"مستقبل المنطقة مرهون بتحول داخلي في طهران"..
الكاتبة الكردية سركول الجاف لـ(اليوم الثامن): نضال الإيرانيين قضية تخص كل شعوب الشرق الأوسط
"برنامج النقاط العشر الذي طرحته مريم رجوي يقدم رؤية عملية لإيران ما بعد ولاية الفقيه، رؤية تقوم على العدالة والمساواة وحقوق الإنسان. إنه ليس خلاصًا للإيرانيين وحدهم، بل لكل شعوب المنطقة التي عانت من تدخلات طهران وخرابها. فبداية التغيير من طهران ستكون نقطة تحوّل نحو شرق أوسط أكثر استقرارًا وإنسانية"

الكاتبة الكردية سركول الجاف - اليوم الثامن

في إطار سلسلة "لقاء وشخصية" التي تجريها مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات مع شخصيات فكرية ونخب عربية وإسلامية، نستضيف اليوم الكاتبة الكردية العراقية والناشطة المدنية سركول الجاف، في حوار يسلّط الضوء على نظام الحكم في إيران وانعكاساته على المنطقة العربية والإقليمية.
تأتي هذه المقابلة في سياق مساعينا لفتح نقاشات فكرية وسياسية جادة مع أصوات من مختلف المكونات، بهدف تفكيك الخطابات التي تسوّقها الأنظمة والتيارات الدينية المتطرفة، وما تخلّفه من فوضى وعنف وتوظيف مشوّه للدين في سبيل بقاء السلطة.
الجاف، المعروفة بمواقفها النقدية للنظام الإيراني ودفاعها عن قيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان، تضعنا في هذا اللقاء أمام قراءتها الخاصة لطبيعة النظام الإيراني، وتأثيره على الداخل الإيراني وعلى محيطه العربي والإقليمي.
ككاتبة كردية عراقية ذات فكر تحرري وتاريخ نضالي تقدمي؛ تحملين هموم الشعوب سواء في العراق أو في إيران أو في عموم المنطقة!! كيف ترين أوضاع وحقوق المرأة في إيران والعراق والمنطقة في ظل حكم نظام الولي الفقيه في إيران وهيمنته على العديد من الدول كالعراق ولبنان وسوريا واليمن وتسببه في دمار غزة وتشريد وتجويع أهلها.. بالإضافة إلى نشر المخدرات في المنطقة؟
بدايةً أشكركم على الاستضافة ونسعى أن نكون على المستوى الإنساني الذي يليق بنا كبشر، فقد كرمنا الله وفضلنا على كثير من مخلوقاته. لذلك فإن كون الفرد إنساناً هو نتيجة لجهوده الذاتية وبركة الله. ردًا على سؤالك، نعم، أهتم بالقضايا الإنسانية أينما كانت، وكلنا بشر، وأنتم من آدم، وآدم من تراب. في منطقتنا في الشرق الأوسط، في العراق وإيران وسوريا وتركيا، وفي جميع دول المنطقة، كلنا شعوب وجيران، وبيننا روابط قوية نحرص على حمايتها والحفاظ عليها، وتاريخ جميل من المحبة والتعايش نحرص على استعادته.
ما حدث في المنطقة هو أنها أصيبت بوباء الرجعية المتسترة ظلماً بعباءة الدين، واستبدل الغرب شوفينية الشاه بشوفينية الملالي، وكلاهما نظامان ديكتاتوريان يخدمان مصالح الاستعمار الذي أوجدهما. لذا، فإن معاناة المرأة والمجتمع عموماً هي نتاج ما صنعه الاستعمار عبر عهدي الشاه البغيضين اللذين دفنهما الشعب الإيراني بثورته، وعهد الملالي البغيض الذي سيدفنه الشعب أيضاً بثورته. لا أؤمن بالحل إلا بثورة الشعب الإيراني وقوة وصمود مقاومته ومشروعه الناضج والقابل للبقاء، مشروع برنامج المواد العشر.
أما واقع المرأة في إيران، فهو مرير ومأساوي ومخزٍ. لا يمكن لأي إنسان أن يتقبل وضع المرأة في إيران إلا إذا انحرف عن إنسانيته والإسلام. لقد كرّم الإسلام المرأة والإنسانية، وما دامت المرأة مُهانة في إيران، فالمجتمع بأسره في خطر. أما بالنسبة للمرأة ووضعها في العراق، فهل سيكون أفضل من وضع المرأة في إيران، بنفس الصورة النمطية للحكم القائم على الفكر الرجعي للملالي الذين جعلوا من العراق متنفسًا ومأوىً لجرائمهم؟
وضع المرأة في العراق أشد بؤسًا، وكذلك وضع المرأة في سوريا واليمن ولبنان. أما في فلسطين، فقد تجاوز الوضع وصف جحيم الأرض، ولم تعد الكلمات قادرة على وصف معاناة أهل غزة، فقد أصبحت الصورة أبلغ وأوضح، حتى أن العالم الحر صرخ من أجلهم. كل ذلك وكل ما حدث في المنطقة هو بسبب نظام ديكتاتوري طائفي يحكم إيران باسم الإسلام، ويتمدد في المنطقة باسم الإسلام وآل رسول الله، عليهم أفضل الصلاة والسلام. وقد أثبت التاريخ أن هذا النظام لا علاقة له بالإسلام وآل رسوله، فكان بسببه تشويه الإسلام، وكان بسببه الدمار والخراب الذي لحق بالمنطقة والقضية الفلسطينية. لا نرى في هذا النظام والاحتلال في فلسطين المحتلة إلا وجهين لعملة واحدة، بنفس الأداء ونفس النتائج والعواقب.
