تآكل خيارات طهران الدبلوماسية..

رد على الضربات الإسرائيلية: لماذا تُلوح إيران بالانسحاب من المعاهدة النووية؟

يُبرز تلويح إيران بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية تصعيدًا استراتيجيًا في ظل توترات إقليمية حادة، حيث تسعى طهران لإعادة تشكيل قواعد الاشتباك مع إسرائيل والغرب. هذه الخطوة، التي تأتي وسط ضغوط أمنية ودبلوماسية متزايدة، تعكس تراجع أدوات الردع التقليدية لإيران، مما ينذر بتحولات خطيرة في ميزان القوى الإقليمي.

صورة توضيحية ملتقطة في 16 يونيو 2025 تظهر العلمين الإيراني والإسرائيلي خلف رمز الذرة وعبارة «البرنامج النووي» (رويترز)

طهران

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية يوم الإثنين أن البرلمان يدرس مشروع قانون للانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وذلك بعد ضربات إسرائيلية مكثفة استهدفت قادة عسكريين ومنشآت حساسة في إيران. هذا التطور، الذي يأتي في سياق ضغوط غربية متزايدة، يُنذر بتحولات خطيرة في البيئة الأمنية للشرق الأوسط، مع تداعيات محتملة على النظام الدولي لضبط التسلح.

خلفية معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية

تأسيس المعاهدة: دخلت حيز التنفيذ عام 1970 بهدف منع انتشار الأسلحة النووية، وضمان استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، والتزام الدول النووية بتفكيك ترساناتها.

الدول الأطراف: 191 دولة، بما في ذلك إيران التي انضمت عام 1970.

الدول النووية المعترف بها: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا.

استثناءات: الهند وباكستان طورتا أسلحة نووية دون توقيع المعاهدة، وتُعتبر إسرائيل قوة نووية مفترضة رغم عدم تأكيدها أو نفيها. كوريا الشمالية انسحبت من المعاهدة عام 2003.

بند الانسحاب: يسمح للدول بالانسحاب إذا رأت أن مصالحها العليا في خطر، مع إخطار مسبق بثلاثة أشهر.

سياق التلويح بالانسحاب

التصعيد مع إسرائيل: بدأت إسرائيل هجماتها على إيران يوم الجمعة، مستهدفة قادة عسكريين بارزين مثل علي شادماني، ومنشآت نووية وعسكرية. ردت إيران بإطلاق 400 صاروخ باليستي وطائرات مسيرة على إسرائيل.

خرق الالتزامات: منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (JCPOA) عام 2018، رفعت إيران تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من الاستخدام العسكري (فوق 60%)، مما أثار قلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

اتهامات متبادلة: إيران تتهم الوكالة والغرب بتسييس تقارير آثار اليورانيوم في مواقع غير معلنة، بينما تصر على التزامها بالضمانات.

دوافع إيران وتوقيت القرار

ردع نفسي: التلويح بالانسحاب يعكس محاولة إيران لإعادة رسم قواعد الاشتباك بعد ضربات إسرائيلية كشفت اختراقات أمنية عميقة.

ضعف استراتيجي: خسارة قادة عسكريين وتدمير بنية تحتية عسكرية جعل البرنامج النووي أداة ردع رئيسية متبقية.

ضغط سياسي: بحسب المحللة الأمريكية باربرا سلافن، الخطوة تهدف إلى كسب نقاط تفاوض، لكنها قد تؤدي إلى عزلة دولية مشابهة لكوريا الشمالية.

توقيت حساس: يأتي الإعلان بعد أيام من غارات إسرائيلية غير مسبوقة، مما يشير إلى استخدام المعاهدة كورقة ضغط سياسية.

تداعيات محتملة

على المستوى الإقليمي:

سباق تسلح نووي: انسحاب إيران قد يدفع السعودية وتركيا لتطوير برامج نووية، مما يؤدي إلى "منطقة نووية"، كما يحذر آدم شينمان، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق.

تصعيد عسكري: الانسحاب قد يبرر ضربات إسرائيلية أو أمريكية استباقية، خاصة مع استمرار إسرائيل في استهداف منشآت إيرانية.

على المستوى الدولي:

انهيار نظام عدم الانتشار: انسحاب إيران يُعد سابقة خطيرة تهدد الإطار الدولي لضبط التسلح.

عقوبات مشددة: قد تُعاد فرض عقوبات الأمم المتحدة، مما يزيد من عزلة إيران اقتصاديًا وسياسيًا.

على المستوى الداخلي:

أزمات داخلية: بحسب المحلل الإيراني مرتضى مكي، الانسحاب قد يفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية في إيران.

فقدان الحلفاء: حتى روسيا والصين، الحليفتان المحتملتان، قد تعارضان الخطوة للحفاظ على استقرار النظام الدولي.

موقف إسرائيل والغرب

إسرائيل: تواصل الاستفادة من "الغموض النووي"، حيث لم توقّع على المعاهدة وتُبرر ضرباتها الاستباقية بتهديدات إيران. تصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس تعكس استعدادًا لتصعيد إضافي.

مجموعة السبع (G7): أدانت إيران كـ"مصدر عدم الاستقرار"، مؤكدة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مما دفع إيران لانتقاد "انحياز" الغرب.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية: تستمر في الضغط على إيران لتوضيح آثار اليورانيوم في مواقع غير معلنة، مما يزيد من التوتر.

تحليل وتوقعات

استراتيجية إيران: التلويح بالانسحاب هو محاولة لاستعادة الردع الاستراتيجي في ظل ضعف عسكري وأمني. لكنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، بما في ذلك عزلة دولية وتصعيد عسكري.

مخاطر التصعيد: استمرار تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران ينذر بحرب إقليمية، مع تأثيرات عالمية مثل ارتفاع أسعار النفط وتعطيل الأسواق.

مستقبل المعاهدة: التلويح الإيراني يكشف هشاشة نظام عدم الانتشار، حيث تُستخدم المعاهدة كأداة سياسية أكثر من كونها إطارًا قانونيًا.

إيران، من خلال طرح فكرة الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، تسعى إلى إعادة تعريف توازن القوى في مواجهة إسرائيل والغرب. لكن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، إذ قد تؤدي إلى عزلة دولية، تصعيد عسكري، وسباق تسلح إقليمي. في المقابل، تستغل إسرائيل وضعها خارج المعاهدة لتبرير ضرباتها، مما يعزز اختلال ميزان الشرعية الدولية. مع اقتراب مؤتمر مراجعة المعاهدة في 2026، يظل المجتمع الدولي أمام تحدي الحفاظ على نظام ضبط التسلح في ظل أزمة ثقة متفاقمة.