محمد الحمامصي يكتب:

المسرح صناعة لها أهداف فنية وأخرى ربحية

تمثل مسألة الإنتاج والتسويق عناصر أساسية في عالم الثقافة والفنون، والمسرح واحد منها، حيث بلا إنتاج ولا تسويق لا يمكن للعمل المسرحي أن ينال حظه من الحضور الجماهيري، ولكن أغلب المسرحيين لا يولون الأهمية الكافية لمسألة الإنتاج والتسويق، وهو ما يحاول المسرحي وأستاذ التمثيل والإخراج والإنتاج المسرحي جمال ياقوت تجاوزه في كتابه “موسوعة الإنتاج المسرحي”.

تشكل "موسوعة الإنتاج المسرحي" للمسرحي والأكاديمي جمال ياقوت الأولى من نوعها مصريا وعربيا التي تتبع الإنتاج المسرحي انطلاقا من وظائفه وموارده وعناصره، متطرقة إلى تخطيط المشروعات الإنتاجية، مرورا بنظمه من آليات وأنماط، فأسسه النظرية والتطبيقية لتنظيم المهرجانات، وانتهاء بتسويق منتجاته.

 وقد جاءت الموسوعة التي صدر منها الجزء الأول بعنوان “مقدمة في الإنتاج المسرحي” في خمسة أجزاء.

الإنتاج والتسويق

يؤكد ياقوت صعوبة ما أقدم عليه من عمل بحثي كهذا حيث قال في مقدمته “واجهت صعوبات كثيرة أثناء إعدادي لبحث الدكتوراه في مجال الإنتاج المسرحي بسبب الندرة الشديدة للمراجع التي تناقش هذا الفرع المهم من دراسات الفنون المسرحية، كما لاحظت أن المعاهد والكليات المتخصصة لا تقوم بتدريس مادة للإنتاج المسرحي عدا قسم الدراسات المسرحية بكلية الآدب بجامعة الإسكندرية”.

ويضيف مؤلف الموسوعة الأولى من نوعها “أما في الغرب فهناك أقسام للإنتاج في المعاهد والكليات المتخصصة في فنون المسرح. هذه الأسباب وغيرها هي ما دفعني لكتابة هذا المرجع، وكان السؤال الأهم في هذا السياق، ما الموضوعات التي يمكن أن يطرحها الكتاب، والتي يمكن أن تؤدي إلى التعامل مع المسرح بوصفه صناعة تهتم بتحقيق الأهداف المرجوة من العملية الإنتاجية سواء كانت هذه الأهداف ربحية أو غير ربحية”.

من الضروري الاهتمام بوضع استراتيجيات للإنتاج والتسويق للعمل المسرحي فالإنتاج علم يعتمد على التخطيط والبحث

وقبل ذلك يوضح ياقوت أن للإنتاج أهمية كبرى في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية، إذ يُعدُّ “الإنتاج وسيلة لإشباع الحاجات الإنسانية (الطعام، الشراب، الملبس، المسكن، التعليم.. إلخ)، ومن الملاحظ أيضا أن الإنسان لا يستطيع أن يجد إشباعا مباشرا لهذه الحاجات من الطبيعة، ولكن الأمر يحتاج إلى قيام الإنسان بمجهود يؤدي إلى إيجاد سلع وخدمات بقصد إشباع حاجاته. كما أن الإنتاج مصدر للدخل؛ حيث تحصل عناصر العمل على أجر، ويحصل صاحب عنصر رأس المال على الأرباح الناتجة عن الاستثمارات”.

ويتابع “الإنتاج يُعنى بتحقيق القيمة المضافة بواسطة العنصر البشري – بصفته أحد أهم مدخلات العملية الإنتاجية – على مواد أولية للوصول إلى منتج نهائي يحقق منفعة ما، هنا تبرز أهمية الإنتاج بوصفه الآلية التي تتغير بها ملامح المدخلات بهدف الحصول على منتجات صالحة للاستخدام. فالشجرة التي تقتطع من الغابات لا يمكن استخدامها بالصورة التي أوجدت عليها في الطبيعة، لكن الإنسان يقوم بعمليات تحويلية تتمثل في تقطيعها وتهذيبها حتى تصل إلى صورتها النهائية في صورة ألواح منتظمة من الخشب توجه لصناعات متعددة”.

ويؤكد ياقوت على أن المقدرة التخطيطية والتنفيذية للجهاز الإنتاجي في الصين مثلا، يمكنها بمعية المنظومة العلمية من إنتاج عدد هائل من السلع القادرة على مخاطبة مستويات اقتصادية مختلفة، وهذا هو بيت القصيد، لأن هذا التباين يمثل السبب الأهم لنجاح المؤسسات الإنتاجية في الصين، لأنها هنا تصبح قادرة على التعامل مع جميع أشكال القوى الاقتصادية على مستوى العالم.

ويرى الباحث أن الاهتمام بوضع استرتيجيات للإنتاج والتسويق يعكس رغبة المؤسسات الإنتاجية في التعامل مع الإنتاج بوصفه علما يعتمد على التخطيط والبحث عن أمثل الطرق لتحقيق الأهداف في المجالات المختلفة، ولا يخفى على الكثيرين منا ندرة الدراسات التي تهتم بالجانب الإنتاجي في مجال الفنون عامة والمسرح خاصة في عالمنا العربي، ويرجع ذلك إلى أننا لا نتعامل مع المسرح بوصفه صناعة، قد يكون للإنتاج السينمائي حظ أفضل في الاهتمام بهذا النوع من الدراسات ذلك لأن دول العالم – بما فيه دول الشرق الأوسط – تتعامل مع السينما بوصفها صناعة تحقق الكثير من الأهداف سواء الربحية أو غيرها، أما المسرح، فمازلنا للأسف نتعامل معه على أنه نشاط ترفيهي أو خدمي، حتى في ظل بعض تجارب المسرح التجاري المحدودة في العالم العربي.

