عمر علي البدوي يكتب:

آفاق التفاهم بين السعودية وإيران

هل هناك فرص لحديث عن سلام أو تفاهم وتقريب لوجهات النظر بين السعودية وإيران؟ سيما وأنّ عددا من دول الإقليم تبرّعت للعب دور الوسيط لخدمة هذا التواصل بين العاصمتين، وأنّ أحدا لا يودّ للتوتر الذي يقارب حافة الهاوية أن يتفجّر في شكل حرب أو مواجهة لن يسلم منها أحد، وتحذّر منها الرياض وطهران على حد سواء، رغم أن الحماقات التي ترتكبها إيران لا يمكن أن تكف عنها سوى باجتراح الخيارات الصعبة والمرّة.

ربما خفتت نذر الحرب التي كانت تشتعل خلف التصريحات المتهجمة والتكهنات المحمومة التي كانت تنزلق إليها المنطقة، وتصاعدت إشارات متقطعة إلى ضرورة إحداث فجوة في جدار التوتر المتصاعد، وخلق فضاء لتواصل ما يجمع أقطاب المنطقة ويخفّض من انبعاث القلق والتوتر.

لكن للرياض وجهة نظر في هذا الشأن، وهي التي تعتبر رأس حربة الاتجاه الدولي لوقف عدوان إيران على المنطقة، وتقليم أظافرها التخريبية وحزّ رؤوس الأفاعي التي غرزتها في بُقع مختلفة من جسم الشرق الأوسط، تأتمر بأمرها وتخدم أجندتها.

تتمسّك الرياض بفكرة مواجهة إيران وتعتبرها ضرورة لا ترفا، وخيارا حتميا لا يمكن التنازل عنه، بالنظر إلى حجم الخراب الذي خلقته طهران بسلوكها التدميري، والذي لا تُجدي معه كل جهود الاحتواء والمجاملة، على اعتبار أنك تتعامل مع نظام يقبع في كهوف التاريخ والعالم القديم، ولا يخضع للغة دولة معاصرة تميل إلى قرارات سياسية تحتكم إلى المنطق.

لا تثق السعودية في رغبة طهران بالسلام أو بأقلّ منه وهو التفاهم، لأنها تتصرّف على أساس عقدي لا يقبل التنازل عن جشع طموحاته التوسعية، باعتبار التنازلات خرقا في صميم العقيدة التي تؤمن بها وتتبنّاها.

ولدى الرياض خبرة طويلة في انتكاسات الطريق المعقّدة لإعادة طهران إلى جادّة الدول الطبيعية، وذلك ما يجعل حماسها منخفضا تجاه رغبة طهران في التواضع أو الكفّ عن سلوكها الذي يحتّم ضرورة مواجهته رغم تكاليفه الباهظة، لكنها ستكون أقلّ ضراوة من السماح باستمرار هذا النزيف لاستقرار المنطقة.

وفي سياق استغراق طهران في سلوكها، تتعسّف الآن في التقاط أي إشارة عفوية من السعودية للبحث في سبل للتفاهم باعتباره ضعفا من الرياض، وتبريرا لبراءتها من تهمة السلوك العدواني التي تحاصرها نتائجه الوخيمة، ولتحشيد المزيد من خيال القوة التي تتوهّمها لمدّ نفوذها ولفت انتباه تابعيها الراقصين على خرائط الخراب من ميليشياتها.

تحمل عُمان دورا تقليديا في التوسّط لإيران لدى كل خصومها الإقليميين والدوليين، لكنها اليوم متراجعة بحكم أنها لا تملك ما تؤثر به على أيّ فرصة للتفاهم في هذا الخصوص. مثله جهود العراق الذي يودّ أن يستثمر علاقته الأثيرة بطهران في إحداث ثقب في تصميم الطرفين على المواجهة، لكنه انشغل مؤخرا بموجة الاحتجاجات التي اشتعلت على ترابه، وقريبا منه باكستان التي أعلن رئيس حكومتها عمران خان أنه يجتهد لإجراء حديث يصبّ في هذا الإطار، لكن انشغالاته المحلية في كشمير تستحوذ عليه وتؤثر في فعالية دوره المفترض.

وفضلا عن تلميع ألمانيا واستثمار روسيا للقضية، فإنّ فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، تبدو أكثر جدية في بذل جهد لبناء صفقة تخفّف التوتر وتنقذ واقع المنطقة من منزلقها الصعب.

لكن الصفقة الفرنسية مسكونة بالكثير من الثغرات التي تفسد وجاهتها وتعطّل جدواها، وهي عرضة لنسفها من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتغريدة واحدة على تويتر، سيما إذا اشترطت إيران مقابل مجرد الجلوس معه قرار “رفع العقوبات” وإعادة الحالة إلى النقطة صفر، وهو ما يتعارض مع إستراتيجيته تجاه طهران حتى تذعن لكل العمليات الجراحية التي تقتضيها الصفقة الأوبامية الغابرة.

كما أن المقترح الفرنسي موصوف من طرف وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير بعملية استرضاء لإيران لن يفعل أكثر من تغذية سلوكها العدواني.