إبراهيم الزبيدي يكتب:
الحق مع حفتر
إنه لأمر محيّر ويصعب فهمه. من ناحية يكثر الأوروبيون والأميركيون من الحديث عن الإرهاب الإسلامي السلفي الذي يصفونه بالمخرّب وينبغي قتاله أينما وُجد، ومن ناحية أخرى يَسكتون عن قطر وعن تمويلها ودعمها واحتضانها لجماعة الإخوان المسلمين ولكل أنواع الإسلام السياسي السلفي، علنا وعلى المكشوف، متحدية بذلك الأميركيين والأوروبيين، ومقاومة صلبة صامدة ضد حروبهم المعلنة ضد حلفائها الإسلاميين المجاهدين في ليبيا وسوريا واليمن وغزة ومصر والسودان، وفي أرجاء العالم الواسع كلها.
الأكثر غرابة أن الأميركيين والأوروبيين منهمكون في محاصرة إيران ومعاقبتها والسعي لإسقاط نظامها أو إجباره على تغيير سياساته وإيقاف تدخلاته في المنطقة، وخاصة في الدول الصديقة المتحالفة معهم، لكنهم، في الوقت نفسه، ساكتون عن ارتماء تميم القطري في الحضن الإيراني وكأنهم لا يستطيعون التأكد من ذلك، أو أنهم لا يقدرون على لجم هذه الـ(قطر).
مناسبة هذا الكلام مواقف الأوروبيين والأميركيين المتمسكين بالدفاع عن الديمقراطية والأمن والحرية وحماية حقوق الإنسان وسلطة القانون، وغضبُهم الشديد على الجيش الوطني الليبي الذي يحاول دخول العاصمة لتخليصها من الفوضى والفساد، ولفرض الأمن وسلطة القانون، تمهيدا لتحقيق المصالحة بين جميع الليبيين، وتسهيل إجراء انتخابات تعيد ليبيا إلى أهلها سليمة معافاة، بعد عذاب طويل.
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يدعو قوات خليفة حفتر إلى وقف عملياتها العسكرية ضد العاصمة الليبية، فورا، والعودة إلى مواقعها السابقة، لأنها “تهدد المدنيين، وتقوّض آفاق مستقبل أفضل لكل الليبيين”. وهو وغيره من مسؤولين أوروبيين يعلمون أن الجيش ذاهب إلى طرابلس لطرد المجموعات المسلحة التي ترفض الاعتراف حتى بحكومة فائز السراج، برغم أنهم، أكثر من غيرهم، يعلمون بأن الحكومة المعترف بها (دوليا) واقعة تحت هيمنة تلك الميليشيات الأربع التي تملك، وحدها، سلطة الحل والربط في العاصمة، وهي:
- كتيبة ثوار طرابلس في وسط العاصمة،
- الدعم المركزي في وسط وغرب العاصمة
- قوة الردع المسلحة في قاعدة معيتيقة، المطار الوحيد العامل في ليبيا
- وكتيبة النواصي التابعة لمدينة مصراتة في جنوب العاصمة
وأغلب مسلحي هذه الميليشيات هم من الخارجين على القانون، ومن المحكومين بجرائم عادية غير سياسية والهاربين من السجون. والأغرب أن الأوروبيين والأميركيين لم يطلبوا من (معتمَدهم) فائز السراج، يوما، ولم يساعدوه على التخلص من تلك العصابات، وهو الذي يتمسكون به رغم فشله الكامل في كل شيء.
ليس من دلالة على ذلك أقوى وأكبر من شهادة نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، علي القطراني، الذي استقال مؤخرا من المجلس بسبب انفراد فائز السراج بالقرارات، قائلا بصراحة إن “السراج تُحركه الميليشيات، ولن يقود ليبيا إلا إلى مزيد من المعاناة والانشقاق”.
وربُك حميد. فلولا الفيتو الروسي لصدر بيان عن مجلس الأمن الدولي يأمر قوات حفتر بوقف هجومها، ولاضطرت إلى ما ليس منه بد، ولأوقفت عملياتها وتركت طرابلس وأهلها الصابرين المصابرين تحت رحمة العصابات الحاكمة إلى زمن قادم طويل.
ونقل دبلوماسيون في مجلس الأمن أن المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة بدا شديد التشاؤم حيال التطوّرات المرتقبة في الأيام المقبلة. وقالت تلك المصادر لوكالة فرانس برس إن سلامة يَعتبر أن عوامل عدة أدت إلى تطور الوضع في الاتجاه الحالي، منها أن حفتر يسيطر على نحو 65 بالمئة من النفط في البلاد، لكنه لا يحصل سوى على نحو 5 بالمئة من عائداته.
كما أن حفتر كان توصل إلى اتفاق مع السراج في أبوظبي على اتخاذ إجراءات محددة في طرابلس تحدُّ من سيطرة الميليشيات، إلا أن السراج لم يطبق الاتفاق. وفي ظل حكم السرّاج تدفقت على ليبيا سفن محملة بأسلحة وذخائر مرسلة من حكومة أردوغان الذي يسعى لتقوية شوكة الإخوان المسلمين في ليبيا من أجل محاصرة مصر السيسي، وزعزعة استقرارها، بتمويل قطري مفضوح، وبعلم الأوروبيين والأميركيين، طبعا ودون أي شك.
إذن، بعد كل هذه المواقف المتناقضة والمسمومة التي أظهرها الأوروبيون والأميركيون من أحداث طرابلس الأخيرة، وبعد كل سعيهم، باستماتة، لحماية الإرهابيين، وإنقاذ المتعلق بخيوط الميليشيات، فائز السراج، ألا يحق لنا أن نقول: إن كل الحق مع خليفة حفتر، ولو كره الكارهون؟