"قراءة في كتاب"..

"الومض مجموعة قصصية" الاعتماد على اساس تشاؤمي.. تأليف حيدر حيدر

اعتمد الكاتب حيدر حــيـدر في  مجموعته القصصية الومض على السرد المتقطع حيث يسير من حدث زمني حاضر واني الى اخر بعيد وماضي، استرجاع ذكريات واحداث ووقائع وربما عبارات وصور متماشيا مع حالات شعورية مغتربة ومؤلمة.

الكاتبة الروائية اسمهان حطاب وغلاف كتاب الومض من تأليف حيدر حيدر - أرشيف

اسمهان حطاب
كاتب وروائية عراقية تكتب لـ"صحيفة اليوم الثامن" قراءات في كتب واصدارات أدبية
بغداد

.يقول كارل سا غان( من الافضل ان تتبنى حقيقة قاسية على ان تعيش خرافة مطمئنة)، وكاتبنا ( حيدر) صاغ هذي المجموعة القصصية معتمدا على اساس تشاؤمي بحت ساحقا الامل ومنطويا في حلقات حزينة التشاؤم والحزن  الذي يؤدي باصحابه الى انهاء حياتهم ضجرا وتمردا على واقع ايامهم.

اولى قصصه هي( الصيد وحكايا البشر)،نجد صيادا يجول البراري بأدواته البسيطة بحثا عن صيد مناسب ارنب مثلا، كان يحمل صمته معه حيثما حل، لكن حين التقى بكهلا يجلس عند كهفه، انفجر من جوفه بالون اسراره، كان الكهل والحديث معه دواء شافيا، فهو يحمل عبء ثقيل من اسرار اثقلت كاهله، الكهل جالس والصياد يبوح، تذكر امه التي ماتت انتحارا وحرقا بعد ان وصلتها اخبار كاذبة عن ابنها قد سجن وتم التمثيل به وبقساوة وضراوة، لم تحتمل ذلك الخبر فقطعت اثدائها ورمتها نحو السماء ثم اضرمت النار بجسدها ليغدو رمادا،  واستذكر ماريا التي لملمت جثة امه المحترقة وسارت في جنازتها بعد ان رفضها الناس وحرم رجال الدين السير بعدها، ماريا هذه ايضا عانت من اب مغتصب وزاني باهله، رفضه الناس وارادوا ان يطهروا الارض منه، فاحرقوا داره.

هذا الرجل الشاذ كان يعتقد ويؤمن ان هذا الذي حدث في زمن مابعد الطوفان جده اضطجع مع ابنتاه وهو اضطجع مع ابنته وهو يعاقب بأرث قديم حتى سال الدم في عروق الاجيال ووصل اليه.

 

صيف محترق

حكاية الشاب الذي احرق نفسه بالبنزين على ايقاع موسيقى زنجية،(ياله من تضارب وتناقض يخلقه الكاتب ينتحر ويحترق وهو يستمع الى موسيقاه المفضلة!! اية ميتة كانت تلك !،شاب وسيم تربى في كنف والديه وجدته التي طالما اهتمت به،في صغره عانى الصرع ونوباته واصبح ملازما له ،كبرحتى صار عسكريا باسلا،لكنه مازال يحمل مرضه وكربه،دفعه الم التحمل ان يكتب رسالته الاخيرة الى والديه محملا اياهم املا ان ينجبوا اطفال اصحاء ولايحبون الموسيقى الزنجية.

.

.الومض

حديث متفائلا مغروس وسط غابة بؤس وحزن  ،بطلها شاب يسير في الشوارع الخضراء وجوها الماطر يشعر الجمال في كل ما حوله ويبعد كل ما يذكره بالحزن او يؤرقه.

 

حميمود

راعي البقر المنبوذ من القرية ،الوحيد بعد ان توفي والداه وفقد البقرتان الاختان اللتان كان يهتم لامرهماعبيدة وزيتونة،بعد ان ماتت الاولى في يوم قائظ وبيعت الاخرى،تعلم الحزن والفقدان حين خسر من يحبهم ويحبونه،سكن الكهف ونام فيه بعد ان فقد الانتماء مع قريته،لايهتم لامره احد ولايفتقده احد،تشاء الصدفة ان تفلت بقرته وتاكل من اشجار القرية المحرمة.ليغضب عليه حارس المزرعة ويضربه بعصا سنديانية قوية توديه قتيلا،فيما تستمر الحياة في القرية دون ان يبالي بشأنه احد،وهنا يشير الكاتب الى رجال  الدين الذين اكلوا حقوق الفقراء واموال الزكاة ليتزوجوا وينجبوا ويتكاثروا،ويشتروا المزارع والطعام ويعمرون دارهم واملاكهم ،وكيف يكون عقاب من يأكل من اشجارهم المحرمة.

حالة طلق

 

عوالم مختلفة،تعيش وقائع مختلفة احاسيس واوجاع مختلفة،على نهر اسماعيل يبحث عن صيد مناسب مع كلبه يجد في النهر بطا ويحاول الامساك باحدها لكنها تطير،وسيدة تخوض الام الطلق تتاوه وتتألم،تعض اصابعها ووسادتها،تساعدها القابلة برش الماء المقدس  والطلق يتناوب عليها مرات عديدة.

