"شتاء قارس وأزمة نزوح داخلي وتغيرات مناخية حادة"..
"وقف تدفق النازحين وتعزيز استراتيجيات حكومية استباقية": مواجهة التحديات المناخية في اليمن
"إن التحديات المتعددة التي تواجه اليمن، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء القارس، تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تتطلب تدخلًا فوريًا على المستويين المحلي والدولي. توفير الموارد اللازمة يمكن أن ينقذ حياة مئات الآلاف ويخفف من معاناتهم المستمرة"

يواجه النازحون داخلياً ظروفا قاسيةً بعد أن غمرت الأمطار الغزيرة مآويهم المؤقتة © UNHCR/YDF

يواجه اليمن الذي يعاني منذ سنوات من أزمات إنسانية حادة نتيجة الصراع المستمر، تحديًا جديدًا مع قدوم شتاء أكثر برودة من المعتاد. في ظل النزوح الداخلي واسع النطاق، وغياب البنية التحتية الكافية، والتغيرات المناخية المتسارعة، وتتفاقم معاناة السكان، مما يجعل الحاجة إلى تدخلات إنسانية عاجلة أمرًا لا غنى عنه.
وأصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريرًا حديثًا [1] يشير إلى أن فصل الشتاء القادم في اليمن سيكون أكثر برودة من المعتاد، مع توقع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في المناطق المرتفعة. هذا التغير المناخي يزيد من التحديات التي يواجهها السكان المحليون والنازحون، خاصة في ظل نقص البنية التحتية اللازمة للتعامل مع البرد القارس.
وأوصى التقرير باتخاذ تدابير عاجلة لتوفير المساعدات الإنسانية[2]، بما في ذلك الملابس الشتوية، البطانيات، ووسائل التدفئة، لحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
أدى تغير المناخ إلى زيادة في الظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والسيول، التي تدمر الأراضي الزراعية والمنازل وتعيق تقديم المساعدات الإنسانية.
الجفاف يؤثر على الأمن الغذائي، حيث يعاني المزارعون من ارتفاع تكاليف الزراعة ونقص المياه، مما يدفع السكان إلى هجر قراهم بحثًا عن مصادر رزق أخرى.
وتوقعت المفوضية السامية للأمم المتحدة أن يشهد اليمن انخفاضًا حادًا في درجات الحرارة خلال الشتاء القادم، حيث قد تصل في بعض المرتفعات إلى ما دون الصفر، هذا الانخفاض يهدد الفئات الأكثر ضعفًا، خاصة النازحين الذين يفتقرون إلى المأوى المناسب والوسائل الكافية للتدفئة.
التغيرات المناخية
وتشير التغيرات المناخية إلى تسارع في ارتفاع درجات الحرارة عالميًا، لكن تأثيرها في اليمن كان أكثر وضوحًا من خلال الفيضانات المتكررة، والجفاف، والشتاء القاسي.
ومنذ اندلاع الصراع في 2015، نزح حوالي 4.5 مليون شخص، مما يجعل اليمن يحتل المرتبة السادسة عالميًا في أعداد النازحين، حيث يقيم 1.5 مليون نازح في أكثر من 2,380 موقع استضافة، تفتقر معظمها إلى الخدمات الأساسية، هؤلاء النازحون يواجهون تحديات يومية في الحصول على الغذاء، المياه، المأوى، والرعاية الصحية، بحلول العام القادم، يُتوقع أن يحتاج 6.7 مليون شخص إلى مساعدات في المأوى والمواد غير الغذائية، حيث أن 40% من المحتاجين هم من النازحين داخليًا، بينما الـ 60% الآخرون هم من العائدين والمجتمعات المضيفة التي تأثرت بشدة بالأزمة، هذه الأرقام تعكس الحاجة إلى استجابات إنسانية تتجاوز توفير المأوى، لتشمل إعادة تأهيل البنية التحتية وتحقيق الاستقرار.
وتحتل اليمن مرتبة متقدمة بين الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ وفقًا لمؤشر [3]INFORM، حيث شهدت السنوات الأخيرة تغيرات مناخية حادة، بما في ذلك الأمطار الغزيرة والفيضانات، والشتاء القادم يهدد المناطق المرتفعة بدرجات حرارة متجمدة، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني، وهذه الظواهر تؤثر على الصحة العامة، سبل العيش، وتزيد من هشاشة الفئات المستضعفة.
