عمر علي البدوي يكتب:
خطاب الهزيمة: نحيب إخواني على ضياع الحلم
كانت لقرار مقاطعة قطر من الرباعي العربي فوائد جمة، بعضها آني تحقق مباشرة بعد غلق الأبواب في وجه سياسيي الدوحة، والآخر قد يستغرق وقتا أطول لكن تأثيره أعمق وأدق. اضطرت الدوحة للتخفيف من حدة الضغط عليها إلى أن تستجيب لبعض تلك المطالب رغم مكابرتها الإعلامية وإظهار أنها مستقلة وذات سيادة ولا تحرك فيها تلك المقاطعة ساكنا.
فقد وقعت مذكرة تفاهم مع أميركا عن تمويل الإرهاب التي كانت ترفض توقيعها منذ سنوات، كما سمحت لمسؤولين أميركيين بأن يكونوا في البنوك القطرية، وغيّرت قوانينها لتسمح باستلام أدلة من خارج قطر حيث كانت ترفض في السابق، كما قلّصت الدعم لمنظمات متطرفة في سوريا وليبيا ما يساعد في إيجاد حل سلمي، وخففت من لغة تشجيع ودعم فصائل من داخل غزة لتفاقم من الخلاف الفلسطيني وتعزز الفرقة بينهم، مما اضطر حركة حماس مؤخرا لتسليم غزة للسلطة الفلسطينية.
هدأ غبار المعارك المحيطة حتى تحسست العواصم الخليجية عباءتها الواسعة وقد أضمر أحد أعضائها نية الانقلاب على الأوضاع، وعندما أصبحت المواجهة مكشوفة والمعركة معلنة |
تغيرت الكثير من ملامح الفوضى والاضطراب التي كانت تحدث بفعل الضخّ الإعلامي والدعم المادي لفصائل تغرز مخالبها وتوزع شياطينها في كل بيت وبلد عربي. ورغم تعقيد المشهد العربي وسريالية الفوضى فيه، لكن وقف شلال الانهيار يتطلب حسم تدفق الدور القطري الذي كان يضاعف من متاعب هذه المنطقة ويغالي في إلهابها وهدر طاقتها على الاحتمال، وجاءت المقاطعة جزءا من منظومة عمل تدعم الاستقرار وتعيد التوازن إلى هذا الجزء المتداعي من العالم. تقود الرياض وأبوظبي مشروعا تاريخيا لإعادة توجيه بوصلة المنطقة نحو معالجة أوضاعها على طاولة الهدوء والتؤدة والصبر العميق، بعيدا عن عمليات التثوير التي تقتلع أسس الاستقرار الهشّ أصلا.
عملية التغيير التي تبنتها قطر وفلكها الكبير من رعاة الإخوان ومشغليهم، كانت تستثمر في متاعب الوطن العربي وتضغط على جروحه، وتطلق مارد الانفلات، بزعم أن هذا يساعد في إحداث التغيير ونقل المنطقة إلى بر الرفاه والديمقراطية وجنة العدالات المعطلة. لا شيء من ذلك حدث، سوى زيادة بؤر الوجع العربي وتوسيع رقعة الانفلات والفوضى لتبتلع عواصم وحاضرات عربية، كانت إلى عهد قريب واحات للاستقرار والهدوء وقبلة للسياحة والتجارة والعلم والأمل. الكثير من الملفات في طريقها للحل، رغم أن الوهن الذي يصيب الجسم العربي قد يؤجل الحصول على النهايات السعيدة، ويحرف مسار كل عملية للتصحيح إلى غير مرادها المأمول، لكن توقف حمم الفوضى التي كانت تستعر يساعد في خلق فضاء الخروج الآمن.
ينتحب الإخوان ورعاتهم في قطر وتركيا على فوات فرصة أن يشكلوا عجينة المنطقة حسب أهوائهم، كانت ثورات الربيع العربي ذروة غليان مرجل الخطة الإخوانية، لكن اندلق المرجل وفسدت الطبخة. هذا يفسر مستوى الجنون في تعاطي المنصات التي تديرها وتمولها وترعاها كل من الدوحة وأنقرة وطهران، لغة واحدة يتحدثها كل من إعلاميي الجزيرة في قطر وقنوات الحوار والعربي في لندن والمنار في الضاحية اللبنانية والشرق ومكملين في تركيا، وسرب هائل من الصحف والمواقع والأقلام المأجورة.
