يمينة حمدي تكتب:
الإدمان على الطعام!
يقول نيلسون مانديلا “نحن نعيش في عالم غريب، حيث يمشي الفقراء أميالا ليحصلوا على الطعام، ويمشي الأغنياء أميالا ليهضموا الطعام”.
الطعام ليس وقودا يمدنا بالطاقة فحسب، إنما هو تجربة اجتماعية وثقافية تشترك فيها حياة جميع البشر، وتجتمع فيها خبراتهم وذكرياتهم، لكن معظم الناس تربطهم بالطعام علاقة مضطربة، تجعلهم على الدوام يحاولون إيجاد حالة من التوازن بين ما يلتهمونه من أطباق شهية وبين الكيلوغرامات الزائدة التي تتراكم على أجسادهم، وقد يسعون جاهدين إلى التخلص منها دون جدوى، وفي كل مرة يفرطون في تناول كميات كبيرة من الطعام يشعرون بالندم، لكنهم يعيدون الكرة مرات عدة، ولا يتعلمون الدرس من المرة الأولى.
ربما يعود ذلك إلى البهجة التي يحدثها الطعام في نفوسنا كبشر، وخصوصا عندما نكون بصحبة مريحة ومساعدة، فقد يصبح من الصعب التركيز على كمية الطعام التي تذهب إلى أفواهنا، حتى وإن كانت معداتنا متخمة بالطعام.
يصعب تفسير هذه الحالة المزاجية التي تقود الكثيرين إلى الإفراط في تناول الطعام، لكن معظمها يرتبط بالأوقات الحزينة أو الذكريات الجميلة أو بسلوكيات بعينها، فبمجرد رؤية المرء لبعض الأطعمة أو نفاذ رائحتها إلى أنفه أو تخيلها في ذهنه، تحدث لديه ما أطلق عليه العالم الروسي إيفان بافلوف “الاستجابة الشرطية” فيسيل لعابه ويصبح من الصعب عليه التصرف بعقلانية.
فسر بيوتر زيلنسكي، طبيب الأعصاب بجامعة التربية البدنية والرياضة بمدينة غدانسك في بولندا، هذا الأمر بقوله “قد يطغى نظام المكافأة بالدماغ أحيانا على التفكير العقلاني”.
لعلنا نتذكر هنا ما يقوله الناس عامة عن قدرتهم على عدم التحكم في أنفسهم، حينما يتعكر مزاجهم أو يشعرون بالقلق والتوتر، وعندها يصبح الطعام لدى معظمهم حلا للهروب من تلك الضغوط ووسيلة للتخفيف مما يشعرون به من ضيق.
وبسبب كم الضغوط التي يواجهها الناس اليوم، سواء في العمل أو الدراسة أو المحيط الاجتماعي، فإن ذلك قد يدفع الكثيرين إلى تناول أنواع مختلفة من الأطعمة، وخصوصا تلك التي تحتوي على نسب عالية من السعرات الحرارية.
الأسرة غالبا ما تلعب دورا حيويا في تجنيب أفرادها الإصابة باضطرابات الأكل، فالبيئة التي يسود فيها الدعم المعنوي والعادات الغذائية والرياضية الصحية تسهل على أفرادها تجنب الإصابة بالسمنة
وأظهر بحث أجري على 450 موظفا من ثلاثة قطاعات مختلفة أن الضغوط النفسية أثرت على الشهية والعادات الغذائية لدى 80 في المئة من المشاركين، نصفهم زاد استهلاكه للطعام والنصف الآخر فقد شهيته للأكل.
من حيث المبدأ، يمكن أن تصبح أي حالة مزاجية -حتى وإن كانت جيدة- عاملا مُسبّبا للشعور بالرغبة في تناول المزيد من الأطعمة، طالما أنها متوفرة أمام الأعين على الدوام، لكن قد يتحول ذلك مع الوقت إلى “عادة دائمة” تستمر طوال الحياة، وقد تسبب السمنة، التي تؤثر على صحة الشخص ورفاهيته، وربما أكثر من ذلك.
وفي الوقت الذي تواصل فيه معدلات السمنة ارتفاعها، بدأت الدوائر العلمية البحث عن مكامن التشابه بين الإفراط في تناول الطعام وحالات الإدمان.
وقد تناول الباحثون هذه المشكلة الشائعة بشيء من الحذر، بسبب عدم وجود نمط واحد من الاضطرابات المتعلق بتناول الطعام، لكنهم يعتقدون أن الإفراط في تناول الطعام أو ما يطلق عليه (Binge Eating Disorder)، إنما هو يشبه حالة الإدمان، وهو شيء يحكم قبضته على إرادة الناس بل ويستحوذ عليهم.
وهذا الاضطراب يسبب أضرارا بدنية ونفسية وقد يتحول إلى مأساة بمعنى الكلمة، مثلها مثل صنوف الإدمان الأخرى.
ومن المهم أن نتذكر هنا أن الأسرة غالبا ما تلعب دورا حيويا في تجنيب أفرادها الإصابة باضطرابات الأكل، فالبيئة التي يسود فيها الدعم المعنوي والعادات الغذائية والرياضية الصحية تسهل على أفرادها تجنب الإصابة بالسمنة.
لكن ذلك لا ينفي أهمية المسؤولية الشخصية، فما هو مؤكد أنه يستحيل على المرء الامتناع عن تناول الطعام تماما، لكن باستطاعته العزوف عن الإفراط فيه