قدمت قراءة في دلالات مؤتمر القاهرة 2025..

ورقة بحثية: مصر تستعيد الزعامة العربية رغم الفوضى الإقليمية

مصر اليوم لا تستعيد دورها القديم حرفيًا، بل تعيد إنتاجه بما يتناسب مع بنية إقليمية تحكمها تعقيدات جديدة تعدّد القوى المتدخلة، صعود الفاعلين المسلحين، التحولات في سوق الطاقة، وتزايد الوزن الاستراتيجي للبحار والممرات المائية

الدبلوماسية المصرية الجديدة قيادة بلا ضجيج وسط عالمٍ مضطرب - اليوم الثامن

عدن

أكدت ورقة بحثية أنّ  التطورات الإقليمية اعادت مصر، فعليًا لا مجازًا، إلى موقعها الطبيعي كإحدى ركائز النظام العربي، بعد سنواتٍ اتسمت بتراجع نسبي في الدور وتغيّر موازين القوى، وهذه العودة لم تأتِ من فراغ، بل من بيئة إقليمية مضطربة تبحث عن مركز ثقل قادر على التوفيق بين المتناقضات، ومن دولة تمتلك تاريخًا ممتدًا في صناعة التوافقات وإدارة الصراعات الكبرى.
وقالت الورقة البحثية الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات إن هذا التحوّل جاء في إطاره الصحيح، ليؤكد أن القاهرة لم تعد فقط “حاضرة في المشهد”، بل “فاعلة فيه”، ومبادِرة، وواضعة لخطوط الحركة في مسرحٍ عربي يزداد تعقيدًا.

الورقة التي أعدّتها الباحثة المقيمة في المؤسسة د. شورى فضل، تشير إلى أنّ مؤتمر القاهرة الذي جمع قادة عربًا ودوليين كان أكثر من مجرّد قمة سياسية؛ كان اختبارًا لقدرة مصر على استعادة زمام المبادرة، وعلى أن تكون مركزًا للتوازن في وسط موجة فوضى إقليمية تضرب الشرق الأوسط من ساحل المتوسط حتى القرن الإفريقي. وبرأي الباحثة، فإنّ النجاح الأبرز للقاهرة تمثّل في قدرتها على جمع قوى متنافرة حول طاولة واحدة، وتوجيه النقاش نحو “حلول عملية” بدلًا من الدوران في حلقات المجاملات الدبلوماسية التقليدية.

وتضيف الورقة أنّ مصر اليوم لا تستعيد دورها القديم حرفيًا، بل تعيد إنتاجه بما يتناسب مع بنية إقليمية تحكمها تعقيدات جديدة: تعدّد القوى المتدخلة، صعود الفاعلين المسلحين، التحولات في سوق الطاقة، وتزايد الوزن الاستراتيجي للبحار والممرات المائية. في ظل كل ذلك، عادت القاهرة لتقدّم نموذج “الزعامة الهادئة”؛ زعامة لا تقوم على الخطاب العاطفي، بل على إدارة دقيقة للمصالح، وتوازن محسوب بين الشرق والغرب، وبين الضرورات الأمنية والملفات الاقتصادية.

وترى الورقة أن مؤتمر القاهرة أعاد مصر إلى موقع الوسيط الوازن في قضايا الصراع، خصوصًا في الملف الفلسطيني الذي يعدّ حجر الزاوية في علاقتها بالمنطقة. لقد أظهرت القاهرة أنها قادرة على التعامل مع أطراف متعارضة، وعلى قيادة جهود وقف إطلاق النار، وعلى صياغة إطار واقعي لإعادة إعمار غزة، مستفيدة من شبكة علاقاتها الدولية، ومن ثقة القوى الكبرى التي ترى في مصر “صمام أمان” إقليميًا لا غنى عنه.

