"اليوم الثامن" تقدم قراءة في الصراع على "المضيق"..

الأهمية الإستراتيجية لـ"باب المندب" وأثر التواجد العسكري الدولي على مستقبل الجنوب

الصـراع على مضيق باب المندب قديما قدم الحضارات الإنسانية إذا ما استحضـرنا الحملات الفرعونية الأولى 2743، 2731 ق.م والثانية 1500،1479 ق.م ومعها حملات الإغريق خلال الأعوام 1980، 1935ق.م، وصولًا إلى فترة الدعوة الإسلامية 641م عند إرسال الخليفة صاحب الفكر العسكري الإستراتيجي الفذ والملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوة بحرية إسلامية إلى المضيق لتأمينه

الصـراع الدولي على باب المندب بتواجده العسكري كما مضى لم يأتِ ترفًا بل لأهميته في خدمة مصالح الدول المتصارعة - اليوم الثامن

عدن

فهرست البحث:.

  1. مقدمة 
  2. أهمية مضيق، باب المندب.
  3. إطلالة تاريخية. 
  4. التواجد العسكري في المنطقة في الوضع الراهن.
  5. طوفان الأقصى وحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة والمتغيرات المحتملة.
  6. أثر كل ذلك على القضية الجنوبية.
  7. خلاصة.( خاتمة ).
  8. المراجع.

المقدمة 

إن معظم الدول العربية البالغ عددها 22 وعشرين دولة، فلو كان هناك إعمالًا للعقل لكنت قلت وأنت أيها القارئ والمستمع لقلتَ الدولة العربية العظمى، لو كان هناك ولو إعمال جزئي للعقل لما تحولت الوحدة اليمنية من أمل للبناء والعيش الكريم إلى آليات لإنتاج الحروب المدمرة المنتجة لأكبر مآسي العالم والعيش على التكفف، ليس ذلك فحسب بل لو كان هناك إعمالًا للعقل لما قامت على ذلك الشكل المستعجل لتؤدي إلى هذا المصير القاتل.

على اعتبار أن مراكز البحوث والدراسات بمختلف تخصصاتها وآلياتها في البحث مثل إجراء البحوث والدراسات وعقد المؤتمرات والورش والندوات العلمية الخ.. يأتي على رأس وسائل وأساليب إعمال العقل، تلك الآليات التي عادة ما تخرج بعصير فكري يعمل في المساعدة على إعمال ذوي العقول من أصحاب القرار لاتخاذ القرارات المبنية على أسس علمية صائبة وعلى الأقل ترتفع مستويات صوابيتها وتقل أخطاءها وهذا ما نراه ونتمناه في قيادة المجلس الإنتقالي من خلال إتباعه هذا النهج الذي لن يقتصر على هذه الفعالية العلمية وبالتالي تنعم الشعوب في الاستقرار والتقدم من خلال اتقاء الأزمات من صغيرها إلى كبيرها وعلى رأسها الفتن والحروب أولًا وثانيًا وثالثًا إلخ.. المتوفرة عندنا بفوائض كبيرة أصابت وتصيب العالم من حولنا وحول من حولنا.

شرط أن تلقى مخرجات البحوث والدراسات طريقها إلى عقول أصحاب القرار سواء عبر الحضور المباشر في الفعاليات العلمية أو الإطلاع الدقيق على المخرجات أو ملخصاتها غير مكتفين بالتوصيات أو المقترحات أو تخصيص وقت لمناقشة أهمها على الأقل مع الباحثين ولو بشكل سريع، كذلك نشر المخرجات في كتب وملخصاتها في كتيبات جاذبة وعلى شبكة النت. وليس أخيرًا تشكيل جماعة متابعة تنفيذ المخرجات بدء بالتذكير والكتابة عنها وعما نفذ وما لم ينفذ، ومطالب التنفيذ الخ.. واستثمار كل وسيلة تساعد على تنفيذها، المهم في الأمر هو اعتماد أصحاب وهيئات القرار على هذا النهج العلمي السليم الذي سارت عليه البلدان والشعوب المتقدمة.

إعجابي واستحساني لمثل عقد هذه الفعالية جعلني أوافق دون تفكير بالعواقب، مثل خطورة الموضوع وأهميته وما يتطلب من جهد لإعداد البحث او المداخلة على قاعدة المختصر المفيد. 

لكن تلكم الأهمية والخطورة جعلاني أشد الحيل لأبذل مجهودًا لإعداد مادة مختصرة قد تثير أسئلة وعصفًا ذهنيًا للمجموع تؤدي إلى الإجابات الصائبة هدف الورشة.

 

باب المندب أهم المضائق العالمية:

باب المندب لغويًا:

ليس من مهمة هذه المداخلة التعريف الُّلغوي فلا شك أنها محط اهتمام بقية المشاركين المتخصصين  في هذه الفعالية، لكن ما دعاني إلى ذلك هو تلك التعريفات الواردة في عديد أو قل كل المراجع التي كتبت عن باب المندب من كل الوجوه من الموقع الجغرافي إلى التاريخ الغابر إلى المعاصر والتي اتفقت على أهم تعريف وهو أن باب المندب يعني "ندب الموتى أي نعيهم لما يشكله من خطر على الملاحة البحرية، إذ يتعرض من يمخر عبابه إلى خطر الموت غالبًا " ولهذا كان يندب الأهلون الذاهبون من أقاربهم أحياءًا ليقينهم بأن من ذهب عبر هذا المضيق لم يعد، أي يصبح غذاءًا للأسماك. 

إذا كان كذلك فقد حمى نفسه، وفقد أهميته، أما الأسوأ فهو ذلك التعريف بأن العرب كانوا يسْبون الأفارقة فيلحقهم أهل المسبيين ليبكون على من فقدوا على شواطئه !!!. إذا كان كذلك فأين الأهمية؟ أو قل إنها ولت مع تقدم وسائل النقل والملاحة البحريتين.

بنفس الوقت وردت تعريفات أقرب إلى الصحة إلا أنه مغفول عنها مثل تعريف المؤرخ مطهر الإرياني عبر تفسير كلمة المندب بـ عبور، عبر..