كلها تتباكى على ضياع تلك اللحظة التاريخية التي كانت تسبح في خيال زعيم المؤدلجين، تهاجم الرموز والعواصم التي استعادت قرار المنطقة التي كادت تفلت أزمتها في ساعة إحجام عربي كبير.
لا يبالغ المرء عندما يقول إن تلك المنصات توقفت ساعة بثها وطرحها عند لحظة اختارت السعودية والإمارات قرار المواجهة. كانت بعض سكاكين وشياطين الدوحة تختبئ وتتحايل ولا تسفر عن عدائها بجلاء، كانت تبث دعايتها السلبية في قلب الخليج، تنشر الإحباط وتفسد فرحة المواطن بإنجازات بلاده وقيادته، تؤلب ضعاف النفوس وتغذيهم بأدوات الشر حتى تحين ساعة مبرمجة على هوى الباب الكبير.
تغيرت الكثير من ملامح الفوضى والاضطراب التي كانت تحدث بفعل الضخّ الإعلامي والدعم المادي لفصائل تغرز مخالبها وتوزع شياطينها في كل بيت وبلد عربي
وما إن هدأ غبار المعارك المحيطة حتى تحسست العواصم الخليجية عباءتها الواسعة وقد أضمر أحد أعضائها نية الانقلاب على الأوضاع، وعندما أصبحت المواجهة مكشوفة والمعركة معلنة، رفعت الدوحة الغطاء عن كل ما تنطوي عليه من الشر ونية الإضرار بالمنطقة والخليج على وجه التحديد. لم يعد في مستطاع الدوحة الآن سوى أن تنفخ في ثوبها الفضفاض لتبدو أكبر مما هي على حقيقتها، تطفق تخسف عليها من ورق الدعايات الكاذبة عن قوتها وسيادتها ونصرتها للعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، تعتاش على نزر ما تهبه الشعارات الملفقة، المنصات الإعلامية التي استثمرت فيها كثيرا وطويلا تقوم بمهمة البكاء على أطلال الحلم، وتحاول أن توجع العواصم التي قررت مواجهة الحلم العاجز والمزعج.
تنسج خيوط القصص الواهية للإيقاع بينهما، تدفع الأموال الطائلة لتشويه صورتهم، تستثمر كل الهفوات الصغيرة للمحافظة على درجة التوتر المطلوبة للانتقام والثأر الإعلامي الذي تذروه رياح الحقيقة والعمل لصالح المنطقة. تقوم بإعادة تدوير كل الأدوات التي وظفتها للمهمة الكبرى، وأعدتها للانقضاض، تقوم بتنشيط الجبهات النائمة، وتتصيد الثغرات في جدار الصدّ العربي إزاء سلوكها الاختراقي الكبير، تكابد في الاستماتة لجذب كل متعاطف أو مناصر من الوطن العربي والغربي لدعم سرديتها، دون جدوى.
تركيا التي كانت تمتطي صهوة الحلم وترمق عرش القيادة الأثيرة للمنطقة، تتآكل من الداخل، تحاول أن تقاوم انهيار الحلم وتدغدغ فيه الحياة، تتحامل رغم أوجاعها الداخلية، وترسل السفن المحملة بالسلاح إلى ليبيا، وتغذي ألسنة الهجوم الشرس على كل ما هو عربي، دون جدوى. تضيع تلك الجهود أمام دور عربي مهم تلعبه واختارت أن تقوم بأعبائه كل من الرياض وأبوظبي، ابتداء من اليمن الذي حدّ الضغط العسكري من فعالية الحوثيين وأرغمهم على الانصياع، إلى إيران التي تواجه أكثر مواسم المواجهة سخونة، ثم بدعم الفرص الإيجابية، ولملمة الواقع العربي الذي تناثر أشلاء بعد جولة من صولات الحلم الظلامي الذي اختنقت به المنطقة منذ سنوات. الاستقرار فضيلة.