سليم ثابت يكتب:
الصليحي.. شهيد الثقافة والسلام
على هامش إجازة العيد التقيته وتبادلت معه أطراف الحديث.
الواقع السياسي لليمن..، التصلب لدى جماعة الإسلام السياسي..، ودكتاتورية الإنضمة الإشتراكية والقوامية..، وحول قضايا ذات طابع سياسي كانت محاور نقاشنا..
حقيقة ً وبالرغم من أنها أول جلسة تجمعني بالعقيد محمد عبدالرب الصليحي إلا اني وجدت نفسي امام علم من اعلام الثقافة والأدب في المنطقة ،ولم أكن أعلم أن هناك شخصيات بهذا الحجم من الثقافة واللباقة في هذا الوادي العميق (صرآن ) .
توسطنا بالحديث عن الواقع السياسي الذي تشهده اليمن ، ليتوسع العقيد الشهيد ويفتح نافذة فكرية ناقشنا فيها التصلب لدى جماعة الإسلام السياسي ،والدكتاتورية لدى الأنظمة الإشتراكية والقومية التي كانت لها تجربة في واقعنا العربي، والبرجماتية المفرطة لدى الأنظمة الرأسمالية في البلدان العربية،وكان مهنياً في طرحه واستطعنا أن نتجرد في هذا النقاش عن الانتماءات الضيقة ووصلنا الى قناعات مختلفة حول تلك المرحلة التي وقفنا عندها، لقد كان مثقفاً عملاقاً وصاحب طرح مهني ،ورؤية ثاقبة ، استدعى الكثير من النظريات ألتي تتحدث عن أشكال الدولة من الناحية البنائية والمضمونية ،وتناقشنا عن الدولة المارقة التي تحدث عنها نعيم تشومسكي ،ثم عن الفصل بين السلطات وفقاً لفلسفة ايمانول كانط،وعن نظرية العقد الإجتماعي التي تحدث عنها توماس هوبس في كتاب اللفثان ، وكان المهندس محمود شرف كالحكم أو مدير للحوار في مداخلاته المقتضبة والقوية معنا .
لم أكن أتوقع أن محمد عبدالرب الصليحي يحمل هذا الكم الهائل من الثقافة السياسية في عقله ،وما كنت أعلمه عنه أنه ضابط يعمل في مجال الإعلام ولم أكن أعلم أنه مثقف بهذا الحجم المذهل ، ولضيق الوقت تفارقنا بعد هذا اللقاء في الساعة الحادية عشر مساء بعد جلسة استمرت ثمان ساعات وكأنها دقيقة واحدة ولم تفترق قلوبنا بعد هذا اللقاء بل بقينا على تواصل مستمر نتبادل الأفكار والمعلومات في نقاشات مختلطة بالجد والهزل ، والمزاح ، وقبل اسبوعين من إصابته كان حديثنا عبر الواتس عن المحسوبية والحزبية والوساطة في الوظيفة العامة والخاصة في اليمن ،وكنا قد تواعدنا على أن يكون لنا لقاء في الساحل الغربي في القريب العاجل ،ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .
لم يكن محمد الصليحي مثقفاً عادياً بل كان مثقفا ذو قيمة حقيقية في الواقع متحرراً من الخرافة والكهنوت ، ومن التطرف الفكري لليمين أو لليسار الذي يجعل المثقف في أزمة حقيقية مع ذاته وواقعه ، وعمل على تقديم برامج إذاعية ذات قيمة فكرية كبيرة في إذاعة صنعاء ، كما تم اختياره من بين الكثير من رفاقه في السلك العسكري ليكون ضابط ارتباط في نقاط المراقبة التي شكلتها الأمم المتحدة وفقاً لاتفاق استوكهولم بشأن السلام في الحديدة وذلك نتيجة للكارزمة القوية التي يتمتع بها ،والثقافة الكبيرة التي يحملها ، وتم استهدافه بعملية قنص مقصودة من قبل مليشيات الحوثي الظلامية التي خلدت في نفسها أعتى صور القبح والظلام.
لقد كان الشهيد محمد الصليحي شخصية اجتماعية له قراره ووجاهته على مستوى العزلة ، والمديرية ،و عمل على ترتيب وضع قريته الإجتماعي بتأسيس جمعية حددت تكاليف الزواج ،وعمل على حل الكثير من الخلافات التي كانت عالقة في المحاكم منذ سنوات بين أبناء قريته ، وقدم الكثير والكثير لهذا الوطن قبل أن يقدم نفسه فــآه يا صديقي كيف ابكيك ومازلت في حيرة من أمري كيف أخذتك المنية دون خجل من بشاشتك وثقافتك واخلاقك وتواضعك ، ولن نقتطف الحديث حولك بمفردات قليلة فتجربتك الإجتماعية والسياسية والعسكرية ستدرسها و تحكيها وتتناقلها الأجيال ،وسيدونها التاريخ في أبهى صور السلام الذي قدمت روحك لأجله.