ومن ناحية السياق فلا يمكننا تعريف المندب منفردًا دون كلمة باب ولها معان كثيرة منها مدخل ومخرج البيت وما يسد به الأبوا والمخارج، هذا ما يتفق مع تعريف المؤرخ مطهر الإرياني وغيره.

ومن أمثلة استخدامها الملائمة حاليًا، أغلق باب المفاوضات..(يعني الحوثي)، الحرب على الأبواب( فاحذروا الحوثية...) سياسة الباب المفتوح، أي السياسة التي تعتمد على إلغاء القيود، أي أنه أسلوب سياسي يقوم على الحوار وعدم المواجهة.(.يتحدث التعريف عن الإنتقالي ويتفق مع سياساته الداخلية والخارجية إن شاء الله...).

الندب..بمعنى القوس سريعة السهم....وهنا يقترب من معنى سرعة العبور.

ندبت المرأة..صارت ندبًا أي خفيفة، نجيبة حذرة..وهنا يقترب من معان مثل خفة العبور مع الحذر من الغير..الخ.

المندوب - ندبت أو انتدبت الدولة مندوبها، لدى تجمع معين إقليمي أو دولي.. شخص واحد يمثل دولة عظمى مثلًا أو واسعة المساحة كثيرة السكان مثلًا.. إلخ يعبر عن الخفة والسرعة.

ندب بمعنى جاز وعبر وهذا هو الأقرب الى الصحة.. أي باب العبور. 

لقد اخترت ما أعتقد أنه الأكثر صحة والأقرب إلى المنطق، لكن بنفس الوقت مثيرًا للتفاؤل في زمن قل فيه. 

عن أهمية باب المندب:

امتلك باب المندب أهمية كبيرة في نواحٍ مختلفة تخدم بعضها إستراتيجية وعسكرية، سياسية واقتصادية منذ التاريخ القديم لموقعه الهام في هذه البسيطة الذي جعله يتحكم بالحركة كبوابة بين الشـرق والغرب، إذا ما علمنا تواجد أكثر من مائة مضيق تقل معظمها عن أهمية باب العبور المندب لسبب إذا ما رُسمت دائرة على خارطة العالم مركزها المندب لوجدناها تتسع لتضم أوروبا وآسيا وأستراليا وحتى السواحل الشرقية لأمريكا الشمالية. 

لذلك فالصـراع على مضيق باب المندب قديما قدم الحضارات الإنسانية إذا ما استحضـرنا الحملات الفرعونية الأولى 2743، 2731 ق.م والثانية 1500،1479 ق.م ومعها حملات الإغريق خلال الأعوام 1980، 1935ق.م، وصولًا إلى فترة الدعوة الإسلامية 641م عند إرسال الخليفة صاحب الفكر العسكري الإستراتيجي الفذ والملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوة بحرية إسلامية إلى المضيق لتأمينه. 

 

الصراع على مضيق باب المندب في العصر الاستعماري:

كلما تقدمت العصور الإنسانية وازداد التنافس بين الإمبراطوريات والدول على النفوذ تعاظمت أهمية باب المندب عسكريًا في سبيل الحصول على المكاسب الاقتصادية، وإن لبست لبوس الدين، على سبيل المثال الاستعمار البرتغالي، حين أرسل ملك البرتغال قوة بحرية الى البحر الأحمر التي عبرت باب المندب "لاحظ عبرت " إلى عدن لتنفيذ أهداف الحملة المحددة من مليكه بنشر المسيحية والحصول على ثروات الشرق، لاحظوا أن الهدف الأول هو نشر المسيحية ومع استمرار وتكرار تلك الحملات البرتغالية وتمركزها في باب العبور المندب في العام  1502م وتجولها في سواحل البحر الأحمر وخليج عدن بقوة غاشمة حتى العام 1622م لم يُمسوحوا واحدا، بل مسحوا ثروات المنطقة.

واشتد التنافس بين القوى الاستعمارية: البرتغال، الهولنديون، العثمانيون، الإسبان، الإيطاليون، الفرنسيون والبريطانيون على مناطق شواطئ البحر الأحمر بالتركيز على باب المندب بشاطئيه الشـرقي والغربي لتتبادل الأدوار بوسائل المخاتلة والعنف فيما بينها، حتى تمكنت كل من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا من احتلال أهم المناطق المطلة على باب المندب وكل شواطئ البحر الأحمر.

مع إن فرنسا مسيطرة على أهم جزء في الشاطئ الغربي ما عرف بالصومال الفرنسـي، حاليًا جيبوتي، فقد كانت تخطط للسيطرة الكاملة من الضفتين على باب المندب، إذ كان أحد بل أهم دوافعها الرئيسة لفتح قناة السويس الذي ضاعف كثيرًا من أهميته هو إحكام السيطرة التامة عليه، إلا أن بريطانيا كانت لها بالمرصاد وهي التي احتلت مدينة عدن على غفلة منها في عام 1839م ثم أتبعتها باحتلال جزر ميون وسقطرى إلخ.. خوفًا من إقدام فرنسا التي احتلت أهم مناطق شواطئه الغربية كما سبق، إذ عززت وجودها في عدن ذات الأهمية الإستراتيجية السياسية والعسكرية والإقتصادية، التي كانت هي هدفا لكل تلك القوى الاستعمارية، بحكم تلك الأهمية التي تمتلكها كمفتاح لمضيق باب المندب المشار إليها بوضوح واهتمام في رسالة القائد البرتغالي( البوكيريك) الموجهة لمليكه حينها  قائلا " ينبغي الاستيلاء على عدن وإقامة قلعة فيها كون فيها ميناء صالح لأن يكون مرسى "ملجأ" لسفننا أيام الشتاء، كون عدن لا تبعد إلا ثلاثة أيام فقط عن مضيق المندب فإني أعتبرها المفتاح لهذه المضائق ".