لا يوجد دين صحيح أو عقيدة إنسانية سليمة تستهين بحياة الإنسان، وتقتل، وتنهب، وتشرد، وتجوع، وتنشر المخدرات، وتحل ما حرم الله، وتنشر الفتنة والفساد والظلم في الأرض. كل هذا مرفوض ومدان.
كان بعض النُخب من أبناء العراق المناضلين يقولون تعقيبا على أوضاع العراق المتردية نتيجة لهيمنة ملالي إيران على الحكم في العراق؛ يقولون أن ملالي إيران يحتلون العراق وأن تحرير العراق منهم سيكون تلقائيا بعد تحرير إيران برمتها من حكم وآثار الملالي ورجعيتهم.. فهل تتفقين مع هذا الرأي؟ وهل تتفقين مع أن مسيرة نضال الشعب الإيراني اليوم من أجل إسقاط نظام الملالي وبناء إيران ديمقراطية حرة تقدمية هي مسيرة تخص مستقبل عموم أبناء المنطقة المتضررين من هذا النظام الدكتاتوري؟
بالطبع، أتفق مع هذا الرأي وأؤمن به. أوافق على أن نضال الشعب الإيراني اليوم نضال مشروع لإسقاط نظام ولاية الفقيه والقضاء على ركائزه المادية والفكرية، من أجل بناء إيران حرة وديمقراطية وتقدمية. لأن هذا النضال سيجلب في النهاية الخلاص لجميع شعوب المنطقة التي تضررت من هذا النظام الدكتاتوري. ستكون فرصة لبناء مستقبلهم بأيديهم، وسيستعيدون سيادة بلدانهم وكرامتها. نعم، أعتقد أنه نضال واحد.
ككاتبة ومناضلة تميز قلمها بالثورية والتحرر؛ كيف تقيمين نضال الشعب الإيراني ضد الفاشية؟ وما هو تقييمك لنضال المرأة الإيرانية وصمودها؟
إن نضال الشعب الإيراني، كما ذكرتُ، نضالٌ مشروع، ومدرسته عريقةٌ وعميقة الجذور. تضحياته عظيمة، وتجربته النضالية واسعةٌ ومتنوعة. لم تكن المرأة الإيرانية بعيدةً عن مسار نضال شعبها، فهي أمُّ الرجال ومُعِدّتهم، وكان لها، ولا يزال، دورٌ أساسيٌّ ومتناميٌ في هذا النضال. والسيدة مريم رجوي امتدادٌ مستمرٌّ للنضال الثوري النوعي للمرأة الإيرانية. كانت نساء مدينتي أشرف الأول وأشرف الثاني، ولا يزلن في أشرف الثالث، خيرَ وأروعَ مثالٍ على دور المرأة الإيرانية النضالي.
إن ما نشاهده اليوم من انتفاضة المرأة الإيرانية في وحدات المقاومة وفي الشوارع، على غرار نساء منظمة مجاهدي خلق في أشرف والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، هو مصدر فخر واعتزاز ويؤكد أنه ما دامت المرأة الإيرانية قد دخلت ساحة المواجهة ضد نظام الملالي فإن ثورة الشعب الإيراني ستكون ثورة منتصرة ومنصورة إن شاء الله.
أما الصمود والثبات في عالمنا المعاصر، فكانا في أشرف النضالات، وفي نضال أختنا السيدة مريم رجوي، التي عانت ولا تزال من عواقب سياسة المهادنة والاسترضاء والابتزاز بين الغرب وملالي إيران. فلا صمود ولا ثبات أعظم من صمودها وهي تكتم ألمها وتمضي قدماً مرفوعة الرأس، مضحية بنفسها من أجل شعبها وقيمها ومبادئها. فهل من صمود أعظم من هذا؟
تابعتم مؤتمر إيران حرة الذي عُقِدَ في روما بحضور السيدة مريم رجوي العشرات من كبار الشخصيات الأوروبية والعالمية.. كيف تقيمين هذا المؤتمر والموقف الغربي منه ومن مستقبل إيران؟
كان المؤتمر ناجحاً ونوعياً رغم القيود والضغوط. وكانت المشاركة استثنائية من جميع أحرار العالم، ولكل من شارك في المؤتمر داعماً صادقاً، نحييه ونحترمه. وكان حضور السيدة مريم رجوي حضوراً باهراً ومؤثراً كالعادة.
