إبراهيم الزبيدي يكتب:

إيران أولا

حينما كنا نقول إن العراق مستعمرة إيرانية، وإن الذين تسلّطوا على حكمه إيرانيون بوجوه عراقية كانت جيوش مُجيّشة من متعصبين للسيد الإيراني تمطرنا بسيول من كلامها البذيء وشتائمها، وتنكر وتنفي وتقول إنْ هي إلا ادعاءات مغرضة كاذبة، والعلاقة بينهم وبين إيران مثل علاقتهم بغيرها من دول الجوار.

أما ضبّاط الحرس الثوري وجواسيس المخابرات الإيرانية المتناثرون في الوزارات والمؤسسات والأسواق والمدارس والحسينيات فهم ضيوف طلبتهم حكومة الدولة العراقية للعمل مستشارين لإعانة الشعب العراقي على مواجهة الإرهاب والإرهابيين.

حتى جاءت العقوبات الأميركية الجديدة ليكشف قادة أحزاب المنطقة الخضراء النقاب عن وجوههم، وليؤكدوا الحقيقة المرّة التي ظلوا ينكرونها منذ سنين، وليعترفوا في بيانات رسمية وتصريحات علنية بأنهم طوابير خامسة إيرانية وظيفتها إفقار العراقيين وإثراء الإيرانيين، وتخريب كل شيء هنا وتعمير كل شيء هناك، وإمراض الملايين هنا وإشفاء الملايين هناك، وليعلنوا إيمانهم بقوة وثبات بأن وطن أهلهم العراقيين كان وظل ولا بد أن يبقى مزرعة ملحقة بأملاك الأمة الفارسية، ومن واجب حكامها ومواطنيها، كافة، أن يُلقوا زرعها وضرعها تحت أقدام السيد الإيراني، وقت الحاجة، وأن يُعينوه على أعدائه وقت الخصام. وبالروح والدم نفديك يا إمام.

وتعليقا على ما فعلته العقوبات الأميركية مؤخرا في العراق، لا بد من القول هنا إن من الصعب على أي أحد أن يأخذ مأخذ الجد تصريح حيدر العبادي الذي أعلن فيه أن “العراق ملتزم بالعقوبات الأميركية على إيران، حرصا على المصالح العراقية”، وذلك لأنه يعرف أكثر من غيره بأن التنفيذ الكامل والحازم لأحكام هذه العقوبات من الجانب العراقي مستحيل، وذلك لطول الحدود المشتركة، أولا، وثانيا لشطارة حبايب إيران ووكلائها في تجارة التهريب والتزوير والاحتيال، ولصعوبة رصد المخالفات المتوقعة، حتى لو وَضعت الولايات المتحدة على كل متر من حدود العراق مع إيران رقيبا، أو لو بنت جدارا مانعا كجدارها مع المكسيك.

ولكن، ورغم معرفة أحزاب المعسكر الإيراني بعجز حيدر العبادي عن وضع تعهداته موضع التنفيذ، وبرغم ثقتها بأنه الصديق الوفي الذي لن يتخلّف عن نجدة شقيقه الإيراني وقت الضيق، فقد هبّت، جميعا، من رقدتها، من كبيرها إلى صغيرها، لتشتمه وتسخر منه، ولتذكره بأنه ما كان ليجلس على كرسيه المذهّب لولا بركات سيده الإيراني ومولاه.

ولم يكن هذا ما فعلته أحزاب السلطة وميليشياتها وحسب، بل إن وزارة خارجية الحكومة التي تعهد رئيسها باحترام العقوبات الأميركية خرجت عن صمتها وأصدرت بيانا أكدت فيه أن العراق “يستحضر مواقف الجارة إيران المشرفة في الوقوف إلى جانبه في الأزمات”.

ثم توالت بعد بيان إبراهيم الجعفري بيانات المجاهدين الآخرين التي تشتم الولايات المتحدة ورئيسها وترفض عقوباتها الظالمة. فقد دعا رئيس  كتلة (الصادقون) القيادي في تحالف الفتح، حسن سالم، حكومة العراق إلى رد الجميل لإيران، وطالبها بالابتعاد عن “الغزل مع من كان سببا في تدمير العراق”.

ثم التقى نوري المالكي بالسفير الإيراني إيرج مسجدي وبحث معه مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وطالب الحكومة العراقية بألا تكون جزءا من سياسة التجويع التي فرضتها أميركا على إيران. ودعا الحكومات في العالم والمنظمات الإنسانية إلى وقف تلك الإجراءات العقابية ضد الشعب الإيراني الصديق.

كما أعلن حزب دعاة الإسلام أن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركية ورئيسُها ترامب من فرض عقوبات أحادية على إيران يُعد انتهاكا لكل القيم الإنسانية والأعراف الدولية، داعيا الدول الإسلامية إلى رفض العقوبات، والعمل على توسيع العلاقات بين الدول لمواجهة هذه الغطرسة السياسية والاقتصادية.

وأعلنت كتائب سيد الشهداء أن العمل جار لكسر الحصار المفروض على إيران. وانتقدت موقف رئيس الوزراء ووصفته بأنه “مُحبِط، وخذلان إزاء ما قدمته إيران للعراق”. وقالت، “لولا إيران لما كان العبادي في سدة الحكم”.

أما أخطر ما هددت به منظمة بدر رئيسَ الوزراء حيدر العبادي فهو تعهدُها بأن بيانه بشأن العقوبات لن يُلزم الحكومة العراقية المقبلة التي ألمحت إلى أن رئيسها لن يكون سوى قائدها القوي الصادق الأمين.

فهل هناك، بعد هذا كله، من سيعترض علينا بعد اليوم، ويتهمنا بالتّجني على الشقيقة العزيزة إيران، وعلى حبايب الولي الفقيه، إذا ما قلنا إن عراقنا لم يعد عراقنا، وإن العمالة أصبحت علنية وعلى المكشوف؟