وهذه الأهمية مع حداثة الوسائل وتحديث الأهداف والمصالح هي ما دفعت بريطانيا لاحتلال عدن من العام 1939م وحتى العام 1967م التي منها توسعت ومنها انحسرت وغادرت، وهي التي كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس فكُفنت في عدن وقُبرت في الجزيرة التي لا تظهر عليها الشمس حسب تعبير الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل، لا تنسوا حقد وارثيها على عدن الذي كان حبًا جمًا.

أهمية عدن الإستراتيجية في هذا العالم عظيمة منذ القدم، تتضاعف وتزداد أهميتها مع تقدم الإنسانية واكتشاف الجديد من وسائل النقل بشكل عام والبحرية بشكل خاص، وإذا كانت هي أول من ضاعف أهمية مضيق باب المندب كما رأينا في رسالة القائد البرتغالي في مرحلة من مراحل تخلفها فهو يعني بتلك الأهمية الموقع الجغرافي وطبيعة الميناء النادرة الصالحة لرسو السفن بحماية وتأمين طبيعيين، فقد زارها قبله بأكثر من ألف وخمسمائة سنة في فترة من فترات  ازدهارها ذلك الازدهار الناجم عن استثمار موقعها الهام من أهلها البحار الروماني مترو بولس الذي زار شواطئ البحر الأريتيري أو أوسان إيريا أي البحر الأحمر وشواطئ خليج عدن عام 29م، وأطلق عليها تسمية الــــــــعـــــــــــربــــــــــيـــــــــة الـــــــــــسعيــــــــــــــدة لما رآه من ازدهار معمارها ومينائها الذي كان يصدر المعادن الثمينة والعطور والبهارات، مما أسال لعاب القراصنة للانتشار على خطوط ملاحاتها في البحار وخاصة بحر العرب، تلك التسمية بالسعيدة اتسعت لتشمل كل جنوب الجزيرة العربية بشكل خاص، واليمن بشكل عام تيمنًا بعدن التي رأينا ولمسنا وعشنا فيها سعادة وإن كانت قصيرة فالأمل بعودتها قريب إن. شاء الله.

هذا ما يقتضـي الإشارة هنا إلى أن أهمية موقع عدن الإستراتيجي وطبيعة مينائها وثقافة أهلها ضاعفت من أهمية مضيق باب المندب، التي جاءت قناة السويس لتزيده أهمية وبنفس الوقت رفعت من وتيرة الصراع الاستعماري من أجل السيطرة عليه. 

 

الصراع على باب مضيق المندب أثناء الحرب الباردة:

كان لـباب العبور مضيق باب المندب أهمية كبيرة أثناء الحرب العالمية الأولى في حسابات القوى المتحاربة رغم بعده المباشر عن ساحات القتال وزادت أهميته في الحرب العالمية الثانية بحكم اكتشاف البترول في منطقة الجزيرة.

بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يتكثف الوجود الأمريكي على حساب الدول الاستعمارية السابقة، وتحديدًا فرنسا وبريطانيا، وحتى انهيار الإتحاد السوفييتي كان التواجد الأمريكي الغربي في المنطقة يكرس من أجل السيطرة على المضائق وخاصة مضيقي باب المندب وهرمز ومعهما قناة السويس.

في سبيل تثبيت أقدام التواجد الأمريكي الهادف  استغلال ثروات المنطقة  كان يرتكز على عوامل التخويف من الدب السوفييتي الذي يسعى إلى السيطرة على المنطقة،  بدءًا بسيطرته على المضائ،  فنشـر الشيوعية ثم التهام أنظمة الحكم فيها ومعها الثروات، مما جعل حكام المنطقة في حكم الاستجابة الدائمة لإشارات الخوض في المواجهة بين المعسكرين ضد ذلك التهديد الشيوعي الوجودي بكل السبل وعلى رأسها قبول إن لم تكن دعوات لتواجد القواعد ومختلف الأشكال العسكرية الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام  في المنطقة.ذلك التواجد الذي سيكون موضوعنا التالي.

 

ما يتعلق بالمعسكر الاشتراكي بقيادة الإتحاد السوفييتي في هذا الاتجاه ( رحمة الله تغشاه ) كان يسعى من جانبه إلى الوصول إلى المياه الدافئة، ولكن على أجنحة الآيدلوجيا ومكافحة الاستعمار، حيث أتيحت بعض الفرص أولًا في كل من مصر ثم سوريا واتجه جنوبًا باتجاه مضيق باب المندب من جانب ضفته الشـرقية من خلال دعم النظام القومي في عدن بُعيد الاستقلال الذي أبطأ قليلا في الإعلان عن يساريته الأممية، والتي أعلنها مع أواخر ستينيات القرن الماضي محكومة بمبادئ الوطنية أولا، تحت شعار الأممي الجيد هو الوطني الجيد، هذا ما جعل الرغبة  السوفياتية بوجود قواعد عسكرية في كل من سقطرى وميون ومنشآت مصاحبة لها بـمدينة عدن وحواليها تواجه بالرفض القاطع من قبل مختلف القيادات الحزبية والحكومية منذ الإستقلال وحتى الإنهيار مع القبول بتسهيلات للقطع البحرية السوفييتية  في موانئ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وعلى رأسها ميناء عدن، ونقاط استطلاع فنية وطائرات استطلاع وتجسس  جويين وعلى رأسها طائرات الاستطلاع والتجسس إيليوشن /18 التي أطلق عليها حلف الناتو لقب الطائر القبيح لما في جسمها الخارجي  من انبعاجات عديدة عبارة عن رادارات وكلما يتعلق بالرصد والتنصت والتصوير والاتصال الخ  . كانت تستخدم قاعدة العند الجوية، تقلع صباحًا لتعود متأخرة ليلًا (مما كان يثير كثيرًا من الشكوك عن أسباب ذلك التأخر الليلي) فوق البحار والمحيطات.!!؟.

