإسرائيليين، التي أقامها في مدينة جيجيكا الأثيوبية، وكذلك إلقاء جريدة The Reporter الضوء على التجربة الخاصة بإحدى الفتيات الأثيوبيات، التي قامت باستكمال دراستها الجامعية في إسرائيل، وساعدتها الدولة الإسرائيلية في حصولها على الدكتوراه من الولايات المتحدة.

وخلصت الباحثة إلى أن الخطاب الصحافي الأفريقي عند تناوله كلا من النشاط المصري أو الإسرائيلي في أفريقيا، جاء محكوما بضوابط محددة سلفا، لعبت فيها الجوانب السياسية الخاصة بالسلطة الحاكمة الدور الأبرز، وكذلك الأهداف التي سعى كل طرف سواء في مصر أو إسرائيل إلى تحقيقها من خلال التقارب مع الجانب الأفريقي، مما انعكس على هذا الخطاب، الذي برز فيه في كثير من الأحيان تفوّق الجانب الإسرائيلي على الجانب المصري.