"المرأة والتنمية علاقة شراكة لا فضل"..
تحقيق أهداف التنمية يبدأ من تمكين النساء: قراءة في البنية الاقتصادية والاجتماعية لمفهوم التمكين
"المرأة التي تتمتع بالتعليم والدخل والتمثيل السياسي تكون أكثر قدرة على حماية أطفالها، والمساهمة في بناء مجتمع مستقر وسليم." — من تقرير اليونيسف حول المرأة والتنمية، 2020

تمكين المرأة طريقٌ لتحقيق التنمية المستدامة

المقدمة:
يُعدّ تمكين المرأة من القضايا الجوهرية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأهداف التنمية المستدامة، إذ إن مشاركة النساء والفتيات بشكل فاعل تُمثل ركيزة أساسية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يؤدي إلى بناء مجتمعات أكثر استقرارًا وازدهارًا. ويُشكل تمكين المرأة حجر الأساس لتحقيق التنمية الشاملة، نظرًا لدوره في تعزيز النمو الاقتصادي، والمساهمة في الحد من الفقر، وترسيخ أسس العدالة الاجتماعية. وعلى الرغم من التقدم المحرز على هذا الصعيد، لا تزال النساء في العديد من المجتمعات يواجهن فجوات واسعة في مجالات التعليم والعمل والمشاركة السياسية، وهو ما ينعكس سلبًا على إمكانية تحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر، وتحقيق المساواة، وضمان العمل اللائق. وقد أولت أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة أهمية خاصة لمسألة تمكين المرأة، وكرّست لذلك الهدف الخامس من أهدافها، الذي ينص على تحقيق المساواة بين الجنسين. وستتناول هذه الدراسة الموضوع من خلال ثلاث مطالب رئيسة، يتفرع عنها عدد من المحاور، تنتهي بخاتمة وتوصيات.
مفهوم تمكين المرأة والتحديات التي تواجهها
يعني تمكين المرأة تعزيز قدراتها وإتاحة الفرصة لها لاتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتها، سواء على المستوى الخاص أو العام، مع ضمان العدالة والمساواة بينها وبين الرجل في مختلف المجالات. ويتضمن التمكين أبعادًا متعددة، من أبرزها التمكين الاقتصادي الذي يعنى بتمكين المرأة من الحصول على الموارد المالية والفرص الاستثمارية والعمل اللائق، والتمكين الاجتماعي الذي يعزز مشاركة المرأة في الحياة العامة ويضمن اندماجها في المجتمع، والتمكين التعليمي الذي يهدف إلى ضمان التحاق الفتيات بمستويات التعليم كافة، والتمكين السياسي الذي يشمل تعزيز تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار. وتكمن أهمية تمكين المرأة في كونه ركيزة للعدالة الاجتماعية، ووسيلة لتحسين صحة الأسرة وتعليم الأطفال، وأداة فعالة للقضاء على الفقر من خلال دعم النساء اقتصاديًا، كما أنه يعزّز المشاركة في العملية السياسية ويضمن التوازن المجتمعي.
غير أن هذا التمكين يواجه عقبات عدة، يأتي في مقدمتها العادات والتقاليد المقيدة التي تحدّ من حرية النساء في اتخاذ قراراتهن، إلى جانب العنف القائم على النوع الاجتماعي، وضعف الوعي المجتمعي بأهمية دور المرأة، فضلًا عن محدودية التمثيل السياسي، وضعف التشريعات والقوانين التي تُعنى بحقوق النساء. كما تعاني المرأة من قلة الفرص الاقتصادية، وتفاوت واضح في فرص التعليم، لا سيما في المناطق الريفية، إضافة إلى فجوة في الأجور في بعض السياقات، وغياب الثقة لدى بعض النساء بأن لهن دورًا فاعلًا في بناء المجتمع.
مفهوم التنمية المستدامة وأهدافها
تُعرّف التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تلبّي احتياجات الجيل الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها، وهي ترتكز على مبدأ التوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي، وحماية البيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد تبنتها الأمم المتحدة باعتبارها الإطار الشامل لتحقيق رفاهية الإنسان عبر الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية والحد من التدهور البيئي، وبناء نظم اقتصادية واجتماعية مرنة وشاملة.