عند قيام نظام "منجستو هيلا مريام" اليساري في أثيوبيا تمكن السوفيات من إقامة قواعد بحرية في عصب ومصوع، وقبلها في الصومال واللتان لم تستمرا حتى الانهيار بحكم تغير الأوضاع في الدولتين وصراعهما العسكري على إقليم "أوجادين" الذي تدعي الصومال بحقها فيه الواقع تحت السيطرة الأثيوبية ولم يزل.

 

باب المندب في الصراعات العربية الإسرائيلية:

 بما أن مضيق باب المندب كما رأينا من خلال استعراضنا العابر لأهميته التي وصلت إلى اعتباره بللورة ممثلة للأوضاع السياسية في البحر الأحمر، بل وفي المنطقة بأسرها، حسب تعبير الكاتب السيد عليوة، في كتابه البحر الأحمر في الإستراتيجية الإسرائلية، سواءًا في ذلك القلاقل الداخلية أو النزاعات الإقليمية، بما في ذلك القرن الإفريقي وعلاقات العرب بأفريقيا وما يتعلق بشكل رئيس بالصـراع العربي الإسرائيلي حينها الذي تحول إلى فلسطيني إسرائيلي ثم إلى غزاوي حمساوي إسرائيلي في الوقت الراهن بشكله الأعلى سخونة،   القائم على سياسة التشـريد والقتل والدمار الصهيونية  منذ بداية ذلك الصـراع الناجم عن زراعة الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي في العام 1948م.

بما لمضيق باب المندب من أثر في مجموع الصـراعات المحلية والإقليمية والدولية فإن له عظيم الأثر في خدمة الأمن القومي العربي بشكل عام، وللدول المطلة عليه بشكل خاص ومنها اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص.

لهذا فقد وضعت إسرائيل في إستراتيجيتها حرمان العرب من السيطرة على باب المندب بدء بمحاولات التدويل والحصول على حق المرور البريء والحر الخ...إلى تفكيك الوطن العربي كوحدة أمن قومي موحدة أو على الأقل متخادمة.في الوقت الذي تعمل فيه ليل نهار لتنفيذ إستراتيجيتها في الهيمنة من خلال:

  1. التوسع الإقليمي سواء بإتجاه الدول العربية المجاورة.
  2. توسيع الإستطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
  3. ضمان التفوق العسكري في مجالي السلاحين التقليدي والنووي 
  4. ضمان الحفاظ على يهودية الدولة الإسرائيلية.
  5. تعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
  6. منع قيام دولة فلسطينية مستقلة.
  7. تكثيف نشاطها في إفريقيا وفي كل العالم بما فيه داخل الوطن العربي.

" للتذكير أنه في العام ١٩٨١م في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يكن إلى جانب إسرائيل إلا صوت الولايات المتحدة الأمريكية فقط، للمقارنة مع وضعها فيما بعد الانهيار الكبير الذي أنتج انقضاء الحرب الباردة، ودشن مرحلة صعود كبيرة على جناح الأمل بالسلام وحل الدولتين بنفس المكان الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك الأمل الذي كاد يتلاشى تمامًا حتى حرب 7أكتوبر 2023 المستمرة وعنوانها القتل الصهيوني بالجملة للشعب الفلسطيني وإعدام كل وسائل الحياة عوضًا عن التهجير دون أي اعتبار للقوانين والاتفاقيات الدولية،  تلك الصلافة الإسرائيلية وارتكابها لجرائم الإبادة جعلها تدخل في دورة جديدة من الهبوط في ذلك المحفل الدولي وفي أوساط الشعوب، ذلك السقوط سيجعلها أكثر تشبثا بممرات الحياة الدولية وعلى رأسها مضيق باب المندب.

 

تلك المبادئ التي  عملت وتعمل عليها إسرائيل كإستراتيجية حياة أو موت من الممكن أن تتعطل كثيرًا إن لم تستطع السيطرة أو الهيمنة على مضيق باب المندب الذي عانت منه إستراتيجيتها تلك سلبًا في حرب الاستنزاف مع مصـر وإسرائيل أواخر ستينيات القرن الماضي بفعل استقلال الجنوب عن الاحتلال البريطاني وتعاون النظام الجديد مع مصـر، حد اعتبار الشواطئ والموانئ اليمنية جنوبية وشمالية مصـرية، هذا ما استطاعت الدولتان في عدن وصنعاء تقديمة خدمة للأمن القومي العربي، تعزز ذلك الدور في حرب العبور عام 1973 بتمكن القوى البحرية المصـرية ومعها الجنوبية والشمالية من إغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائلية.

لم يفقد مضيق باب المندب تلك الأهمية الإستراتيجية الكبرى في خدمة الأمن القومي العربي بل هو من فَقد كسلاح فتاك من يستخدمه حتى لمصالح أضيق من كل ما مضى المرور عليه. هذا ما يجب أن يتنبه له ساسة المجلس الإنتقالي وكل من تهمه القضية الجنوبية في سبيل تجنب الآثار السلبية وجني الإيجابي منها بما يخدم القضية الجنوبية في التعاطي السياسي والإعلامي.

 

التواجد العسكري الأجنبي الراهن في المنطقة:

مررنا آنفًا على مقولة أن مضيق باب المندب يعتبر مفتاحًا للسيطرة على البحر الأحمر والنفوذ على بحر العرب والمحيط الهندي. 

يحتل أهميته تلك كمفتاح لواحدة من أهم المناطق في هذا العالم وهي الشـرق الأوسط والقرن الإفريقي الذي تطل وتقترب منه دولا إفريقية من الجانب الآخر.

الشـرق الأوسط الذي يكمن فيه أكبر مخزون عالمي من النفط والغاز ويشكل سوقًا كبيرًا استهلاكيًا لمنتجات الغرب والشرق من الملعقة الى الطائرة ومن الطلقة إلى الصاروخ والبارجة والطائرة.

