سوء إدارة يهدد التراث الإيراني..
بحيرة أورمية تختفي بالكامل: رمز لانهيار بيئي صنعته سياسات النظام الإيراني
حذر عيسى كلانتري من أن الموارد الطبيعية في إيران لم تواجه مثل هذا الضغط الشديد منذ 7000 عام، مشيراً إلى أن السياسات قصيرة الأمد أدت إلى تراكم ملايين الأطنان من الملح في الأراضي الزراعية، مما جعل التربة الخصبة سابقاً قاحلة.

أزمة المياه في إيران تدفع حضارة عمرها 7000 عام إلى حافة الانهيار

إيران، موطن إحدى أقدم الحضارات في العالم، تواجه اليوم انهياراً غير مسبوق ناتج عن أزمة مياه من صنع الإنسان، تهدد تراثها الثقافي والبيئي الذي استمر لآلاف السنين. على مدى قرون، اعتمدت هذه الحضارة على إدارة ذكية للموارد للبقاء في بيئات قاسية من الصحاري والجبال. لكن عقوداً من السياسات المدمرة، مدفوعة بالفساد، المصالح قصيرة الأمد، وما يُعرف بـ"مافيا المياه"، دمرت الموارد الحيوية للأمة، مخلفة كارثة بيئية واجتماعية تهدد استدامة هذا الإرث العريق. بحيرة أورمية، التي كانت ذات يوم أكبر بحيرة مياه مالحة في الشرق الأوسط وجوهرة شمال غرب إيران، اختفت الآن بالكامل. تؤكد صور الأقمار الصناعية الأخيرة من وكالة ناسا عدم وجود أي أثر للمياه، مما يعكس فشلاً كارثياً يُعزى مباشرة إلى سوء إدارة النظام وقراراته المتهورة، التي ضحت بالمستقبل من أجل مكاسب سياسية واقتصادية مؤقتة .
جذور الأزمة: سوء إدارة وفساد
تعكس أزمة المياه في إيران تناقضاً صارخاً بين التوسع الحضري المتزايد وانهيار توافر المياه. تستحوذ الزراعة على حوالي 90% من المياه الوطنية، لكن سوء الإدارة ضاعف من هذه الكارثة. أنظمة الري القديمة، اختيار محاصيل غير مناسبة، الاستخراج المفرط للمياه الجوفية، وبناء السدود غير المنظم استنزفت الاحتياطيات المائية وسرّعت هبوط الأراضي، مهددة البنية التحتية في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء. تفاقمت المشكلة بسبب إزالة الغابات والرعي الجائر، اللذين قللا من قدرة الأراضي على الاحتفاظ بالمياه الطبيعية، بينما أدى تغير المناخ إلى تعطيل أنماط هطول الأمطار ورفع درجات الحرارة. ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن العامل الحاسم في هذه الأزمة ليس الطبيعة، بل سوء الإدارة البشرية والفساد المؤسسي الذي يهيمن على سياسات النظام .
بحيرة أورمية: رمز الفشل البيئي
تُعد بحيرة أورمية نموذجاً صارخاً لكيفية تدمير الفساد والسياسات الفاشلة للنظم البيئية. على مدى عقود، أدت سياسات بناء السدود، حفر آلاف الآبار غير القانونية، ونقل المياه إلى مقاطعات أخرى إلى خنق البحيرة تدريجياً. تفاقمت الأزمة بسبب التحول في الزراعة من المحاصيل التقليدية منخفضة استهلاك المياه، مثل العنب والشعير، إلى محاصيل كثيفة استهلاك المياه مثل التفاح وبنجر السكر، مدفوعة بالمصالح الاقتصادية قصيرة الأمد. حذر وزير الزراعة السابق عيسى كلانتري من أن الموارد الطبيعية في إيران لم تواجه مثل هذا الضغط الشديد منذ 7000 عام، مشيراً إلى أن السياسات قصيرة الأمد أدت إلى تراكم ملايين الأطنان من الملح في الأراضي الزراعية، مما جعل التربة الخصبة سابقاً قاحلة. بين عامي 1979 و2013، تضاعفت الأراضي المزروعة في حوض أورمية تقريباً، مع استهلاك معظم التوسع لمياه البحيرة المخصصة، مما أدى إلى جفافها الكامل .
