
إبراهيم الزبيدي يكتب:
القادة الكرد لا يتعظون
بعد كل الكوارث القومية والوطنية السياسية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية والسيادية التي جرَّها على الشعب الكردي مسعود البارزاني ورفاقه في قيادة الجبهة الكردستانية، بتحالفاتهم التاريخية الفاشلة، وخاصة ما فعله بهم، شخصيا، وبكردستان الحاضر والمستقبل، حلفاؤهم قادةُ الأحزاب الدينية الحاكمة في بغداد في أعقاب استفتائهم الخطأ الذي أجروه في الوقت الخطأ والمكان الخطأ، يرتكب مسعود البارزاني خطيئة جديدة بحق شعبه العراقي، عربه وكرده، ويضع يده، مجددا، بجماعة إيران، وينضم إلى تحالف ميليشيا هادي العامري ومقتدى الصدر، ولا يتعظ.
فقد أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني أنه يرحب بهذا التحالف، ويعلن انضمامه إليه.
وبرر القيادي في الحزب، شيرزاد قاسم، هذه الخطوة بأنها "من أجل الحصول على المكاسب، وعلى حقوق الشعب الكردي"، وبشرنا بقرب انضمام الأحزاب الكردية الأخرى إلى التحالف المذكور.
فقادة الجبهة الكردستانية، وفي طليعتهم حزب البارزاني وحزب غريمه الراحل جلال الطالباني، عودونا على عقد تحالفات متعجلة درت عليهم وعلى أحزابهم وعوائلهم المكاسب والرواتب المجزية، ولكنها، جميعَها، جرَّت على شعبهم الزلازل والجحافل والقنابل، وأفقدت المواطن الكردي أمنه وحريته، وباعدت بينه وبين شقيقه العربي بما أقامته بينهما من حواجز وحدود وسدود.
فقد تعايشوا مع الحكم الملكي، ثم انقلبوا عليه وهربوا إلى روسيا وغيرها من بلاد الاغتراب. وتحالفوا، بعد ذلك، مع الزعيم عبدالكريم قاسم الذي أكرمهم وأحسن رعايتهم، ثم انقلبوا عليه، أيضا، وحاربوه دون هوادة، ثم عادوا إلى المنافي من جديد.
وشاركوا مع البعثيين في إسقاط عبدالكريم قاسم عام 1963، ثم انقلبوا عليهم، أيضا، وأشعلوا ضدهم حروبا كلفت الشعب العراقي، عربا وكردا، كثيرا من الدم والدموع.
وحين عاد البعثيون إلى السلطة في العام 1968 أحيا حزبُ البارزاني وحزبُ الطالباني أيام السمن والعسل مع صدام حسين، فازدهرت القبلات، وسَخَنت الأحضان المتبادلة، ثم سرعان ما انقلبوا عليه، أيضا، وحملوا السلاح ضده، واصطفوا مع عدوه السابق محمد رضا بهلوي، ثم مع عدوه اللاحق الخميني، فقتلوا ضباطا وجنودا عراقيين بالمئات، بينهم كوردٌ عراقيون أيضا، واحتلوا قرىً ومدنا من وطنهم لحساب الحليفيْن العدويْن.
ثم حين سقط نظام صدام الذين قالوا إنه نظام (سجون ومعتقلات ومنافي ومقابر جماعية)، عادوا من مقاهي طهران ودمشق وعمان وواشنطن، وتقاسموا الوطن وأهله وثرواته مع أحزب الإسلام السياسي الشيعي المتخلفة وهم يعلمون بأنها ذات ولاء إيراني خالص، وأقاموا نظام المحاصصة الذي صنفته منظمات دولية عديدة بأنه ليس فقط نظام (سجون ومعتقلات ومنافٍ ومقابر جماعية) بل نظام سرقة واختلاس وتخابر مع دول أجنبية، ولكن باسم الديمقراطية، وهي منهم براء.
وما ينبغي الإشارة إليه هنا أن تحالفاتهم السابقة مع أحزاب إيران العراقية، حين كانوا موحدين ومتفاهمين ومتفقين، كانت بين طرفين متكافأيْن احتاج أحدُهما للآخر، بهدف ضم الدعم الإيراني للأول إلى الدعم الأميركي للثاني، لضمان اقتسام السلطة والثروة والسلاح، في انتظار الوقت المناسب لفك الارتباط وتصفية الحساب.
ولكنهم اليوم يتحالفون، وهم مختلفون ومتنافرون، بل متقاتلون فيما بينهم، مع كيان عسكري مسلح موحد تمكنت إيران من فرضه على الساحة السياسية العراقية، وجعلته القوة النارية الطاغية التي تدير له شؤون الحكم بقوة السلاح.
والعيب أنهم يعلمون أكثر من غيرهم أن هادي العامري لا يعترف بوطن اسمه العراق، ولا بشعب اسمه الشعب العراقي، بل هو وكيل حرس ثوري يصرح كبار قادته دائما، دون خوف ولا حياء، بأن العراق، كله، من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، هو قريته العائدة إلى أحضانه من جديد.
ويعلم القادة الكرد قبل غيرهم بأن قاموس هادي العامري ورفاقه في ميليشيات الحشد الشعبي لا يتسع لشيء اسمه حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان، ناهيك عن أي كلام عن تقرير مصير أو انفصال أو استقلال.
لسوف يترحمون على تحالفهم السابق مع حزب الدعوة، حتى في أسوأ مراحل حكم نوري المالكي الأسود الذي أذاق الشعب الكردي الأمرّين. وذلك لأن المالكي، وقبلَه ابراهيم الجعفري، وبعده حيدر العبادي، لم يكن أيٌ منهم بقادرٍ على أن يتخذ كلَّ ما يشتهي من قرارات، ولا أن يصدر ما يتمنى من أوامر، وذلك أنهم لم يكونوا سوى رؤساء حكومات ربعُها للكرد، ونصفُ ربعِها للسنة، ويقودون جيشا قادةُ الكثير من فصائله من الكرد والسنة، وخلفهم برلمانٌ لا يملكون وحدهم زمامه.
أما الحكومة القادمة، والبرلمان القادم، فمن نوع آخر مختلف. فالسلاح الميليشياوي سيكون هو وحده الآمر الناهي، ولا جيش يصده، ولا برلمان يرده، شاء من شاء وأبى من أبى.
ومثلما أدار العامري ورفاقُه معاركهم مع خصومهم السياسيين في ديالى والموصل والفلوجة والرمادي وتكريت والبيجي وكركوك وهم خارج السلطة بالخطف والحرق والنهب والاغتيال والاعتقال فإنهم لن يستطيعوا إدارة شؤون الحكم إلا بنفس تلك الأسلحة وبنفي تلك الأساليب.
فكيف يعمى القادة الكرد عن كل تلك الحقائق، ويضعون أيديهم، مرة أخرى، بأيدي جلادي شعبهم العراقي وسراقه وغزاته؟؟ ألا يتعظون؟؟