تمر عبر باب المندب من 15-20% من التجارة العالمية ومستقبلها أي المنطقة يتضاعف أهمية دوليًا يومًا بعد اليوم عسكريًا،  أمنيا وسياسيًا واقتصاديًا،  ومع الأسف تخرج منه أو تصنع فيه وتحديدًا تنطلق منه مهددات كبيرة للأمن الإقليمي والعالمي مثل الصـراع العربي الإسرائيلي، القرصنة والإرهاب والصـراعات الدموية  الداخلية والبينية(بين دوله) مثل العراق إيران، العراق الكويت وإيران ومعظم دول الخليج وتدخلها المباشر في شؤون دول عربية اليمن، لبنان، سوريا والعراق ومشـروعها النووي الخ. في الوقت وبنفس المكان الذي تتركز فيه أهم مصالح الدول الكبرى وغيرها.

هذا ما جعلها جاذبًا للتواجد العسكري الأجنبي بأشكاله المختلفة وعلى رأسها القواعد العسكرية، ففي منطقة القرن الإفريقي وحده ما يقرب من 19 قاعدة عسكرية، وفي منطقة الخليج العربي، وفي العراق ودول الشام ما يقرب من 9 قواعد، إضافة إلى ما في منطقة شمال إفريقيا ليبيا وتونس ما يقرب من عشـر قواعد إذا ما اعتبر التواجد في ليبيا لمختلف الأطراف عبارة عن قواعد عسكرية حسب بعض الباحثين، أي أنه حيث تتركز مصالح العالم تتركز أيضًا القلاقل والمهددات الأمنية في دائرة الجوار الجغرافي منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا.

يبرز سؤال للحاضرين هل سمعتم عن شيء مهم لحياة الإنسان وهو الإستقرار الذي يعتبر شرطًا رئيسًا للتنمية والتقدم الإنساني منذ وعيتم ما يدور حولكم في فترة ما في هذه المنطقة ؟! حاولوا أن تتذكروا؟!!؟.

 

ففي جيبوتي وحدها وهي المشاطئة لبلادنا والمطلة على مضيق باب المندب عشـرات القواعد العسكرية الأجنبية لهذه الدولة ومنافسها، أي تكاد أن توحد العالم المتصارع عسكريًا على أراضيها غير الواسعة.

أهم القواعد العسكرية الأجنبية في جيبوتي:

  1. 3 قواعد فرنسية وهي الأقدم.
  2. 6 قواعد أمريكية.
  3. قاعدة للإتحاد الأوروبي.
  4. قاعدة بريطانية.
  5. قاعدة ألمانية.
  6. قاعدة أسبانية.
  7. قاعدة صينية وهي الأحدث.
  8. قاعدة تركية.

 

القواعد في الصومال:

  1. قاعدة أمريكية تمت العودة إليها بعد الإنسحاب بقوة قليلة.
  2. قاعدة تركية.
  3. قاعدة إماراتية تحولت الى مطار مدني.
  4. سعي بريطاني لإقامة قاعدة في أرض الصومال.

 

أرتيريا:

  1. قاعدة إسرائيلية.
  2. قاعدة إماراتية.
  3. قاعدة إيرانية.

 

السودان:

  1. قاعدة روسية تحت الإنشاء.

 

 

منطقة الخليج:

  1. الكويت..أكبر عدد من القواعد الأمريكية في الخليج وأكبر قوة عسكرية أمريكية.
  2. قطر أكبر قاعدة أمريكية في الخارج وهي قاعدة العديد بالإضافة إلى قاعدة تركية.
  3. البحرين..مقر للأسطول الأمريكي الخامس( الأسطول العجوز) في الجفير وقاعدة الشيخ عيسى الأمريكية الجوية وقاعدة بريطانية.
  4. الإمارات فيها ثلاث قواعد أمريكية وفرنسية وأسترالية مع احتمال الرابعة للصين.
  5. العراق قاعدتين أمريكية وقواعد إيرانية مع مليشيات الحشد الشعبي، مع وجود تركي واسع في شمال العراق.
  6. سوريا قاعدتين روسية بحرية وجوية وتواجد أمريكي وتركي وفرنسي في الأراضي التي لم تزل بيد المعارضة.بالإضافة الى تواجد إيراني ومليشيات حزب الله.
  7. ليبيا..تتواجد فيها عشر قواعد روسية مرتزقة وتركية وعربية.
  8. تونس قاعدة أمريكية خاصة بالطائرات المسيرة.

 

المحاولات الإيرانية للسيطرة على مضيق باب المندب:

منذ القدم سعت الإمبراطورية الفارسية إلى السيطرة على البحار والمضائق ذات الأهمية الإستراتيجية في سبيل هيمنتها على شعوب المنطقة، ومن خلال سيطرتها على الخليج العربي الهام طبع في الذاكرة التاريخية والجغرافيا عالميًا تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي كما هو معلوم للجميع،  وفي العصـر الحديث وبدوافع الذهنية الفارسية الإمبراطورية سعت إلى تحقيق هيمنتها على المنطقة زمن الدولة الشاهنشاهية من خلال خلق القوة العسكرية الكبرى  حتى أطلق عليها في فترة حكم الشاه محمد رضى بهلوي بالشـرطي الأمريكي الغربي كبديل للتواجد الاستعماري الغربي المباشر، تمثل ذلك بعديد من صور وعوامل الهيمنة منها الاحتلال المباشر لجزر عربية وأهمها جزر طنب الكبرى والصغرى التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

انقضى عصر الشاه في أواخر سبعينيات القرن العشـرين الماضي ولم تنقضـي معه تلك الأحلام الإمبراطورية الفارسية بمجيء نظام الملالي، بل جاء بما هو أسوأ وأشد خطورة المتمثل ليس بالتمسك بالميراث الإمبراطوري الشاهنشاهي وترسيخ اغتصاب الجزر العربية فحسب بل وبنهج تصدير الثورة إلى الجوار، وإلى ما هو أبعد من ذلك في هذه المعمورة، وخاصة إلى أفريقيا على جناح التبشير الشيعي إستغلالًا لحاجات شعوبها الغارقة في الفقر والأزمات. 