ويواجه أكثر من 655,000 شخص احتياجات ملحّة خلال فصل الشتاء، من بين هؤلاء، هناك 232,000 شخص معرضون مباشرة لدرجات حرارة متجمدة، مما يجعلهم في حاجة ماسة إلى الملابس الشتوية، البطانيات، ووسائل التدفئة، وتظل قدرة المفوضية السامية على الاستجابة محدودة بسبب نقص التمويل، مما يضعف الجهود الرامية لتخفيف آثار الشتاء على السكان.
أزمة إنسانية
يمر اليمن بأزمة إنسانية مركبة تجمع بين نزوح واسع النطاق، تدهور اقتصادي حاد، وتغيرات مناخية متسارعة، في ظل غياب بنية تحتية كافية وضعف التمويل الإنساني. هذه التحديات تعمّق هشاشة النازحين والمجتمعات المضيفة، مع تفاقم تأثير التغيرات المناخية على الأوضاع الإنسانية، ما يستدعي حلولًا شاملة ومستدامة لتخفيف المعاناة.
يتطلب الوضع الراهن زيادة عاجلة في التمويل المخصص لتلبية احتياجات الشتاء، بما يشمل توفير الملابس الشتوية، البطانيات، ووسائل التدفئة، بالإضافة إلى إعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، وبناء مراكز إيواء دائمة، وتعزيز الخدمات الأساسية في مناطق استضافة النازحين.
تجسد أزمة الشتاء في اليمن حالة إنسانية معقدة تتطلب استجابة فورية على المستويين المحلي والدولي. إن التنسيق والتعاون لتوفير الدعم اللازم يمكن أن يخفف معاناة الملايين، ويمهد الطريق نحو تحقيق استقرار إنساني طويل الأمد في هذا البلد الذي يواجه تحديات استثنائية.
غياب الدعم في مواجهة أزمات المناخ
تواجه محافظات المهرة وحضرموت وشبوة في جنوب اليمن أزمات إنسانية وبيئية معقدة نتيجة للتغيرات المناخية الحادة، التي تشمل الفيضانات والعواصف، مما يزيد من معاناة السكان المحليين والنازحين من مناطق شمال اليمن. وعلى الرغم من دور المملكة العربية السعودية كداعم رئيسي لهذه المناطق المحررة، إلا أن الدعم السعودي لا يزال غائبًا في مواجهة التحديات الحالية، ما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.
تتمتع المملكة بنفوذ كبير في المناطق الجنوبية ، وهي تعد الدولة الوصية على معظم المدن المحررة في جنوب اليمن منذ بداية النزاع. يتمثل هذا الدور في تقديم الدعم العسكري والسياسي، فضلاً عن الدعم الإنساني والاقتصادي في بعض المناطق. ومع ذلك، فإن هذا النفوذ لم ينعكس بما يكفي على الوضع الإنساني في محافظات المهرة وحضرموت وشبوة، التي تشهد كوارث بيئية تؤثر بشكل مباشر على حياة سكانها.
تشهد هذه المحافظات تغيرات مناخية حادة، بما في ذلك الفيضانات الموسمية والعواصف التي تؤدي إلى وقوع ضحايا وخسائر كبيرة وتدمير المحاصيل الزراعية وتضرر البنية التحتية. إضافة إلى ذلك، تواجه المناطق تحديات كبيرة جراء المنخفضات الجوية التي تزيد من معدل الأمطار وتسبب انهيارات في الطرقات ومشاكل في شبكات المياه. رغم هذا، فإن الدعم المقدم من الرياض، الذي يُفترض أن يكون أكثر استجابة وفعالية في ظل هذه الظروف، لا يزال قاصرًا في توفير الاحتياجات الأساسية لسكان هذه المناطق.
في 22 أبريل 2024، تعرضت اليمن لأمطار غزيرة وفيضانات شديدة أدت إلى تدمير مخيمات النازحين، حيث فقدت 3 آلاف أسرة بيوتها في خمس محافظات هي حضرموت والجوف وشبوة وأبين والضالع. هذه الفيضانات تسببت في غرق بعض المخيمات، وأدت إلى تضرر 1700 أسرة نازحة في محافظة الجوف التي نزحت إلى منطقة الريان الصحراوية بسبب الأمطار والسيول. المنخفض الجوي الذي ضرب اليمن انتقل من الإمارات وسلطنة عمان إلى اليمن، مما تسبب في انهيارات جبلية وسيول، في وقت حذرت فيه السلطات من مخاطر السيول والانهيارات الجبلية.
