الإعدامات في إيران 2025..

إيران تنفذ أكثر من ألف إعدام في عام واحد: موجة غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود

يقف 1500 سجين محكوم بالإعدام في مواجهة آلة القمع، مضربين عن الطعام منذ أيام طويلة، وقد خاطوا شفاههم رفضاً للصمت المفروض عليهم، معلنين أن الموت جوعاً أكرم من الموت على الحبل.

1500 سجين في قزل حصار يضربون عن الطعام رفضاً لعقوبة الإعدام

محرر الشؤون الإيرانية
محرر الشؤون الإيرانية وبيانات المعارضة الإيرانية.

تشهد إيران منذ بداية 2025 موجة إعدامات واسعة لم يشهد لها مثيل منذ أكثر من ثلاثة عقود. فقد نفذت السلطات أكثر من 1000 عملية إعدام حتى منتصف أكتوبر 2025، وسط تقاريرٍ موثوقة تفيد بأن الرقم الفعلي أعلى بكثير. وتشير المنظمات الحقوقية إلى أنّ المحكومين بالإعدام هم في الغالب من المتهمين بجرائم «القتل والمخدرات». وتؤكد هذه الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية أن النظام يستخدم عقوبة الإعدام كأداة ترهيبٍ منهجية لقمع الاحتجاجات السياسية وضمان الخوف في المجتمع، خاصة منذ انتفاضة «زن، زندگی، آزادی» 2022. ومن جهتها تدين هيئات حقوقية دولية هذه الحملة غير المسبوقة، وتعتبرها انتهاكاً صارخاً للحق في الحياة ودعوة عاجلة لوقف الإعدامات.

إضراب سجون قزل حصار: صمود 1500 محكوم بالإعدام

في خضم هذه الحملة، أعلن 1500 سجين محكوم بالإعدام في وحدة 2 من سجن قزل حصار بإقليم طهران إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ 13 أكتوبر 2025. ويطالب المضربون بوقف الأحكام الصادرة تعسفياً وإلغاء عقوبة الإعدام**. وتصاعد الإضراب تدريجياً ليشمل أقساماً أخرى داخل السجن وأحكاماً متنوعة، حيث نشر المعتقلون بياناً بعنوان «وصية سجناء قزل حصار» ينددون بالظلم ويُطالبون الناس بالتظاهر أمام البرلمان يوم 19 أكتوبر تضامناً معهم.

دوافع الإضراب: يحتج السجناء على نقل رفاقهم إلى العزل تمهيداً لإعدامهم، وتنديداً بالارتفاع الكبير في وتيرة الإعدامات في السجن . كما أن المحتجزين السياسيين يرون في الإضراب رمزاً للمقاومة والتضامن ضد القمع الشديد الذي يواجهونه.

شاهد من داخل الإضراب: نشر إضرابو وحدة 2 لقطات تُظهر عددًا منهم بغرز الخياطة على شفاههم ورافعين لافتات كتب عليها «لا للإعدام» (No to Execution)، في مشهد نادر للتحدي داخل السجون الإيرانية. وأفاد شهود تابعهم الإعلام أنه في اليوم السادس للإضراب بدأت حالات الإغماء بين السجناء نتيجة تدهور وضعهم الصحي.

تهديدات وتضييق من النظام

قوبل الإضراب برد قمعيٍّ شديد من جانب السلطات. فقد زار مسؤولون قضائيون رفيعو المستوى –منهم وكيل المدعي العام في طهران ورئيس مصلحة السجون ومدير سجن قزل حصار– ساحات الإضراب مساء يوم 16 أكتوبر، وحاولوا إرغام السجناء على إنهائه. هدد هؤلاء السجناء بعقوبات انتقامية إذا استمروا في إضرابهم، حيث قال أحدهم: «لقد أبقيناكم على قيد الحياة حتى الآن، وإذا لم تكفوا عن الإضراب بحلول منتصف الليل فانتظروا أسوأ العواقب». كما قام حراس السجن بتهديد المضربين بأساليب أخرى، فرفعوا شعاراً أمامهم مفاده أنهم سيلجؤون لوسائل قمع أقسى إذا لم يتوقف الإضراب. وردّ السجناء بكلّ حزم: «سنقف حتى النهاية، مهما كانت العواقب».