وعود كاذبة وفشل جهود الترميم
فشلت الجهود المعلنة لعكس الأزمة بشكل متكرر. خلال إدارة الرئيس السابق حسن روحاني، أطلق النظام "مقر استعادة بحيرة أورمية"، الذي اقترح تقليص الزراعة بـ50,000 هكتار سنوياً وتعويض المزارعين. لكن تحت ضغط الممثلين المحليين وأصحاب المصالح، انهارت هذه الخطة. تخلت الحكومات اللاحقة عن جهود الترميم تماماً، تاركة البحيرة تواجه مصيرها المحتوم. حذر كلانتري مراراً من أن بحيرة أورمية تقترب من "الموت"، مشيراً إلى أن اختفاءها سيولد عواصف ملحية على نطاق 100 كيلومتر، مهددة حياة ستة ملايين شخص، ومدمرة الزراعة، وناشرة الأمراض، وحتى مدمرة لمجتمعات النحل الحيوية للتلقيح. على عكس بحيرات أخرى مثل جازموريان وجافخوني، فإن موقع أورمية بالقرب من التجمعات السكانية الكثيفة يضاعف من تأثيرها المدمر، مما يخلق أزمة إقليمية ودولية .
تأثير الدومينو: من الجفاف إلى الاضطرابات الاجتماعية
انهيار بحيرة أورمية ليس سوى جزء من نمط أوسع من الفشل البيئي. تعرضت مسطحات مائية رئيسية مثل زاينده رود وجافخوني لمصير مماثل، مما وضع إيران ضمن فئة "الإجهاد المائي الشديد". يحذر المسؤولون من أن هطول الأمطار قد ينخفض بنسبة 40% في السنوات القادمة، مما يجعل حتى إمدادات صهاريج المياه مستحيلة للعديد من المدن والبلدات. يتجلى التأثير المتسلسل في انخفاض الإنتاج الزراعي، ارتفاع تضخم أسعار الغذاء، تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية، والهجرة الجماعية من الريف إلى المدن، مما يغذي الاضطرابات الاجتماعية. تؤكد صور الأقمار الصناعية انتشار عواصف ملحية عبر حوض أورمية، مما يعرض الصحة العامة وسبل العيش للخطر .
هذا الواقع دفع عشرات الآلاف من الإيرانيين الشرفاء والأحرار إلى الخروج في تظاهرات واسعة النطاق، داخل إيران وخارجها، مطالبين بإسقاط النظام بشكل جذري ودعم انتفاضة الشعب الإيراني والمقاومة المنظمة. على سبيل المثال، في 6 سبتمبر 2025، تجمع عشرات الآلاف من الإيرانيين وداعمي مجلس المقاومة الوطني الإيراني في بروكسل، احتفالاً بالذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، مطالبين بتصنيف حرس الثورة منظمة إرهابية، وفرض عقوبات أوسع على قادة النظام، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ودعم خطة مريم رجوي العشرية لإيران ديمقراطية علمانية غير نووية. تضمنت الكلمات البارزة تصريحات مريم رجوي، رئيسة المجلس المنتخبة، ومايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي السابق، الذي أكد أن "وحدات المقاومة داخل إيران هي محرك التغيير"، وغوي فيرهوفشتات، رئيس وزراء بلجيكا السابق، الذي وصف المجلس بديلاً ديمقراطياً لنظام الملالي. وردد المتظاهرون شعارات مثل "الوقت للانتفاضة قد حان" و"سنحرر إيران" . كما شهدت إيران احتجاجات داخلية واسعة في 7 سبتمبر 2025 في مدن مثل طهران وأهواز وكرمانشاه، شارك فيها المتقاعدون والعمال والطلاب، مطالبين بوقف "الاستبداد والطغيان" و"الحرية"، مع شعارات مثل "لنعش تحت الطغيان، سنضحي بحياتنا من أجل الحرية" . وفي 11 سبتمبر، نفذ الشباب الإيراني 15 عملية احتجاجية نارية في مدن مثل أراك وقزوين وكرمانشاه، محرقين لافتات خامنئي وخميني ومراكز الباسيج، دعماً للاحتجاجات العمالية ومطالبين بتغيير النظام . هذه التظاهرات تعكس غضباً شعبياً متزايداً تجاه الفشل البيئي والاقتصادي والسياسي، وتضيف ضغوطاً داخلية ودولية على نظام يواجه انهياراً شاملاً.
حضارة على المحك: كارثة بيئية واجتماعية
في النهاية، تمثل أزمة المياه في إيران أكثر من مجرد فشل بيئي؛ إنها إشارة إلى انهيار حضارة عمرها 7000 عام كانت تزدهر ذات يوم على التوازن مع الطبيعة. بحيرة أورمية، التي أصبحت الآن جزءاً من التاريخ، تقف كمعلم حزين لكيفية تدمير الفساد، وسوء الإدارة، والحكم الاستبدادي للتراث الطبيعي والثقافي لإيران. تحذير عيسى كلنتري من "الضغط غير المسبوق" يؤكد على كارثة تفكك بيئة إيران، ومجتمعها، واقتصادها، محكومة بنظام يعطي الأولوية لمصالحه الضيقة على حساب رفاهية شعبه. تحت حكم السلطة الدينية المطلقة، لم يكسر النظام التوازن الطبيعي فحسب، بل أدان ملايين الإيرانيين للفقر، النزوح، واليأس، مهدداً بإطفاء شعلة حضارة عريقة.