قلق أوروبي من “صفقة مفاجئة” بين ترامب وبوتين على حساب كييف..

قمة ألاسكا 2025: التوازنات الجيوسياسية ومستقبل الحرب الأوكرانية

قبيل القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، تكثف العواصم الأوروبية تحركاتها لتأمين موقف موحد يضمن عدم المساس بالمصالح الأوكرانية أو الأوروبية في أي تسوية محتملة. هذه الجهود تعكس مخاوف من صفقة مفاجئة قد تغيّر موازين الصراع وتعيد رسم خارطة النفوذ الدولي.

ميرتس وزيلينسكي خلال المؤتمر الأوروبي الأوكراني

واشنطن

يشهد العالم لحظة مفصلية في التوازنات الجيوسياسية مع اقتراب القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنكوراج، ألاسكا، يوم 15 أغسطس 2025. تأتي هذه القمة في ظل تصاعد التوترات العسكرية في أوكرانيا وتسارع التحركات الدبلوماسية الأوروبية لضمان عدم تجاوز مصالح أوكرانيا وحلفائها. يهدف هذا التقرير إلى رصد خلفيات هذه المشاورات، تحليل الوضع الميداني والدبلوماسي، واستشراف السيناريوهات المحتملة للقمة وتداعياتها على الأمن الدولي.

قبيل القمة، كثّفت أوروبا، بقيادة ألمانيا وفرنسا، اتصالاتها مع إدارة ترامب لضمان موقف موحد. في اجتماع عبر الفيديو يوم 13 أغسطس 2025، حثّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ترامب على اتخاذ موقف صلب ضد روسيا، مع التأكيد على "خطوط حمراء" تتضمن رفض التنازلات الإقليمية وضمان أمن أوكرانيا. أكد ميرتس في مؤتمر صحفي ببرلين: "نفعل كل ما بوسعنا لضبط مسار هذا اللقاء في الاتجاه الصحيح، مع الحفاظ على المصالح الأمنية لأوكرانيا وأوروبا".  

لكن القلق الأوروبي ينبع من عدم الثقة الكاملة في نوايا ترامب، الذي يُعرف بميله لعقد صفقات مباشرة قد تتجاهل الحلفاء. يخشى الأوروبيون وأوكرانيا أن يتأثر ترامب بموقف بوتين أو أن ينسحب من المفاوضات إذا شعر بالإحباط، مما قد يؤدي إلى تنازلات لموسكو أو تجميد الصراع بشروط روسية.

تشهد الحرب في أوكرانيا تصعيدًا خطيرًا، حيث حققت القوات الروسية اختراقات كبيرة شمال مدينة بوكروفسك، سيطرت خلالها على مساحات واسعة في غضون 24 ساعة، وهو إنجاز يفوق ما تحقق في عام كامل. هذا التقدم عزّز موقف بوتين التفاوضي، حيث يسعى لإظهار القوة العسكرية وإرسال رسالة بأن روسيا قادرة على احتلال المزيد من الأراضي إذا لم يتراجع الغرب عن دعمه لكييف. في المقابل، تواجه القوات الأوكرانية ضغوطًا هائلة، مع حاجة ماسة لأسلحة متطورة واستراتيجية جديدة لمواجهة التقدم الروسي.

أكدت موسكو تمسكها بضم مناطق لوهانسك، دونيتسك، زابوريجيا، وخيرسون، إلى جانب القرم، مع نفي وجود قوات أوكرانية في منطقة كورسك رغم تأكيدات كييف. يرى المحللون أن بوتين يستغل الزخم العسكري لتعزيز موقفه في القمة، مع محاولة التقليل من تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا. وتشير الباحثة تاتيانا ستانوفايا من مركز كارنيغي إلى أن المبادرة الأمريكية قد تكون "أول محاولة واقعية لإنهاء الحرب"، لكنها حذرت من أن أي اتفاق دون ضمانات دولية قوية قد يكون كارثيًا لأوكرانيا.

أعرب ترامب عن تفاؤله عقب اجتماع 13 أغسطس، واصفًا المحادثات مع زيلينسكي والقادة الأوروبيين بـ"جيدة جدًا"، ومنحها تقييمًا مثاليًا. وجه تحذيرًا لبوتين من "عواقب خطيرة" إذا استمرت الهجمات الروسية، لكنه تجنب توضيح طبيعة هذه العواقب. كما طرح فكرة لقاء ثلاثي مع زيلينسكي وبوتين، لكنه أشار إلى أن ذلك يعتمد على نتائج قمة ألاسكا. يبدو أن ترامب يركز على تحقيق مكسب سياسي داخلي من خلال إظهار دوره كوسيط، لكنه لم يلتزم بفرض عقوبات جديدة مباشرة على روسيا، واكتفى بمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات النفط من الهند.

1. اتفاق إطار لوقف إطلاق النار: قد يتوصل ترامب وبوتين إلى تفاهم أولي لوقف العمليات العسكرية، مع فتح مسار مفاوضات لاحقة تشمل أوكرانيا وأوروبا. هذا السيناريو قد يمنح ترامب انتصارًا سياسيًا، لكنه قد يثير تحفظات أوروبية إذا لم يتضمن انسحابًا روسيًا كاملًا.  
2. تفاهمات أمنية جزئية: اتفاق على قضايا مثل تبادل الأسرى أو إنشاء ممرات إنسانية. هذا قد يخفف التصعيد الميداني، لكنه قد يُفسر كقبول ضمني بخطوط التماس الحالية.  
3. فشل القمة وتصاعد التوتر: إذا فشلت المحادثات بسبب تمسك بوتين بشروط مرفوضة أو إصرار ترامب على وقف فوري للهجمات، قد يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري روسي وزيادة الدعم الغربي لأوكرانيا.  
4. صفقة أمريكية-روسية تتجاوز أوروبا: قد يبرم ترامب وبوتين اتفاقًا دون تنسيق مع الحلفاء، مثل تخفيف العقوبات مقابل التزامات روسية محدودة. هذا قد يُسبب انقسامًا داخل الناتو ويُضعف الثقة الأوروبية في واشنطن.

تواجه أوروبا وأوكرانيا تحديات كبيرة في الحفاظ على وحدة الموقف الغربي. الخوف من "صفقة مفاجئة" بين ترامب وبوتين يدفع الأوروبيين لتكثيف التنسيق مع واشنطن، مع الإعداد لـ"خطة بديلة" تشمل تعزيز الدعم العسكري لكييف وتشديد العقوبات. كما أن استمرار الحرب أو تجميدها بشروط روسية يشكل تهديدًا طويل الأمد للأمن الأوروبي. في المقابل، يبدو بوتين في موقف قوة عسكريًا، مما يقلل من استعداده لتقديم تنازلات، بينما تعاني أوكرانيا من ضغوط ميدانية تجعلها بحاجة ماسة لدعم غربي متكامل.

تمثل قمة ألاسكا اختبارًا حقيقيًا للتوازنات الجيوسياسية ووحدة الصف الغربي. رغم وجود فرصة لتحقيق انفراج محدود، فإن مخاطر التوصل إلى تفاهمات تتجاوز أوكرانيا وأوروبا تبقى قائمة. ستحدد نتائج هذه القمة مسار الحرب في أوكرانيا وعلاقات الغرب مع روسيا، مما يجعلها نقطة تحول محتملة في الأمن الدولي. تظل الأنظار متجهة نحو أنكوراج، حيث ستُرسم معالم المستقبل السياسي والعسكري للمنطقة.