انقلاب دبلوماسي في جنوب آسيا..
باكستان تكسب ود دونالد ترامب والهند تدفع ثمن الجفاء الأمريكي
تشهد العلاقات الأمريكية–الباكستانية تحولًا لافتًا، وصفته "فاينانشال تايمز" بأنه انقلاب دبلوماسي قلب الموازين في جنوب آسيا، إذ نجحت إسلام أباد في استمالة إدارة ترامب عبر تعاون أمني وصفقات اقتصادية، مقابل فتور وجفاء تجاه الهند رافقته رسوم جمركية عقابية. هذا المشهد الجديد يهدد بإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، ويضع نيودلهي أمام تحديات استراتيجية غير مسبوقة.

إسلام أباد تحصد المكاسب ونيودلهي تتلقى الضربات
تشهد العلاقات بين باكستان وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ازدهاراً ملحوظاً، فيما تواجه الهند، الجارة المنافسة، توتراً وجفاءً من البيت الأبيض، في تطور وصفته صحيفة "فاينانشال تايمز" بأنه "انقلاب دبلوماسي" دبرته إسلام أباد لنيودلهي. يعكس هذا التحول تغيرات محتملة في الجغرافيا السياسية لجنوب آسيا، مع تداعيات اقتصادية ودبلوماسية كبيرة.
شهدت العلاقات بين واشنطن وإسلام أباد "نهضة حقيقية"، بحسب مايكل كوجلمان، الزميل الأول غير المقيم في مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ. ويُعزى هذا التحول إلى استراتيجية باكستانية ذكية استهدفت كسب ود ترامب، الرئيس غير التقليدي. من أبرز مظاهر هذا التقارب:
التقى رئيس أركان الجيش الباكستاني، عاصم منير، الرئيس ترامب في يونيو/حزيران لتناول غداء خاص استمر ساعتين في واشنطن، بعد شهر من مواجهة عسكرية عنيفة بين باكستان والهند. كما تلقى منير ترحيباً حاراً من كبار الجنرالات الأمريكيين.
في مارس/آذار، سلّمت باكستان عميلاً بارزاً في تنظيم داعش-خراسان، متهماً بالوقوف وراء تفجير في كابول عام 2021 أودى بحياة 13 جندياً أمريكياً. أشاد ترامب بهذا الإجراء في خطابه عن حالة الاتحاد.
وعد ترامب بتطوير "احتياطيات النفط الضخمة" في باكستان، بينما قدمت إسلام أباد فرصاً استثمارية في الطاقة، المعادن الحيوية، والعملات المشفرة. ووقّعت شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال"، المدعومة من ترامب، خطاب نوايا مع مجلس العملات الرقمية الباكستاني، مع الإشارة إلى ثروات معدنية بقيمة "تريليونات الدولارات".
برز بلال بن ساقب، وزير العملات المشفرة الباكستاني، كدبلوماسي ظل، حيث عزز العلاقات مع دائرة ترامب الداخلية من خلال عروض استثمارية.
في المقابل، تواجه الهند معاملة قاسية من إدارة ترامب، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية عقابية بنسبة 50% على نيودلهي بسبب شرائها النفط الروسي، مقارنة بتخفيض الرسوم على باكستان إلى 19%. هذا الجفاء، الذي وصل إلى حد الازدراء، أثار استياءً عميقاً في الهند، خاصة مع نجاح باكستان في استمالة واشنطن بصفقات تجارية.
الحظوظ الدبلوماسية المتباينة للهند وباكستان قد تعيد تشكيل التوازنات في جنوب آسيا، مع تعزيز مكانة باكستان كشريك استراتيجي لواشنطن.
الرسوم الجمركية المرتفعة على الهند تهدد اقتصادها الأكبر، بينما تستفيد باكستان من تسهيلات تجارية واستثمارات أمريكية محتملة لإنعاش اقتصادها المتعثر.
يرى المسؤولون الهنود أن باكستان، بقيادتها العسكرية، نجحت في استغلال الوضع لتحويل موقفها الضعيف إلى انتصار دبلوماسي، مما يعزز التوترات الإقليمية.
يعكس هذا التحول في العلاقات الأمريكية-الباكستانية قدرة إسلام أباد على استغلال دبلوماسية غير تقليدية، من خلال التعاون الأمني والصفقات الاقتصادية، لكسب ود إدارة ترامب. في المقابل، يواجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تحديات متزايدة في الحفاظ على علاقات قوية مع واشنطن، مما قد يعيد تشكيل ديناميكيات القوى في المنطقة. ومع استمرار هذه التطورات، ستظل الأنظار متجهة نحو تأثيرها على الاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي.