إبراهيم الزبيدي يكتب:
قطر، مع أميركا ومع أعدائها، أيضا
باختصار شديد إن قطر، على ضآلة حجمها وقلة سكانها، كانت وما زالت تشكل أكبر هم وأكثر مصادر القلق والإزعاج لأغلب دول العالم وشعوبها المحبة للسلام والطمأنينة، والمعادية لكل ألوان الإرهاب ولكل أشكاله، وخاصة إرهاب الجماعات التي تتستر بالإسلام.
وبالوقائع الثابتة تتحمل حكومتها، وتحديدا مشيختُها، كامل المسؤولية عن خراب وسفك دماء وحرائق في بلدان عربية وإسلامية عديدة، أبرزُها وأكثرُها تضررا مصر والعراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا وتونس والسودان. يضاف إلى ذلك أنها، بسلوكها وتحالفاتها، جعلت من نفسها لغزا محيرا لكثير من السياسيين والكتاب والمحللين.
إذ إنهم لا يفهمون سر سكوت الأميركيين عن علاقاتها الحميمية الحديدية مع من يُفترض أنهم أعداؤهم الذين يقاتلونهم بالعقوبات الاقتصادية وسياسات الخنق السياسي والعسكري، أمثال النظام الحاكم في طهران، والإخوان المسلمين، وإخوان سوريا، وحزب الله اللبناني، وإخوان غزة، والحوثيين، ووكلاء إيران الحشديين العراقيين، وأخيرا وليس آخرا العصابات الإخوانية والداعشية التي تقاتل في ليبيا بالريال القطري والسلاح الأردوغاني، علنا وبكل مفاخرة ومباهاة.
أما حرتقات القطريين وإساءاتهم ومؤامراتُهم على دول بحجم مصر والسعودية والإمارات فتلك مسألة غريبة وعجيبة تحتاج إلى كثير من التدقيق والتمحيص والتشريح لفهمها، وذلك لأن الإدارات الأميركية المتعاقبة تعتبر أمن هذه الدول وسلامتها واستقرارها مصلحة أمريكية إستراتيجية عليا.
فكيف يكون الذي تفعله قطر، من أيام حمد بن خليفة إلى عهد ولده تميم بن حمد، بردا وسلاما على الولايات المتحدة التي عودت العالم على عدم صبرها وقلة تحملها وصعوبة تسامحها مع من يمسها أو يمس حلفاءها بأقل سوء، ويتحالف مع أعدائها ولو بكلام الفضائيات وحدها، رغم أن تحركات قطر وأفعالها علنية وقد تجاوزت حدود المعقول والمقبول؟
فهل هو ذكاء قطري خارق جعل الأسود أبيض، واليابس أخضر، والليل نهارا، أم هو غباء وسذاجة لدى الأميركيين إلى الحد الذي يجعل مخابراتهم وأقمارهم وكل جواسيسهم عاجزة عن اكتشاف ما أصبح القاصي والداني يراه ويسمعه ويلمسه لمس اليد بسهولة ويسر ودون عناء؟
والذي يعرفه العالم عن أميركا أنها أعلنت حربها على دول وأحزاب وشخصيات فعلت أقل من ربع ما فعلته وما تفعله قطر، واعتبرتها داعمة للإرهاب، وعاقبتها، ولاحقتها، وانتقمت من بعضها بالقتل والاغتيال، وما زالت تحاول الانتقام من بعضها الآخر، دون رحمة أو هوادة.
أما الثابت عن دولة قطر العظمى فهو أنها مدللة ليس لدى ترامب وحده، بل كانت أيضا مدللة قبله، لدى باراك أوباما، وقبلهما كانت حبيبة الإدارات الأميركية السابقة المتعاقبة، جمهورية كانت أو ديمقراطية، على حد سواء.
ومن لا يصدق هذا الكلام عليه أن يتأمل تفاصيل زيارة “المجاهد الثوري الإيراني التركي الإخواني” تميم بن حمد آل ثاني لواشنطن. فقد استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، بحفاوة لا تحدث إلا مع أعز الحلفاء وأكثرهم قربا من قلوب الأميركيين ومن جيوبهم أيضا.
وخلال حضوره مأدبة عشاء أقامها على شرفه ترامب ووزير خزانته، قال تميم بعظمة لسانه “إن العلاقات بين قطر وأميركا استراتيجية، وقد شهدت تطورا كبيرا مؤخرا عبر الحوارات الثنائية بين البلدين الصديقين”.
وأضاف “نحن نواصل التزامنا المتبادل بتعزيز وتطوير تحالفنا العسكري والأمني بشكل مستمر، حيث نقوم بتوسيع قاعدة العديد الجوية لاستيعاب القوات الأميركية وعائلاتهم، كما نشترك مع المؤسسات الخيرية هنا مثل مؤسسة بوب وودرف لدعم قدامى المحاربين”.
بدوره، رحب ترامب بأمير قطر وأشار إلى أن علاقة صداقة تجمعه به قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة، وأشاد بدور قطر في مجال الاستثمار بأميركا.
إذن، فليس مؤلما للجمهوريين، ولا مزعجا للديمقراطيين، كون تميم بن حمد راعيا وداعما ومناصرا لكل دولة أو جماعة أو منظمة أو شخصية تكفّر من يؤمن بالديمقراطية، وتدعو إلى قتل من يطالب بالوسطية والعقلانية والسلم والعدالة وحقوق الإنسان، ولا كونه مجاهرا بعلاقاته المالية والعسكرية والسياسية والثقافية والتجارية مع الولي الفقيه شخصيا، ورئيس جمهوريته حسن روحاني، ومع رجب طيب أردوغان، ويوسف القرضاوي، وقادة الإخوان المسلمين، ورؤساء ميليشيات إيران العراقية، هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي وأبي مهدي المهندس، وحسن نصرالله، وإخوان غزة، والحوثيين، والميليشيات الليبية التي تقاتل الجيش الوطني الليبي، جنبا لجنب مع تنظيم داعش الليبي، ومع كل من يكره أميركا، ويعلن أن واجبه الديني والدنيوي هو محو إسرائيل، وسفك دماء الأميركيين، تقربا إلى الله ورسوله والمؤمنين.
ألسنا على حق، إذن، حين لا نصدق بأن تميم بن حمد حليف حقيقي ومخلص ونزيه لإيران وأردوغان، وإخوان مصر وسوريا وليبيا والسودان وتونس والجزائر واليمن وفلسطين، ونؤمن، بعمق ويقين، بأنه مدسوس عليهم جميعا، ومكلف، أميركيا، بارتداء ثياب المجاهدين الثوريين المتشددين، تماما كما كان قبله حافظ الأسد وابنه بشار في احتضانهما لكل منظمات الجهاد والمقاومة والصمود، ولكن دون أن تغضب عليهما أميركا وتقطع عنهما هباتها المجزية، ودون أن تخاف إسرائيل منهما على أمنها. ولله في خلقه شؤون.