أضافت السلطات مزيداً من التضييق عبر قطع الاتصالات الهاتفية بالسجن من خلال أجهزة تشويش لنقل الأخبار، في محاولة واضحة لمنع تسرب أخبار الإضراب. وقد انتقد النشطاء هذه الإجراءات، مشيرين إلى أنها تهدف إلى إسكات السجناء وإحباط دعم الرأي العام لمطالبهم.

حملة «ثلاثاءات لا للإعدام»: إضراب أسبوعي لنضال مستمر

يتزامن إضراب قزل حصار مع حركة احتجاج منظمة بدأت مطلع 2024 تحت شعار «ثلاثاءات لا للإعدام» (No to Execution Tuesdays)، حيث ينفذ السجناء السياسيون وأصحاب الرأي إضراباً مفتوحاً عن الطعام في كل يوم ثلاثاء في مختلف السجون الإيرانية. جاءت هذه الخطوة بعد أن تنقل سجناء في إحدى الضحوات الثلاثاء في سجون طهران لنقلهم إلى زنازين الموت فقام رفاقهم بالاحتجاج على ذلك. وقد توسعت الحملة لتشمل سجوناً عدة: حتى أيلول/سبتمبر 2025 دخلت الحملة أسبوعها الـ85 في 52 سجناً، بانضمام مجموعة من سجناء سجن سبزوار إلى المضربين. وبحسب بيانات نشطاء حقوق الإنسان، ترافقت هذه الحملة مع دعوات لرفع شعار «الموت لنظام الملالي» و«لا للتنفيذ»، مما يعكس تضامناً متزايداً وروح مقاومة بين الصفوف المعتقلة.

تؤكد هذه الإضرابات الأسبوعية على تنامي رفض عقوبة الإعدام في أوساط السجناء السياسيين. وقد استثمرها المجتمع المدني المعارض في الخارج كأداة ضغط رمزية؛ فكلما علت أصوات السجناء وجاءت بياناتهم، أجبرت الصمت القسري للنظام على بعض الانكشاف. بل إن إعلام العدو في المنفى عرض قصصاً وصوراً من الزنازين تُظهر عزيمة المضربين وفظائع الإعدام الجماعي، مما عزز الحراك الشعبي الدولي ضد السياسة العقابية في إيران.

ردود الفعل الدولية: إدانات ومطالبات بالإنقاذ

تتصاعد الإدانة الدولية للتصعيد الإيراني. فذكرت الأمم المتحدة في بيانات رسمية أن أكثر من ألف شخص أُعدموا خلال تسعة أشهر فقط من 2025، بمعدل أكثر من تسعة شنقات يومياً في الأسابيع الأخيرة، وهو رقم «مذهل» يرقى إلى مستوى انتهاك خطير لحق الحياة. وأصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان وشخصيات حقوقية عالمية تصريحات استنكرت فيها «موجة إعدامات غير مسبوقة»، داعية إلى فرض «وقف فوري للأحكام والمذابح السرية».

ومنظّمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية، دعت بدورها المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف ما وصفته بـ«المجزرة الرهيبة» وإلى دعم إجراءات لمحاسبة المسؤولين الإيرانيين على الانتهاكات. وقد اقترحت تلك المنظمات إجراءات ضغط متعددة تشمل فرض حظر على الإعدام فوراً، ومراجعة الأحكام الصادرة عن محاكم تتسم بالإجراءات الظالمة، وحتى فتح تحقيقات قضائية دولية لملاحقة كبار المسؤولين الإيرانيين في قضايا التعذيب والإعدام خارج نطاق القانون.

