محمد الحمامصي يكتب:

الثقافة العربية لا تزال محافظة وتقليدية تخاف من الوافد والغريب

على الرغم من قلة الأعمال التي قدمها القاص والروائي والمترجم اليمني محمد أحمد عثمان منذ تسعينات القرن الماضي سواء كانت قصا أو رواية أو ترجمة، إلا أن فضاءات أعماله على اختلافها تتمتع برؤى عميقة ذات خصوصية، ففي قصصه ورواياته تتجلى شفافية اللغة والأسلوب فيما تعترك الأبعاد الإنسانية، واختياراته في الترجمة تسير في الإطار ذاته. “العرب” التقته في هذا الحوار لنتعرف على رؤاه كمترجم.

يرى القاص والروائي والمترجم اليمني محمد أحمد عثمان أن الترجمة مثلها مثل كل نشاط كتابي آخر، نحن من يذهب إليه أولا ويراوده إما بدافع المحاكاة وإما الرغبة في التعبير وإما تحدي النفس. إلا أنه بتكرار التجربة، سرعان ما نقع تحت سطوته وجاذبيته ويصبح هو من يجتذبنا إليه ويخضعنا لمشيئته ويغدو هو من يختارنا ويطالبنا بدور الوسيط بين النص في لغته الأصلية وبين القارئ في اللغة التي نترجم إليها.

لكنه من ناحية أخرى يتحدث عن الترجمة من زاوية أنها هي من اختارته. إذ أنه قبل أن يدمج هذا النشاط في حياته كان كاتبا أنجز عدة نصوص قصصية وشعرية.

الترجمة وتحدياتها
يشير محمد أحمد عثمان إلى التحديات التي تواجه الترجمة والمترجم كوحدة؛ التحدي الأول يتمثل من منظور تجربته الشخصية في محدودية الاختيار. يقول “إن سوق الكتاب الأجنبية ضعيفة في الوطن العربي بل إنه في بلد كبلدي اليمن تكاد تنعدم هذه السوق، والحال كذلك إذ يجد المترجم نفسه أحيانا مضطرا لترجمة ما يقع تحت يده. صحيح أننا بتنا في هذا الزمن نملك طرائق لتجاوز هذه الصعوبة كالتسوق عن بعد، لكن كما تعرف ليس كل المترجمين يملكون حسابات بنكية كما أنهم ليسوا جميعا قادرين على التعامل مع تقنيات التواصل الحديثة”.

ويتابع المترجم اليمني “ننتقل بعد ذلك إلى التحدي المتعلق بالنشر. ففي وطننا العربي الكبير لا يوجد سوى عدد قليل من الجهات ودور النشر المختصة بنشر الأعمال المترجمة والتي تقوم أعمالها على أساس التعاقد. لكن مشكلة هذه الجهات، إضافة إلى محدودية عددها، أنها لا تتعامل في الغالب إلا مع أسماء مكرسة ومعروفة، ومن النادر أن تجد دارا يمكنها أن تغامر مع مترجم مجهول. والحال كذلك، فمن الصعوبة بمكان بالنسبة إلى المترجم الجديد الحصول على عقد ترجمة من هذه الدور، ما يضطره أحيانا بل غالبا، إلى القبول بنشر عمله المترجم حتى بلا مقابل”.

الترجمة يقع على عاتقها دور كبير لتبديد سوء الفهم الحاصل حاليا بين الثقافة العربية والإسلامية وثقافات العالم

ويضيف عثمان “هنالك أيضا ذلك التحدي ذي الطبيعة الثقافية. إذ لا تزال ثقافتنا العربية بمجملها ثقافة محافظة وتقليدية ولديها مخاوفها من الوافد والغريب، وتميل بسبب ذلك إلى الانغلاق على نفسها داخل حدودها ومقولاتها، وينعكس هذا التحدي في تحدّ آخر يتمثل في انعدام البرامج، سواء على المستوى الحكومي أو الأهلي، المكرسة لدعم الترجمة”.

ويرى عثمان أن هناك شروطا للترجمة من جهة العمل الأدبي أو الفكري نفسه كأن يكون قابلا للترجمة بمعنى أن يكون مكتوبا بلغة تتناسب مع إلمام المترجم بتلك اللغة، وهنالك شروط من ناحية المترجم أن يكون العمل المترجم متوافقا مع ذوقه واهتمامه ورؤاه الفكرية والجمالية، كما يمكننا على نفس المنوال الإشارة إلى شروط من جهة الثقافة والمجتمع الذي نترجم الكتاب إلى لغته، إذ يفترض أن يتناول الكتاب موضوعا هو محل اهتمام القارئ بالمعنيين العام والمتخصص لأننا في الأخير لن نغامر في ترجمة كتاب لن يقرأه أحد. ويلفت عثمان إلى أن هنالك ثلاثة معايير لترجمة أي كتاب؛ كأن يكون قد توافق مع اهتمامات المترجم، وأن يكون قابلا للترجمة أي قابلا للمرور من اللغة التي نترجم عنها إلى اللغة التي نترجم إليها، وأخيرا أن يلبي حاجة عمومية لدى القراء الموجه إليهم.