فمنذ بداية النزاع، تدفق مئات الآلاف من النازحين من مناطق شمال اليمن إلى الجنوب المحرر، مما يضع ضغوطًا إضافية على المدن والمخيمات التي لا تملك بنية تحتية كافية لاستقبالهم. وبالرغم من هذه الزيادة في أعداد النازحين، لا يبدو أن هناك استجابة كافية من السعودية، التي كانت قد وعدت بدعم استضافة النازحين وتوفير الحماية لهم. هذا النقص في الدعم الإنساني يعرض النازحين لمخاطر أكبر نتيجة التغيرات المناخية التي تضاعف من معاناتهم.
ومع تدهور الأوضاع الصحية والبيئية، تنتشر الأمراض بشكل كبير في هذه المحافظات، خاصة في مخيمات النازحين التي تفتقر إلى الخدمات الصحية الأساسية. تفشي الأمراض مثل الكوليرا والملاريا يزيد من الأعباء على السكان الذين يواجهون أيضًا صعوبة في الحصول على العلاج بسبب نقص التمويل الدولي. وبالإضافة إلى ذلك، تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية، مما يجعل الوصول إلى المواد الأساسية أكثر صعوبة. في هذا السياق، تبقى المساعدات الإنسانية في هذه المناطق غير كافية، وهو ما يفرض تحديات ضخمة على السكان المحليين والمنظمات الإنسانية.
من الضروري أن تقوم السعودية بتكثيف دعمها في جنوب اليمن، خصوصًا في محافظات المهرة وحضرموت وشبوة، خاصة في مجالات الصحة، المياه، والإغاثة الغذائية لمواجهة تفشي الأمراض، وتوفير المساعدات الطارئة لمواجهة الكوارث الطبيعية بما في ذلك إنشاء أنظمة إنذار مبكر وتقديم الدعم الفني للحد من آثار التغيرات المناخية.
من المهم تعزيز البنية التحتية لتستوعب أعداد النازحين المتزايدة وتحسين الظروف المعيشية في المخيماتـ، والتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية لتنفيذ مشاريع تنموية تدعم قدرة هذه المحافظات على الصمود أمام الأزمات المستقبلية.
إن غياب الدعم الفعّال في ظل هذه الأزمات يعكس حاجة ماسة إلى إعادة تقييم استراتيجيات الدعم الإنساني والاقتصادي في جنوب اليمن. معالجة هذه الأزمات تتطلب جهودًا مشتركة من كافة الأطراف المعنية لضمان توفير حياة أفضل للسكان في المهرة وحضرموت وشبوة في ظل الظروف القاسية التي يواجهونها.
لتقليل الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيرات المناخية في محافظات مثل حضرموت والمهرة وشبوة، يجب أن يكون هناك تركيز على وقف تدفق النازحين إلى هذه المناطق. بينما يعتبر تدفق النازحين عاملًا مساعدًا في زيادة الضغوط على البنية التحتية والخدمات الأساسية، فإن احتواء هذه الزيادة يمكن أن يساعد في تقليل الأعباء على المجتمعات المحلية التي تعاني بالفعل من آثار التغيرات المناخية، مثل الفيضانات والجفاف.
يتطلب وجود تدخلات إقليمية ودولية لمساعدة السلطات المحلية في وضع استراتيجيات استباقية لمواجهة الكوارث المتوقعة خلال العام القادم. من الضروري وضع خطط للتأهب والتخفيف من تأثيرات التغيرات المناخية، مثل إنشاء أنظمة إنذار مبكر للفيضانات، وتعزيز مشاريع إدارة المياه، وتوسيع البنية التحتية التي يمكنها مواجهة التقلبات المناخية.
علاوة على ذلك، يجب دعم هذه السلطات لتطوير برامج تهدف إلى تحسين قدرة المجتمعات على التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة، مثل مشاريع الزراعة المستدامة وبرامج التحول البيئي التي تتماشى مع الاحتياجات المناخية الخاصة بكل محافظة.
_____________________________________________________________________________
- هوامش
- [1] اليمن: احتياجات ملايين النازحين تتنامى وسط الفيضانات الكارثية وحالة الطوارئ الإنسانية المطولة unhcr.org/ar
- [2] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - اليمن: مواجهة أزمة المناخ في اليمن: تنمية مستدامة على أرض الواقع unhcr.org/ar
- [3] اليمن: احتياجات ملايين النازحين تتنامى وسط الفيضانات الكارثية وحالة الطوارئ الإنسانية المطولة unhcr