يمينة حمدي تكتب:

المزاح عربون محبة

ميزة النكتة أنها تشيع جوا من الشعور بالراحة والمرح في المكان الذي تلقى فيه، لكن وسط هذا الانشغال الدائم بوسائل التواصل الاجتماعي، الذي فرضته الحياة العصرية والطفرة التكنولوجية، يكاد حس الدعابة يفقد وجوده داخل الأجواء الأسرية، ويحل محله التجهم، وفي أفضل الحالات يتبادل البعض ضحكات خافتة، يعبرون عنها برموز صامتة، أما الأحاديث الودية والأجواء المفعمة بالمرح، فباتت من ضمن الأشياء العابرة والنادرة في الحياة اليومية، رغم أنها ضرورية للتخلص من التوتر والقلق الناجم عن أسباب، لو فكرنا قليلا، سندرك أنها فارغة.

حدثنا أحد الزملاء ذات مرة عن زوجته السابقة التي اعتادت على إزعاجه بشكل متكرر بدعاباتها التي وصفها بـ”السخافات” معتقدا، أنها كانت دائما تمزح بطريقة غير لائقة في الشارع، لكنني عندما دققت في الأمر أكثر، وجدت أن الغرابة في الأمر تكمن في عدم تفاعله مع أجواء المرح التي كانت تريد أن تحيطه بها، وماهو مؤكد أنه لم يكن يفهم المغزى الحقيقي لروح الدعابة التي تتحلى بها زوجته آنذاك.

مقدار فهم المزحة والتفاعل معها قد يختلف بين المرأة والرجل وبين الأشخاص أنفسهم، كما يختلف باختلاف الثقافات، لكن الدعابة عموما تكون ذات فعالية كبرى عندما تسود الثقة بين الزوجين، ويترفعان عن التكلف الذي قد يدفعهما إلى تكوين افتراضات سلبية.

ربما لا يدرك الرجال من ذوي الثقافات التقليدية ما تعنيه روح الدعابة بالنسبة للنساء، ولكن الأبحاث السلوكية والنفسية، تؤكد أن المرأة لا تنجذب إلى الصفات الجدية في الرجل، بقدر ما تشدها جوانب أخرى فيه لا تقل أهمية، مثل صفة المرح التي يمكن أن تكون في معظم الأوقات أكثر أهمية من وسامة الزوج ورصيده البنكي.

تقول دراسة بريطانية إن سماع شيء مضحك لا ينير الوجوه وحسب ويجعلها أكثر إشراقا، بل يلعب أيضا الدور نفسه مع الدماغ.

وكلما كانت النكتة التي نسمعها أكثر فكاهة يزداد نشاط مركز المكافأة في الدماغ، أي الخلايا العصبية التي تحفز مشاعر السرور والفرح.

ويقول الكاتب الكوميدي تيم واشر “إذا أخبرتك بمزحة وضحكت عليها، فمعنى ذلك أننا تقاسمنا لحظة معينة، وأصبح بيننا شيء مشترك”.

يمكن للمرح الذي تضفيه النكتة أو الدعابة علينا أن يكون وسيلة فعالة للتخلص من التوتر بعد أحداث يوم صعبة ومشقة العمل الضاغطة، وبشكل عام، تؤدي الدعابة إلى توثيق العلاقات، وتساعد على الترابط الوثيق بين الناس.

ولو نظرنا مثلا إلى التراث الشعبي والثقافي لشعوب العالم قديما، لأدركنا أهمية عادة إلقاء النكات التي أطلق عليها علماء الإنسانيات “علاقات المزاح”، ودورها في توثيق الروابط وتفادي الصدامات الاجتماعية بين الأفراد والمجموعات.

هذه الأداة الاجتماعية والعاطفية تمثل مصدر قوة لا يصدق، لذلك فإنه ليس من باب الاعتباط استخدام الرسومات الكاريكاتورية كأداة سياسية ووسيلة شخصية للتعبير عن قضايا نقدية ساخرة.

الأمر الذي دفع النظريات الإعلامية إلى اعتماد الرسوم الساخرة باعتبارها مصدرا مؤثرا في الصحافة عبر تاريخها، بعد أن فاق تأثيرها قوة اللغة. وما زال الكاريكاتير يأخذ مساحة متميزة في كل صحف العالم وتخصص له مسابقات سنوية مهمة، ماذا يعني هذا غير أن المزحة الذكية تمتلك تأثيرها في المزاج الإنساني عبر الكلام أو الفنون.

ربما يرى البعض أن الدعابة شيء تافه بلا معنى، لكنها في الواقع، ليست سلوكا محايدا، فهي دائما تحمل مغزى، فقد تصالحنا مع الآخر ومع بعضنا وتجعلنا نكتشف أشياء لم نكن نعرفها من قبل