بيت منعزل في البرية ويوم قائظ سيدة جميلة وشاب يعيشان حالة حب برفقة الموسيقى والشراب.

كنيسة يعلو منها صوت القس مرتلا صلوات  وطقوس الحياة ،الاب والابن والروح القدس، الهبوط والصعود،الثواب والعقاب،وعذابات البشر.!

حكاية خلدون الذي يعيش في كنف والديه وجده،جده رفيقه الذي لايكل ولايمل من  روايةالحكايات والقصص قصص المظلومين والمحزونين حفظها خلدون في قلبه ورددها والتصقت به طرده ابيه ذات ليلة،كما طرده معلمه من المدرسة،جاب الازقة والطرقات وحيدا،كان جريئا ويتفوه مايخطر على باله دون خوف لم يكن لديه محظور، فهو منبوذ لامحالة سكن البراري وعاش مع الحشرات والحيوانات،اعتاد ان يروي القصص لمن يجدهم يحتسون الشراب فيطلبوه في مقهى على البحر لانه يروي قصص فاضحة عن رجال الدين والسلطة،بعد ان يطيل الحكاية يطرد من الجلسة،ويعيش وحدته ووحشيتهم،ذات يوم قرروا قتله بلا رحمة.لانه ادان افعال رجال السلطة والنفوذ والقوة.

 

طقوس العار

 

حكاية الراعي الاصلع الذي اعتاد على سخرية بنات القرية،يودع القرية ليخدم في الخدمة العسكرية يتذكرو توصية امه ان يكون شجاعا وذو عقل،يغادر القرية يودع منازلها،هناك تبدو عليه القوة والالتزام فيترفع يقع في حب الثكنة والالتزام العسكري.يزداد صلابة وقساوة حتى يسموه وحشا،كان جاهلا للقراءة ولايعرف غير التدريب العسكري والجنود ،تصبح الثكنة اهم مافي حي…

اعتمد الكاتب حيدر حيدر في  مجموعته القصصية الومض،على السرد المتقطع،حيث يسير من حدث زمني حاضر واني الى اخر بعيد وماضي،استرجاع ذكريات واحداث ووقائع وربما عبارات وصورمتماشيا مع حالات شعورية مغتربة ومؤلمة.

واستخدم اسلوبا سرديا اخر في جانب اخر من قصصه متمثلا بالمونولوج او الحوار الداخلي،حوار النفس ،سخر من قضايا تخص الاديان ورجال الدين من خلال روى واحلام باستخدام لغة شعرية ساحرة ومستفيضة المعاني محققا ادهاش القارئ وموصله الى تشويق حذر من احداث موجعة تخص الوطن والانسان كروح وبنية ونفس،كان لرجال الدين حصة في اغلب قصصه ،استعان بأسماء انبياء ومرسلين كأسم صريح ، حيث سخر من استغلالهم هالتهم المقدسة لمشاريع دنيونية خالصة تصب في مصلحتهم الخاصة وملذاتهم.حيث شيدوا لانفسهم تماثيل مقدسة مزيفة ومجوفة فارغة ،استفاضت النصوص بالتعبيرات والافعال الجنسية الصريحة،لم تكن ممتعة بل تثير الضجر والالم فهي تظهر في مواطن الولادة والمخاض وحلم يقظة غريب.

كانت الاحداث السياسية والوقائع والمناخ السياسي غير ظاهر علنا لكن نستشعره من خلال شخوص وابطال الرواية والاشارات الرمزية ،خراب الديار والزمن،ايام السفر،حطام النفس وتلاشيها،انكسارها واحباطها  كان خير دليل على مايحدث في سوريا من تغيرات سياسية وعنف،واضطراب افكار واتجاهات وانقلابات فكرية.

استطاع الكاتب حيدر حيدر  من الولوج بطريقة التعبير السوداوي،الى النفس المعذبة والسجينة،تتحسس ألأمها واحزانها،طرقها الملتوية التي سارت بها في موج مظلم وعتيق،عرض صور بائسة لمحزونين بائسين،ضحايا المجتمع،اب يطرد ابنه،ام تنتحر،وتحرق نفسها،اصدقاء ساخرين وسلبيين،صمت المظلومين والمحجوبين عن العالم،مفردات الجوع والعطش والقتل والانتحار،اورد الكاتب الفعل الجنسي والرغبات والملذات في اغلب سطور مجموعته القصصية،استعرض الاديان من خلال اسماء الانبياء والمرسلين،استنكر وسخر من رجال الدين المنافقين،الذين اتخذوا من الدين وسيلة لاخذ اموال الزكاة لمصلحتهم ونزواتهم،واستغلوا مناصبهم لافعال لاتليق برجالات الدين،اشار الى قوة المتنفذين واصحاب السلطة ممن قتلوا واستعبدوا العباد.

استعان الكاتب بلغة شعرية جميلة واسلوب فلسفي وجودي ،طرق اسئلة عميقة عن وجوده وسبب بقاءه وخوفه.

استعان بحيلة التعبير المجازي كأن يروي قصة شعبية بسيطة لكن المعنى منها اعمق واكثر دقة اصاب الهدف المراد منه ،حيث فيه اشارة لموضوع انساني كبير وقضية وطنية او سياسية ودينية هامة،