 

أما في المنطقة فقد مررنا على ذلك آنفًا باختصار لا يخل بالإيضاح إذ وصل الأمر بإعلان طهران بجدل في السيطرة على العاصمة الرابعة من الدول العربية عام 2014 باغتصاب السلطة في صنعاء من قبل ذراعها المليشيات الحوثية.

كان ذلك الاحتفال على أمل إحكام السيطرة على مضيق باب المندب، والوصول إلى شواطئ بحر العرب لما يمكنها من تقوية ومضاعفة تأثيرها الكبير في السيطرة على مضيق هرمز لما كخطوات ذات أبعاد إستراتيجية على طريق استعادة أحلامها الإمبراطورية الفارسية، فشل ذلك الهدف بمقاومة جنوبية عنيفة وبصمود منقطع النظير وتضحيات كبيرة خلال العام 2015 بعون ومساعدة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الذي قطع تلك الذراع الإيرانية التي يجب التنبه جيدًا بأنها عاودت النمو بقوة وأصبحت أشد خطرًا ليس على الجنوب وقضيته فحسب بل وعلى دول المنطقة العربية بشكل عام والنفطية بشكل خاص، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الذي يكمن في خاصرتها بشكل مباشر. تتضاعف مخاطر التهديد ليس بحكم امتلاك وسائل التهديد الخطرة فحسب بل بحكم رفدها لعقلية المهدد الجاهل الذي يعتبر أداة طيعة عمياء لعقلية الطموح الفارسي الإمبراطوري المقرون بعقيدة الحق الإلٰهي بالسيادة والتحكم.

إنها باختصار شديد أشد المهددات خطورة على القضية الجنوبية بل وأخطر القواعد وأكبرها في المنطقة إلى جانب أخواتها في العراق وسوريا ولبنان كقواعد إيرانية متعددة الاستخدام لما تمتلكه من خصائص تميزها كثيرًا عن القواعد الأجنبية.

 

تلك هي تقريبا القواعد العسكرية الأجنبية والأخطر منها المليشياوية المحلية في عموم المنطقة. بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكتفِ بما لديها من قواعد عسكرية ومخزون السلاح وتواجد سابق في المنطقة، بل دفعت في الأشهر الماضية حتى أغسطس من هذا العام أي ما قبل طوفان الأقصـى بقوة بحرية كبيرة إلى البحر الأحمر، تحرك معظمها إلى شرق المتوسط بعد اندلاع طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، ليلتقي هناك ليس مع القوة البحرية المتواجدة مسبقًا، بل مع أقوى وأحدث حاملات الطائرات الأمريكية التي دفعت إلى مياه شرق المتوسط إثر اندلاع عملية طوفان الأقصـى في فلسطين إضافة إلى أحدث غواصة نووية تصل المنطقة، حيث يعتبر أكبر حشد عسكري بحري أمريكي خارج الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى حساب التواجد في شرق آسيا حيث الصراع ساخنا كان أن يشتعل.

 

تعاظم أهمية مضيق باب المندب على إثر طوفان الأقصـى وحرب الإبادة الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني :

عملية طوفان الأقصى لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة لم تضف الجديد إلى العلم والفن العسكريين الجديد فحسب بل أضافت الجديد والأكثر جدة إلى التاريخ الإنساني بشكل عام ومستقبل العالم. فالعالم بعد غزة لم يعد كما كان قبلها.

فربما أن مقولة الرأسمالية تحفر قبرها أصبحت قابلة للتحقق، بدء نشوء بالرأسمالية المتوحشة التي أتت على إثر الانهيار الكبير، انهيار المعسكر الإشتراكي الذي قام على قاعدة ضرب الرأسمالية في أضعف حلقاتها المخالف لصيرورة تلك النبوءة وقواعد تحققها، تلاها أثناء حرب الإبادة الصهيونية للشعب الفلسطيني في غزة دفن مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في مقابر للنظام الرأسمالي في هذه المعمورة. 

يؤكد ذلك:

  صحوة الضمير العالمي في عقر دار تلك البلدان الرأسمالية الداعمة للإبادة الجماعية للسكان الأبرياء في غزة ومعها الضفة الغربية.

.. انتشار الفقر في تلك البلدان الغنية.

.. صحوة ونهضة البلدان النامية ضد نهب ثرواتها لصالح أغنياء البلدان الرأسمالية وليس لصالح شعوبها في عدة بلدان أفريقية وغيرها.

.. إنقسام عالمي يعيد إلى الذاكرة زمن الحرب الباردة بصور جديدة، مثال على ذلك مجموعة بريكس التي أعلنت كثير من البلدان النامية استقلالها عن التبعية الأمريكية والغربية وعلى رأسها بلدان عربية في مقدمتها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية.

هذه المتغيرات المحتملة بواقعية كبيرة عالميا ستكون آثارها على منطقة الشـرق الأوسط كمنطقة قائدة في التغيير العالمي أشد تغيير في دواخلها وداخلها في احتمالين:

؟.. الإحتمال الأول ضعف إن لم يكن إنهيارًا للمعسكر الداعم لإسرائيل الذي تعرى داخليًا وخارجيا.

؟.. الإحتمال الثاني في سبيل الإطالة من عمر التوحش الرأسمالي أن تستخدم قواه القوة الغاشمة داخليًا وخارجيًا لفرض هيمنته.

وفي حالة تحقق هذا الإحتمال ستشهد المنطقة أيضًا  إحتمالين :

؟..الإحتمال  الأول مصالحات واسعة بين دول وأنظمة المنطقة عربيًا وإسلامياً بما يحقق مصالح الشعوب انطلاقا من مبدأ أن من لا يستطيع حماية نفسه لا يحمي الآخرين.

؟.. الإحتمال الثاني  أن تنهض ثورات شعبية داخل شعوب المنطقة دوافعها عديدة منها ثورة جياع والإحساس بالمهانة وضرورات استعادة الكرامة رافعة شعارات قومية، إسلامية مستفيدة من مراحل طويلة فشل فيها الشعار الواحد القومي أو الإسلامي اللذان تضادا وأوصلا الأمة العربية والإسلامية إلى ما هي عليه من تخلف. 