نقلت رسالتها، مؤكدةً على الموقف الدولي الذي ينبغي أن يكون إكثر صادقاً ويسعى إلى الأمن والسلام وخير البشرية. إن الموقف الغربي من المؤتمر وجميع أنشطة السيدة مريم رجوي والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو موقف ذو جوانب متعددة.
عمومًا، يؤمن معظم الأوروبيين والغرب خصوصاً بشرعية المقاومة الإيرانية وقيادتها وشرعية نضالها وقدرتها على إحداث التغيير. بعضهم يُعلنون هذا الإيمان صراحةً ويقفون بحزم إلى جانب المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي، بينما لا يُعلنه آخرون لأسباب خاصة بهم.
يعتقد البعض، ممثلاً بالنظام العميق، أنهم لا يفعلون سوى التنازل والمهادنة والابتزاز للحفاظ على المصالح، مما يستلزم استمرار الأزمات. الأزمات تحتاج إلى صانع، والملالي وأتباعهم هم أمهر من يصنعها. لذا، يرى الغرب العميق المهادن مستقبل إيران كحاضرها، وهو ما يتماشى مع مخططاته. أما الغرب المتحارب، فيرى مستقبل إيران مرهوناً بالحفاظ على القيم الإنسانية الجميلة القائمة على العدل والتسامح. في النهاية، الشعب الإيراني وثورته، ثورة لا للشاه ولا للشيخ، هم من سيكسرون هذه الحلقة المفرغة ويحققون المعادلة المنشودة.
كيف تقرأون المشهد السياسي القائم في إيران والشرق الأوسط وعلاقة الغرب بذلك؟ وهل يريد الغرب إسقاط نظام الملالي.. وكيف ينظر الغرب لنضال الشعب الإيراني ومقاومته؟
المشهد السياسي في إيران، في ظل حكم نظام الملالي، مشهدٌ ضعيفٌ وهزيل، لا شرعية له ولا قوة، لولا الدعم الغربي المُقدّم له ضمنياً منذ تأسيسه. لولا الغرب، لما صمد هذا النظام يوماً واحداً، لكن هذه مصالح، ويجب أن يخلف الشاه من يخدم مصالحهم. المشهد السياسي في المنطقة اليوم مُعقّدٌ بسبب النظام في إيران وامتداده في المنطقة.
اليوم، لا يريد الغرب إسقاط نظام الملالي إلا إذا استنجد بجائحة أخرى تسير على نفس النهج. أما موقف الغرب من نضال الشعب الإيراني ومقاومته، فقد ذكرته سابقاً وأؤكد عليه هنا. الغرب المتواطئ مع الملالي لا يريد خلاص الشعب الإيراني، ولا يؤمن بالقيم الإنسانية بقدر ما يؤمن بالمخططات والمؤامرات التي تقوده في النهاية إلى النجاح وتضمن مصالحه. يخشى نجاح نضال الشعب الإيراني ومقاومته. في النهاية، سينتصر النور على الظلام.
ككاتبة ثورية؛ كيف تقيمين نضال المرأة في أشرف 3 وتأثيرها في مسيرة نضال الشعب الإيراني وفي وحدات المقاومة بالداخل.. وكيف ترين مستقبل إيران على ضوء ذلك؟
المرأة في أشرف هي كل أشرف.. أشرف ٣،٢،١ وألف أشرف في وحدات المقاومة منارةٌ للقيم الأخلاقية والنضالية، وحصنٌ يتلألأ منه فكر الصمود والثبات. هي، المرأة في أشرف، أملُ المظلومين في إيران، وكلّ المتضررين من نظام الملالي.
والذي صنع معسكر أشرف وألف أشرف، وأسس وحدات المقاومة ، انتصر ولا يزال، وسيحتفل بنصره العظيم قريباً. ويكون مستقبل إيران زاهراً، إن شاء الله وبفضله، وبهمة المناضلين الغياره الذين عاشوا من أجل الآخرين، لا يهمهم ما يكسبونه، بل ما سيكون عليه حال شعبهم وبلدهم؟
السؤال الأخير.. كمثقفة من صفوة أبناء شعوب المنطقة.. هل تدعمين برنامج المواد العشر الذي طرحته وتتبناه السيدة مريم رجوي، وهل ترين فيه خلاصا للشعب الإيراني وشعوب المنطقة وضمانا لمستقبلهما.. ولماذا؟
أنا أؤيد برنامج النقاط العشر بالتأكيد، وأؤمن به، وأثق بمن يطرحه ويتبناه، فهو حقاً خلاصٌ للشعب الإيراني أجمع، ولشعوب المنطقة عامة. وتسألون لماذا؟ عندما يلبي برنامجٌ لإنهاء الباطل وإقامة العدل لحقوقَ الجميع ومطالبهم وآمالهم، وهي مطالب قابلة للتحقيق، فهو برنامجٌ مثاليٌّ يستحق الدعم. الأزمة واحدة، والأسباب واحدة، والآمال واحدة. الحلول تبدأ من طهران وتمتد إلى المنطقة بأسرها، وأنا متفائلة أن شاء الله.