عناصر الإنتاج

موسوعة في خمسة أجزاء

يضم الجزء الأول من الموسوعة ثلاثة فصول رئيسية، بداية بموضوع الإنتاج المسرحي، الوظائف والموارد، والذي ركز فيه  الباحث على ثلاث وظائف أساسية مرتبطة بعملية الإنتاج المسرحي، وهي: المنتج ومدير الإنتاج ومدير تخطيط الإنتاج. حيث يعرض لأنواع المنتجين الرسميين وغير الرسميين، من يهدفون لتحقيق الربح أو لا يهدفون لذلك، كما يعرض مهام ومواصفات مدير الإنتاج، ومدير تخطيط الإنتاج، ويسعى هذا الفصل لشرح مفهوم الإنتاج بصفة عامة، وما يرتبط به من مفاهيم مثل الموارد الاقتصادية بأنواعها المختلفة؛ طبيعية، بشرية، ومصنعة، وهنا يتعرض لأنواع رأس المال الذي ينقسم لشقين هما: رأس المال المتداول الذي يتضمن النقدية السائلة وما في حكمها، ورأس المال الثابت، الذي يتضمن الأصول الثابتة مثل المباني والأجهزة.

وعرض ياقوت في الفصل الثاني “عناصر الإنتاج المسرحي” وهي عناصر العملية الإنتاجية في المسرح والتي تتجسد في عنصر الموارد التي تشكل أهم مدخلات عملية الإنتاج المسرحي بشقيها الفكري والمادي، فيقدم شرحا للموارد البشرية التي تعمل في مجال الإنتاج المسرحي وهي: المنتج والمؤلف والدراماتورج والمخرج والممثلون ومصممو العناصر المرئية مثل: الديكور والإضاءة والملابس والماكياج، ومصممو الاستعراضات. وكذلك يعرض لمصصمي العناصر المسموعة مثل: الشاعر والمغني والمؤلف الموسيقي. كما يتطرق إلى أفراد الشؤون المالية والإدارية ومنفذي الأعمال الإبداعية والأشغال المادية، وأخيرًا نعرض لوظائف المخرج المنفذ، ومدير خشبة المسرح، ومساعدي المخرج، وفريق الإدارة المسرحية. أما العنصر الثاني من عناصر الإنتاج المسرحي فيتمثل في الأدوات التي يستخدمها كل مدخل بشري من المدخلات السابق الإشارة إليها، وكذلك يعرض هذا الفصل لأدوات تنفيذ المدخلات المادية للعرض المسرحي مثل الديكورات والملابس وخلافه.

والعنصر الثالث الذي عرضه ياقوت كان العمليات التحويلية التي يقوم بها كل مدخل باستخدام الأدوات. ولأن العمليات التحويلية تمثل عصب عملية الإنتاج المسرحي؛ فقد تم تقسيم هذه العمليات إلى مرحلتين: هما المرحلة التخطيطية، والمرحلة التنفيذية، في المرحلة التخطيطية يعرض المبحث للأعمال الذهنية التي تشكل بنيان العرض المسرحي لمجموعة المبدعين وهم على سبيل الحصر: المؤلف، والدراماتورج، والمخرج، ومصممو العناصر المرئية والمسموعة للعرض المسرحي، وكذلك الممثلون. كما يعرض في هذه المرحلة العمليات التحويلية الإدارية التي يقوم بها  المنتج وأقسام الشؤون المالية والإدارية والتسويق. أما في المرحلة التنفيذية التي يتم فيها العمل على أرض الواقع بصورة مادية من أجل إخراج العرض المسرحي للنور. وأخيرًا المحور الثالث ويهتم بالعمليات التحويلية التي تتم على العناصر الإدارية على مستوياتها الثلاثة، منتج، وشؤون مالية، وتسويق.

ثم يعرض ياقوت  للعنصر الرابع من عناصر الإنتاج المسرحي وهو المنتج النهائي الذي يمثل الهدف الذي تسعى العملية الإنتاجية للوصول إليه في النهاية، ومن هنا نعرض لطبيعة الجهات المستفيدة من عملية الإنتاج المسرحي – وهي العنصر الخامس – وأخيرًا يقدم هذا الفصل العنصر السادس من عناصر الإنتاج المسرحي وهو طبيعة الاستفادة الناجمة عن القيام بالفعل الإنتاجي لكل مستفيد.

أما الفصل الثالث فتعرض فيه ياقوت لأهم العوامل التي تؤثر في عملية الإنتاج المسرحي، وأهمها المقدرة التمويلية والتسويقية، ومدى رواج المسرح بوصفه وسيطا تثقيفيا أو ترفيهيا، والحالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقدر الضرائب والعوائد الحكومية على الفنون ورواج السياحة الفنية، ومدى احترام حقوق الملكية الفكرية، وأخيرًا الانفتاح الثقافي خارج الحدود الإقليمية للبلد.