هذه الثورات الشعبية لن تكون ضد الأنظمة القائمة بمختلف أشكالها بل ستكون بمشاركتها، كون الدول المؤيدة للعدوان الإسرائيلي المتخلية للمبادئ التي لبستها لحقب طويلة وضعتها في حرج لا بعده حرج أمام شعوبها وفي مقدمة ذلك الجيوش وأجهزة الأمن.

تلك الحرب وتأثيراتها على العالم وفي المنطقة على النحو الذي رأيناه وغيره كان لها أثرها المباشر على تاريخ وحاضر الصـراع الدولي على مضيق باب المندب الذي بدره يمتلك آثارا مباشرة على حاضر ومستقبل القضية الجنوبية.

الأمر الذي يتطلب متابعة دقيقة لمجمل التطورات والمتغيرات وتحديد بدقة متناهية أي الإحتمالات الأكثر حظًا في التحقق وغيرها من الإحتمالات بين هذا وذاك وعلى رأس ذلك حظ إيران ومليشياتها في المنطقة بشكل عام وفي اليمن بشكل خاص من ركوبها/ استيلائها بتعبير آخر للقضية الفلسطينية أو خذلانها. 

المسألة لا تحتمل انتظار النتائج النهائية بل هي بحاجة إلى سبر الأغوار للمتغيرات المحتملة بحذر ودقة متناهيتين ورسم السياسات والإستراتيجيات الملائمة لما فيه خدمة القضية.

بشكل أولي لا يتطلب التجنح في الصـراع الدولي الروسي والصيني من جهة والأمريكي الغربي من جهة ثانية وخاصة الحرب في أوكرانيا في وسائل الإعلام هذا أولًا، وثانيًا عدم الظهور بمظهر المتراخي أمام ما يجري من حرب إبادة في غزة إعلاميًا وجماهيريًا، لأن الطرف المؤيد وأقصد الأمريكي الغربي يعلم بأن ما يعمله هو ضد جماهيره هو بذاته.

 

الأثر المباشر للصراع الدولي على مضيق  باب المندب وتوظيفه لصالح القضية الجنوبية:

بما أن القضية الجنوبية حسب تعريف الدكتور عيدروس نصر ناصر هي (قضية شعب صودرت حقوقه ودمرت دولته وانتهكت سيادته ومسحت هويته ونهبت ثرواته وسطحت ثقافته ووئدت أحلامه وزور تاريخه وسدت أمام مستقبله  أبواب الإختيار وآفاق التطور  ).

أما بدايتها فمثلما اختلف كثيرون في تعريفها أيضا لم يتفق الكثيرون عن بدايتها وأعتبر بدايتها بشن حرب 1994م الظالمة ضد الشريك الجنوبي وكل الجنوب.

القضية الجنوبية بهذا التعريف تطلب ويتطلب وحدة الصف الجنوبي، حشد الطاقات للعمل السياسي الديبلوماسي مع الخارج بمختلف عوامله المؤثرة على القضية ويأتي على رأسها الصـراع الدولي على مضيق باب المندب الذي اختير بعناية ودقة كبيرتين كموضوع لهذه الندوة، الورشة بما له من أهمية على حاضر ومستقبل القضية الجنوبية بل والمنطقة بشكل عام.

٠٠ جرى السعي لحلها بالطرق السلمية بنشوء الحراك الجنوبي السلمي كمواصلة لنشاط منظمات سبقته كموج  ومعهما وبالتحديد منظمة تاج التي أسستها مجموعة في لندن برئاسة الدكتور عبدالله أحمد بن أحمد إلى أن تم الاجتياح الحوثي للجنوب في 2015 ذلك الاجتياح الذي قوبل بوحدة جنوبية منقطعة النظير تمثلت بمقاومة عسكرية أذهلت الصديق والعدو قُدمت فيها تضحيات كبيرة.

هنا يبرز سؤال هام وهو كيف لنا أن نستثمر ذلك العامل المتمثل بوحدة الصف الجنوبي حينها واستعادته في الظروف الجديدة بما يناسبها من سبل ووسائل في سبيل إنجاز المهمة النهائية.

أولاً.. هذا ما يوصلنا إلى أنه باندحار تلك المليشيات عسكريًا ليس إلى خارج حدود الجنوب قبل 1990م، بل وتجاوزت المقاومة الجنوبية تلك الحدود بكثير وهو ما جعل الجنوب محررًا من احتلال مليشاوي وغيره، وبقيت المهمة الثانية وهي استعادة الدولة مع سيطرة على أراض خارج حدود الدولة الجنوبية عام 1990م التي تعتبر كورقة هامة للتفاوض.

ثانيًا.. نعلم أن ذلك التواجد العسكري الدولي  في المنطقة الناجم عن الصـراع على مضيق باب المندب، لا شك سبقه في دول التواجد عمل ديبلوماسي ولكل تلك الدول ممثليها الديبلوماسيين أينما ذهبت في هذا العالم، هذا ما يتوجب العمل في أوساطهم من باب أن الجنوب محررًا وليس محتلًا كما نسمع من البعض بل ونقرأ في وثائق وأدبيات  المجلس الإنتقالي، هذا ما يساعد على  التفاهم مع ديبلوماسيي تلك الدول ويسهل  التفهم للقضية وما المطلوب منهم في سبيل إنجاز المرحلة الثانية من القضية وهي استعادة الدولة بوسائل سلمية عبر طرق السياسة وسبل الديبلوماسية  وليس وسائل عسكرية لطرد المحتل غير الموجود أصلًا، أعتبر هذا واحدا من أهم العوامل المحققة لاستعادة الدولة في حالة الاستثمار الملائم. كون تقديم الجنوب كبلد محتل يعقد الموضوع إذ يذهب التفكير إلى وسائل وسبل التحرير وهي الأكثر صعوبة وتعقيدًا.