ويتابع “ينبغي أن نعيد هيكلة التعليم في الوطن العربي بحيث تتعزز دراسة اللغات الأجنبية في المدارس والجامعات، وبكون إجادة لغة أجنبية شرطا من شروط التعليم العالي، فليس المترجم فقط بل كل متخصص في مجال ما من المجالات العلمية أو الأدبية ويجيد لغة أجنبية مطالب بترجمة كتاب واحد على الأقل أو بضعة كتب إلى لغته في سياق خدمة هذه الثقافة التي هي ثقافته. وبالنسبة إلى الترجمة الأدبية لا أظن أن كل المترجمين قادرون على ترجمة عمل أدبي، فالأدب هو تخصص له قاموسه الخاص المختلف بهذه الدرجة أو تلك عن المجالات الأخرى، كما أن له مساربه النفسية والمزاجية التي لا يجيدها إلا أديب أو مترجم قريب من الأدب. لهذا قد لا أتفق مع التعميم الوارد من أن على كل مترجم بالإطلاق أن يترجم عملا أدبيا إلى لغته”.

اهتمام بالذات

يؤكد عثمان أن دور المجال الثقافي والاهتمام به قد تراجعا تراجعا ملحوظا خلال العقود الأخيرة لصالح مجالات أخرى كالمجال السياسي أو بالأخص مجال الميديا ووسائل الاتصالات الحديثة التي بات المنتج الذي تقدمه محور اهتمام الأجيال الجديدة، فقبل هذه الحقبة كانت هنالك تراتبية، إن لم تكن لصالح الثقافة فقد كانت على الأقل في مستوى واحد مع السياسة إذ كان المثقف هو من يرسم الخطط ويوجه السياسي نحو أولويات المجتمع واحتياجاته. لكن الأمور تغيرت اليوم وحل محل المثقف مقدم ومعد البرامج التلفزيونية والمشرفون على مواقع التواصل الاجتماعي وإلى ما هنالك من سدنة.

ويتابع “لقد انتهى دور الشاعر النبي والمثقف النبي الذي عرفناه خلال عقود الستينات السبعينات وحتى الثمانينات وحل محله الشاعر والمثقف الذي لا يكاد اهتمامه يتجاوز ذاته، وهذه كلها تغييرات يجب أن نأخذها بعين الاعتبار عندما نتحدث عن المجال الثقافي وتراجع دوره. لكن لا ننسى أيضا الانهيار في مؤسسة التعليم وتراجع مخرجاته فهذه المؤسسة المهمة في حياة كل شعب لم تعد تصب في اتجاه تفتح المدارك الثقافية للناس، وكل ما تعمله حاليا تخريج جيل نافر من الكتاب، نافر من التساؤل، نافر من التأمل وجل ما يهمه الإيفاء بحاجاته الأساسية.. والحال كذلك كيف لنا أن نأمل بحياة ثقافية فاعلة في حياة الناس”.

ويقول “يقع على عاتق الترجمة دور كبير في تبديد سوء الفهم الحاصل حاليا بين الثقافات وخصوصا بين الثقافة العربية والإسلامية وثقافات العالم المتاخمة وخصوصا على الجانب الآخر من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. فقد تدفقت خلال العقدين الماضين، منذ 11 سبتمبر وما تلاه من صعود لظاهرة الإرهاب ومكافحتها وحتى اليوم، الكثير من غيوم سوء الفهم بين ثقافتنا العربية والإسلامية وسائر الثقافات على خلفية العمليات الإرهابية التي شهدها العالم في العقدين الماضين. والترجمة اليوم مطالبة جنبا إلى جنب مع الدبلوماسية بإعادة تصحيح سوء الفهم وذلك من خلال نقل المنتوجات الثقافية والإبداعية من وإلى العربية. لكن من العربية إلى الثقافات الأخرى أكثر كي ترى هذه الثقافات أن العربي والمسلم له جانب آخر، ذلك الجانب من الصورة الذي حجبته أدخنة هذه الصراعات وأعمال العنف”.

ويختم عثمان برؤيته حول موقع الترجمة ضمن المشهد الثقافي العربي قائلا “لكي نأخذ فكرة عن موقع الترجمة في الثقافة العربية ما علينا سوى أن نلقي نظرة على هذه الإحصائية حول نسبة الترجمة في الوطن العربي مقارنة بدول أخرى، والتي وردت في مقالة منشورة على الإنترنت وهي إحصائية، كما يقول صاحب المقالة، نفذتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) التي تبين أن العرب البالغ عددهم أكثر من 270 مليون نسمة لا يترجمون سنويا سوى 475 كتابا، في حين تترجم إسبانيا البالغ عدد سكانها 38 مليون نسمة أكثر من 10 آلاف كتاب سنويا”.

ويدلل على كلامه بأنه بينما يحظى كل مليون مواطن في المجر بنحو 519 كتابا سنويا ويبلغ نصيب كل مليون إسباني في العام 920 كتابا، فإن متوسط عدد الكتب المترجمة في العالم العربي لا يتعدى 4.4 كتب لكل مليون مواطن سنويا.