عمر علي البدوي يكتب:
أردوغان ومعونة الإخوان
التخبط الذي أصبح سمة سلوك تركيا في ظل رئيسها رجب طيب أردوغان، أدى به إلى الكثير من المزالق التي كانت محجوبة بفضل الدعاية المجانية التي كان يقدمها له طابور خامس من الإخوان المسلمين في كل دولة عربية. وأصبح أداء الرئيس أردوغان وأجهزته الدعائية والإعلامية الآن يشبه اللعب على المكشوف.
بعد أن كانت دول الخليج العربي وعواصم الاستقرار والاعتدال، لاسيما المملكة العربية السعودية، تُتهمُ بإرسال متشدديها إلى مناطق الصراع التي خلفتها سنوات الربيع العربي، كانت السعودية تدرأ عنها هذه التهمة المزيفة بالأدلة القاطعة، لكن الحقيقة كانت تبددها قوة الدعاية المنبرية التي استثمر فيها أردوغان، خاصة الممولة قطريا، التي نذرت جهدها وطاقتها لخدمة أجندة أردوغان وتلميع صورته وبخس منافسيه في الفضاء الإقليمي والدولي.
في ظل الضغوط الهائلة والنتائج الوخيمة التي تدفع أنقرة ثمنا باهظا لها، أصبحت تجاهر بما كانت تضمره من توظيف الجماعات المتشددة والاستثمار في خطاب التطرف ورموزه لتمهيد الأرضية المواتية لمدّ نفوذها وتوسيع دورها وتبرير سلوكها، إذ وأمام انخفاض رصيد المصداقية لمنصات وقنوات الإخوان في حسابات الشعوب العربية، أصبحت وكالات وصحف وقنوات تركية تلجأ إلى رموز وجماعات التطرف علنا غير آبهة بالإجماع الدولي على نبذها ومقاومتها.
نشرت صحيفة يني شفق التركية المقربة من الرئيس التركي، فيديو عبدالله المحيسني، المسؤول الشرعي السابق في هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، يخاطب الشعب التركي، مناشدا القوات التركية دعم إدلب. وأتى نشر الفيديو في إطار الترويج الإعلامي للعملية العسكرية التي أطلقتها تركيا شمال غربي سوريا، ودعم الجنود الأتراك.
وآخر ما عرف عن المحيسني المصنف إرهابيا على قائمة الخزانة الأميركية، أنه يقضي معظم وقته في مدينة غازي عنتاب، ويقيم فيها لفترات طويلة برعاية ضباط الأمن الأتراك المكلّفين بالعمل مع الفصائل المسلحة في الشمال السوري. ويطلّ على مشايعيه في مواقع التواصل الاجتماعي حسب ما تقتضيه حاجات الجماعات المتطرفة ورعاتها من الدول الإقليمية التي تستثمر في المناطق الرخوة للأراضي العربية لغرز نفوذها وتوسيع رقعة تأثيرها.
ما إن مرّت قصة كلمة المحيسني دعما لتركيا، حتى نشرت وكالة الأناضول الحكومية فيديو يبيّن مجموعة من المسلحين، وصفتهم بـ”معتدلين”، كانوا يركبون المدرّعات، دون أن تنتبه الوكالة إلى أنهم يربطون على أكتافهم شارات داعش، ما اضطرها بعد دقائق إلى حذف الخبر.
سواء أرادت ذلك أو لم تنتبه، قدمت وكالة الأناضول مادة دسمة لناشطين عرب على مواقع التواصل الاجتماعي لإلقاء الضوء على حقيقة توظيف الحكومة التركية لميليشيات متطرفة في مجهودها العسكري غير النزيه في كل من سوريا وليبيا، فيما تتغاضى الكثير من منصات الإخوان الممولة قطريا، أو تزيّف هذه الحقائق القاطعة وتشوش عليها بقائمة من التهم المرسلة في وجه عواصم عربية رفضت التدخل التركي السافر وقاومت رغبته في كسر مناعة العالم العربي واستعصاءه على الوجود التركي غير الشرعي.
فيما ترفض المؤسسات الإعلامية التركية والقطرية على حد سواء، أي شكل من أشكال النقد لسلوك أنقرة وعبث أردوغان، وتخوض في حملة ممنهجة من التحريض والتشويه والاتهامات غير المبررة، لإسقاط رموز دينية وشعبية وقفت في وجه الدعاية التركية وفنّدت سلوكها.
من ذلك البث التحريضي غير العادي الذي واجهه الداعية السعودي عائض القرني، وجملة من التهم السطحية التي تعرض لها من نفس هذه المنصات التي احتفت برموز التطرف، لأنه رفض تمجيد أردوغان وانتقد صورته والثناء المبالغ في حقه.
كما وقعت وكالة الأناضول في خطأ يكشف حجم التنسيق مع الظهير القطري في الإطار الإعلامي، عندما أشارت في تقرير يهاجم القرني، إلى حسابات مزيفة على تويتر تدعي بأنها سعودية، لكن سوء التركيز والتقدير جعلها تكشف هويتها الحقيقية، وقالت إنها حسابات قطرية.