في عام 2015، أطلقت الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة بأهدافها السبعة عشر، التي يسعى المجتمع الدولي إلى تحقيقها بحلول عام 2030. ومن بين هذه الأهداف القضاء على الفقر والجوع، وضمان صحة جيدة، وتعليم شامل وجيد، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وضمان الوصول إلى الطاقة النظيفة، وبناء مؤسسات قوية، وحماية البيئة. ويُعد الهدف الخامس من هذه الأهداف، المتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين، مدخلًا رئيسًا نحو بلوغ بقية الأهداف، حيث إن تمكين المرأة يُمثل وسيلة استراتيجية لبناء مجتمعات أكثر شمولًا وإنصافًا.
أهمية تمكين المرأة لتحقيق التنمية المستدامة
تتجلى العلاقة بين تمكين المرأة وتحقيق التنمية المستدامة في عدة مستويات. فعلى المستوى الاقتصادي، تؤدي مشاركة النساء في سوق العمل إلى رفع الإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز النمو. وعلى المستوى الاجتماعي، يسهم تمكين المرأة في تحسين جودة الحياة، ورفع مستوى المعيشة، خاصة عندما تكون المرأة قادرة على إعالة أسرتها. كما أن المجتمعات التي يتم فيها احترام حقوق النساء تشهد تراجعًا في معدلات الفقر والبطالة، وتحقق معدلات أعلى في مؤشرات التعليم والصحة، نظرًا للدور الحيوي الذي تؤديه المرأة المتعلمة في تربية الأطفال وبناء الأسرة الواعية. أما على المستوى السياسي، فإن إشراك المرأة في صنع القرار يخلق بيئة أكثر عدلًا وتوازنًا، ويعزز من الاستقرار والسلام المجتمعي، حيث تشير الدراسات إلى أن المجتمعات التي تنال فيها المرأة حقوقًا متساوية تكون أقل عرضة للنزاعات وأكثر ميلًا إلى التعاون.
وقد شهد العالم نماذج ناجحة في تمكين المرأة ساهمت في تحقيق التنمية، منها التجربة الرواندية، حيث أعقبت الإبادة الجماعية عام 1994 إصلاحات واسعة أتاحت للمرأة المشاركة السياسية الواسعة، ما جعل رواندا اليوم تتصدر دول العالم في نسبة تمثيل النساء في البرلمان. كما تُعد تجربة بنغلاديش مثالًا واضحًا على أثر التمكين الاقتصادي، إذ أسهم قطاع الملابس الجاهزة في تشغيل ملايين النساء، ونتج عن ذلك تحسن ملحوظ في مؤشرات التعليم والصحة. وفي الهند وبنغلاديش، أظهرت برامج التمويل الأصغر نجاحًا لافتًا في تمكين النساء اقتصاديًا، بينما شكّلت التغييرات التي شهدتها السعودية ضمن رؤية 2030 تحولًا في مكانة المرأة، حيث أُتيحت فرص عمل ومشاركة أوسع في القطاعين العام والخاص، وهو ما انعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني.
الخاتمة والتوصيات
لتحقيق تمكين شامل وفاعل للمرأة، يتطلب الأمر اتخاذ سلسلة من الإجراءات تبدأ بإصلاح المنظومة القانونية، من خلال سنّ قوانين عادلة تنصّ على المساواة الفعلية بين الجنسين، وتجريم العنف بكل أشكاله، وضمان الوصول العادل إلى الحقوق والفرص. كما ينبغي توفير فرص اقتصادية منصفة عبر تقديم دعم مالي وتقني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء، وتوفير بيئة عمل آمنة تحترم الكرامة وتكافئ الكفاءة بعيدًا عن التمييز. ويُعد التعليم والتدريب المهني محورًا أساسيًا في تمكين المرأة، ويجب أن يُوجّه لتزويدها بالمهارات المناسبة لسوق العمل، بما في ذلك المهارات الرقمية وريادة الأعمال. ويُستحسن تعزيز الحضور السياسي للنساء من خلال تشجيعهن على خوض غمار العمل العام، وتخصيص تمثيل مناسب لهن في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، مع العمل على تغيير النظرة المجتمعية النمطية عن دور المرأة، وهو ما يتطلب دورًا إعلاميًا نشطًا يبرز النماذج النسائية الناجحة، ويعزز صورة المرأة القيادية. إن تمكين المرأة لم يعد خيارًا، بل ضرورة تنموية ملحّة لا يمكن تجاوزها في سبيل بناء مجتمعات أكثر توازنًا وازدهارًا.