كما إن التعامل الفعال مع المناطق المسيطر عليها من قبل المليشيات الحوثية (الشمال بما فيه المناطق المحررة منه) بذهنية إستراتيجية لا تنعدم لديها وسائل التكتيك السليمة  مع واقع مثالي في التفكك في ظل حرب وهو عدم مساعدة العدو على وحدة صفوفه بجملة من كلمتين.مثل ( الإحتلال  اليمني ).الذي يوحد كل أطرافه المتخاصمة والمتقاتلة وهذا ما يتطلب أولًا ترسيخ التحالفات مع القوى المواجهة والمتضـررة من سيطرة المليشيات الحوثية وعلى رأسها قوى مجلس القيادة الرئاسي والعمل بجدية مع قضية الوسط بما فيها تهامة إلخ..

ثالثاً.. ذلك الصـراع الدولي على باب المندب بتواجده العسكري كما مضى لم يأتِ ترفًا بل لأهميته في خدمة مصالح الدول المتصارعة، رغم كلفته الكبيرة في الوقت الذي نتواجد على مشارفه ولنا مصالح أمنية، عسكرية واقتصادية، هذا ما يتطلب دراسة مصالح تلك الدول وما تدفعه من كلفة كل دولة على حدة، ووضع تصور وإن وصل الى أعلى حدوده عن دور الدولة الجنوبية القادمة في تأمين تلك المصالح مقابل دعم أمني عسكري واقتصادي.

رابعًا..الإرهاب يعتبر واحدًا من أعلى المهددات الأمنية خطورة بما فيه لتلك الدول المتصارعة على النفوذ في المنطقة والسيطرة على المضائق، لهذا فإن مكافحته ليست من واجب المجلس الإنتقالي لوحده او الحكومة الشرعية أو دولة الجنوب القادمة أو أي دولة منفردة أو حتى مجموعة دول، إذ أنه يعتبر وبشكل دقيق مهمة دولية، لا شك أن اليمن والجنوب حاليًا ومستقبلًا ضمن ذلك التحالف الدولي الذي بدأ تفعيله إقليميًا بإنشاء التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب من 33 دولة عربية وإسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية كدولة قائدة إقليميًا وصاعدة عالميًا، إن ما قامت به القوات الجنوبية بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي من دور فعال بمكافحة الإرهاب يعتبر عاملًا هاًما في مشاركة الجنوب كعضو فعال في ذلك التحالف بشهادة الواقع والوقائع.

في سبيل التهيئة للعضوية الكاملة ولما تمتلكه من أهمية لا بد من العمل على ربط تلك المهمة محليًا وإقليميًا ودوليًا وعدم الانفراد  لعدة أسباب وأهداف منها العمل تحت ومع منظومات إقليمية ودولية، الاستفادة من تجارب مكافحة الإرهاب من قبل التحالفات الدولية والإقليمية، جلب الدعم المادي والمعنوي والإعلامي، تقليل الخسائر المادية والبشـرية، اختصار الوقت، تحقيق نجاحات ميدانية تدعم الأمن والاستقرار في الداخل ويسهم في ترسيخ الأمن الإقليمي والدولي بما يهيئ المناخ المناسب للاعتراف الدولي بأهمية استعادة الدولة الجنوبية من الباب الأمني المضاف إلى الجوانب الأخرى، كثمن يُستلم من خلال التهيئة لعقد اتفاقات مكافحة الإرهاب من قبل المجلس ثم من قبل الدولة الجنوبية القادمة بدعم تلك الدول وغيرها إقليميًا ودوليًا.

رابعًا..التلويح بعقد اتفاقات أمنية، دفاعية مع الدول ذات التأثير العالمي في سبيل تأمين مصالح الطرفين  "الأطراف" وبشكل حصيف. مع عدم الإشارة إلى المماثلة بالدولة الشقيقة الجارة المشاطئة لبلادنا على واحد من أهم مضائق العالم دولة جيبوتي التي نحترم خياراتها.

خامسًا.. متابعة المتغيرات العالمية على إثر عملية طوفان الأقصـى وحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والتأييد الأمريكي الغربي الفج وتراجعه النسبي أخيرًا واحتمالات تأثيرها على المنطقة بشكل عام والقضية الجنوبية بشكل خاص.

سادسًا.. متابعة أثر تدخل المليشيات الحوثية سلبًا وإيجابًا داخليًا، إقليميًا ودوليًا وعلاقة ذلك بالقضية الجنوبية.

من أجل كل ذلك فان الأمر يتطلب خلية / جماعة خاصة بالمتابعة بدقة متناهية على ضوء استنتاجاتها تتخذ السياسات الإعلامية والقرارات داخليًا وخارجيًا.

 

 

ختام:

إن مقاربة مختلف القضايا بغض النظر عن مستوى تأثيرها على القضية الجنوبية سواءًا داخليًا أو خارجيًا عبر البحث العلمي والدراسات الإستراتيجية هي الطريق الصحيح المؤدي إلى النجاح، شرط ألا يكون مصير مخرجات هذه الندوة، الورشة سجنها في أرفف المكتبات والمكاتب ومخزونات الكمبيوترات وغيرها.

   

 

المراجع:

  1.  اليمن والبحر الأحمر 

الموضع والموقع. 

المستشار حسين علي الحبيشي. 

دار الفكر المعاصر بيروت.

  1. الصراع الدولي حول البحر الأحمر 

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

آمال إبراهيم محمد. 

مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء. 

  1. أهمية مضيق باب المندب في التاريخ الحديث والمعاصر 

د قصي حامد حبيب 

مركز الدراسات والبحوث اليمني. 

  1. باب المندب في الإستراتيجية الإسرائيلية

الدكتور السيد عليوه. 

مركز الدراسات العربية لندن. 

  1. التاريخ القديم للعربية الجنوبية 

الجزء الأول 

محمد عباس ناجي الضالعي 

مركز عدن للبحوث والدراسات الإستراتيجية. 

  1. الأهمية الإستراتيجية لمضيق باب المندب. 

عقيد أ ح عبدالله علي نجاد. 

  1. شبكة النت.
  2. أحداث عاشها الباحث، العميد الركن/علي ناجي عبيد.