حسين الوادعي يكتب:

جمهورية ماذا؟

أتابع النقاش اليمني عن "الجمهورية" منذ سنوات، وتابعته الأسابيع الماضية محتدما على خلفية المفاجآت على الأرض.
هناك ميل يمني للمبالغة في قيمة الجمهورية وكأننا نستطيع اختصار النظام السياسي كاملا في هذه القيمة وحدها.

بل إن هناك منحى يمنيا لا شبيه له في اختصار ثورتي سبتمبر واكتوبر في هدف واحد فقط من أهدافها هو الجمهورية. وهذا ما لا يمكن أن تجده في الكتابات عن الثورة المصرية مثلا او العراقية او السورية.

إن الجمهورية لم تكن هدفا مستقلا من أهداف الثورة اليمنية 1962، بل ثلثا بسيطا من الهدف الأول لأهداف الثورة (التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات).

ولست أدري لماذا حشر الثوار هدف الجمهورية بين هدفين كبيرين وضغطوهما في هدف واحد كبير ومطاط!
الجمهورية ليست حماية من الاستبداد، لأن هناك جمهوريات استبدادية.

وليست حماية من الحكم بالحق الإلهي لأن هناك جمهوريات إسلامية.
وليست حماية من حكم الأسرة أو السلالة لأن هناك جمهوريات عائلية وراثية.

وليست حماية من الحكم العنصري لأن أشد العنصريات فتكا في العصر الحديث كانت عنصريات جمهورية.

في رأيي المتواضع أن اختزال الثورة بكل افقها وأهدافها في شكل الجمهورية بدأ أثناء الحرب الأهلية اليمنية في الستينيات ردا على طروحات "الدولة الاسلامية"، ثم ردا على التقدم الملكي إلى حدود صنعاء في حصار السبعين.

ثم صار من مصلحة النخبة السياسية التي سيطرت بعد عام 1970 بأفقها المحافظ وغير الثوري أن تختزل الثورة في شعار الجمهورية فقط لتتهرب من الاستحقاقات السياسية والاجتماعية للثورة.
وهذا ما عبر عنه عبدالله البردوني عندما قال إن اليمن بعد 1967 أصبحت "جمهورية بلا ثورة.. وملكية بلا إمام".. وهذا هو حال اليمن خلال العقود التي مضت.. حال الثورة المفرغة من مضمونها الاجتماعي، وحال الجمهورية المفرغة من مضمونها الديمقراطي العلماني.

يبقى الإنجاز الجمهوري مهما، لكن لا يمكن الاحتماء بمظلة الجمهورية وحدها لأنها قادرة على إعطاء الشرعية لكل أنظمة الحكم من الامبراطور الروماني حتى الزعيم الفاشي والفقيه العسكري والزعيم السلالي الطائفي.

كما لا يمكن الاحتماء بفكرة الدولة وحدها، لأن داعش ذاتها كانت قد أعلنت نفسها دولة بكل مكونات الدولة.

الجمهورية تحتاج إلى مضمون. والدولة تحتاج إلى مضمون.. قل لي ما هو مضمون جمهوريتك أو دولتك المتخيلة أقل لك من أنت.