على الصعيد الإعلامي والسياسي، نقلت وكالات عالمية (مثل مواقع إخبارية إيرانية في المنفى، ووكالات غربية) تصريحات قادة المعارضة الإيرانية (منهم عضو المجلس الوطني للمقاومة مهدي عقبائي) التي تطالب المجتمع الدولي بالتحرك لمنع «مجزرة الإعدامات الجماعية» في سجون إيران. ويشيروا إلى أن تأييد مطالب الشعب الإيراني بالحرية والعدالة صار ليس مجرد خيار سياسي بل واجب إنساني وأخلاقي. وفي الواقع، شهدت عدة مدن حول العالم تظاهرات لدعم السجناء المضربين وإدانة النهج القمعي الإيراني، مع تركيز خاص على قضايا الإعدام التعسفي ومحاكمة أبناء الشعب.

تفسير المشهد: لماذا الآن؟

يرى محللون أن تصاعد الإعدامات والإضرابات السجنية يعكس حالة مأزق حقيقية يعيشها النظام الإيراني. فمن جهة، يزداد خوف النخبة الحاكمة من تفجر احتجاجات شعبية جديدة تشبه انتفاضة 2022، بحيث يستهدفون القضاء على أي صوت معارض حتى داخل السجون. ومن جهة أخرى، فإن كل إعدام جديد يثبت عجز النظام عن حل مشاكله البنيوية (اقتصادية وسياسية واجتماعية)، ما يدفعه إلى المحاولة اليائسة للتمسك بالسلطة عبر بث الرعب.

ووفقاً لنصائح واستطلاعات حقوقية، الاستخدام المفرط لعقوبة الإعدام غالباً ما يأتي بنتائج عكسية، إذ يُثبِّت صورة سلطة قمعيةٍ مستبدة ويدفع بمزيد من الغضب الشعبي. فالوفاة اليومية لسجناء وطلاب ومجرمين تعطي انطباعاً للعالم بأن إيران أمام أزمة حقوق إنسان خانقة، وقد تدفع حلفاءها إلى إعادة النظر في علاقاتهم بالسلطة القائمة. والدول والمنظمات الحقوقية تعتقد أن الوقت الراهن أكثر خطورة من أي وقت مضى؛ فكلما طال أمد «حملة الإعدام» وتجاهلها المجتمع الدولي، اشتدت احتمالات تصعيد أكثر عنفاً داخل إيران.

في المقابل، تجسّد الإضرابات الحالية انتفاضةً أخرى على صعيد السجون: إذ يوحد المعتقلون المدنيون والسياسيون مطالبهم برفض التنكيل وإلغاء الإعدام، في رسالة مفادها أن إرادة الشعب أقوى من آلة القمع القاسية. كما أن صمود هؤلاء السجناء تحت أقسى الظروف يُظهر أن الاستبداد الإيراني قد لا يستطيع طويلاً الحفاظ على سيطرته المطلقة على المجتمع، خصوصاً إذا استمرّت الاحتجاجات الخارجية والداخلية بالتضامن مع نضالهم.

الخلاصة: واجب إنساني وحقوقي

تأتي هذه التطورات لتؤكد أنّ «مسألة الإعدام» في إيران لم تعد قضية عقابية محض، بل تحولت إلى بارومتر لقياس حالة حقوق الإنسان والحريات في البلاد. وباعتراف المنظمات الحقوقية، فإن الوضع الراهن «جريء غير مسبوق» ويسوّغ تدخل المجتمع الدولي بكل الوسائل الممكنة. ولذلك، يجزم المراقبون أن دعم نضال الشعب الإيراني ضد نظام القمع ليس مجرّد خيار سياسي، بل هو استحقاق أخلاقي وإنساني أساسه الوقوف إلى جانب العدل وكفالة حق الحياة المهدور. وحدها وقفة دولية حازمة ضد تجاوزات النظام، تجعل الأمل معقوداً على إنقاذ حياة عشرات الآلاف من الموت المحقق في زاوية الزنازين.