ولا يقف دور مصر عند الوساطة، فحسب الورقة البحثية، فإن القاهرة تعمل على إعادة ترتيب أولويات الأمن الإقليمي على ثلاثة مستويات، الأمن البحري في البحر الأحمر والمتوسط، بما يشمل مكافحة القرصنة وتهريب السلاح وتأمين طرق التجارة والطاقة، وأمن الحدود البرية في ظل اشتعال النزاعات في السودان وليبيا، وتنامي خطر الجماعات المسلحة، والأمن الاقتصادي عبر مبادرات شراكة عربية–غربية تهدف إلى تخفيف التوترات وبناء مشاريع استراتيجية في الطاقة واللوجستيات".

واشارت المؤسسة في تحليلها إلى أنّ مصر تستعيد مكانتها لأن الإقليم نفسه بات بحاجة شديدة إلى “قوة عربية مركزية” قادرة على ملء الفراغ الناتج عن انشغال بعض العواصم الكبرى بأزماتها الداخلية، وتراجع أدوار إقليمية أخرى كانت تتصدر المشهد خلال العقد الماضي. القاهرة اليوم تستفيد من لحظة إقليمية نادرة، وتستثمر في قوتها التاريخية والرمزية، وفي علاقاتها المتشعبة مع العواصم العربية والغربية، لإعادة صياغة دورها كقائد “متزن” لا كقائد “مهيمن”.

وبيّنت الورقة أيضًا أن عودة الزعامة المصرية ليست فقط نتيجة لحراك خارجي، بل أيضًا استجابة لحاجات داخلية تتعلق بالاقتصاد والأمن والاستقرار. فنجاح الدبلوماسية المصرية في إدارة الملفات الإقليمية يفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات، ويعزز ثقة الشركاء الدوليين، ويمنح القاهرة مساحة أوسع للتحرك اقتصاديًا وسياسيًا في سنوات حاسمة تمر بها البلاد.

أما على المستوى العربي، فتبرز مصر - وفق الورقة- كـ نقطة التقاء بين القوى العربية الكبرى، وبوصفها الدولة الوحيدة القادرة على العمل مع مختلف الأطراف دون أثمان سياسية مؤذية. ومن خلال هذا الدور، تصبح القاهرة حجر الزاوية في مشروع عربي لمواجهة “الفوضى البحرية والبرية” التي تهدد الإقليم، سواء في البحر الأحمر أو في ليبيا أو السودان أو غزة.

وخلصت الورقة البحثية إلى أن الزعامة لا تُستعاد بالشعارات، بل تُبنى عبر الأداء، وأن الأداء المصري في مؤتمر القاهرة وما تلاه من مبادرات سياسية يعكس تحولًا حقيقيًا لا مجرد خطاب. مصر اليوم تقدّم نفسها بوصفها “الوسيط الوازن” و“العقل الهادئ” و“الركيزة العربية التي لم تتخلّ عن مكانها”، في زمن تغيّرت فيه قواعد اللعبة وتعددت فيه الفواعل.

واشارت إلى أن هذه العودة لا تمثل نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة تحتاج مصر خلالها إلى تعزيز مسارات الوساطة الفاعلة، والانفتاح الاستراتيجي على الشركاء العرب والغربيين، وبناء منظومة أمن إقليمي تواكب التغيرات في البحر والبر معًا.

وقالت إن مؤتمر القاهرة شكّل إعلانًا واضحًا لعودة مصر إلى مركز المعادلة الإقليمية، ليس كدولة تبحث عن دور، بل كدولة تستعيد دورها الطبيعي: “صوت العقل في زمن الفوضى، وجسر العبور بين الشرق والغرب، ومرتكز الأمن العربي حين تكثر العواصف”

------------------------------------------------------------------------------------.

للاطّلاع على الورقة البحثية:«الزعامة المصرية في زمن الفوضى الإقليمية: مؤتمر القاهرة نموذجًا لدبلوماسية الوسيط الوازِن»

 ➤ يمكنك تنزيلها عبر هذا الرابط: https://alyoum8.net/files/112025/69179c803644c.pdf