"اليوم الثامن" تبحث في مستقبل المشروع الإرهابي في الجنوب..

"قاعدة جزيرة العرب" في أبين.. لعبة خلط الأوراق وصراع الأيادي الخفية.. أعمدة متصدعة وسقوف متهاوية (قراءة تحليلية)

حروب تنظيم القاعدة في الجنوب، تفتح الباب امام جملة من التساؤلات حول الأسباب والدوافع، وأبرز تلك التساؤلات هل يراد للجنوب ان يظل ساحة صراع مفتوحة تعرقل قيام مشروع الدولة الوطنية، ويصبح خيار الاستقرار مقابل هيمنة صنعاء ومأرب على منابع النفط.

فيلم بثه تنظيم القاعدة زعم انه يوثق عملياته ضد قوات الحزام الأمني الجنوبية في محافظة أبين 2022- مجتزئة

فريق الابحاث والدراسات
فريق البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات
عدن

  تمهيد: أعلن مسؤول أمني  في مدينة لودر بمحافظة أبين (170 كم) شمال شرق العاصمة عدن، تهريب عناصر من تنظيم القاعدة كانت معتقلة على ذمة قضايا إرهابية لدى قوات الحزام الأمني في المدينة في العاشر من يناير/ كانون الثاني 2023م، جراء هجوم شنته عناصر من التنظيم المفترض على قاعدة عسكرية وسط المدينة.

وقال العقيد صدام حسين بن غرامة – قائد قوات التدخل السريع – في تصريح صحفي – حصلت اليوم الثامن على نسخة منه "إن مقر قوات الحزام الأمني تعرض لهجوم واسع من قبل عناصر تنظيم القاعدة يقودهم القيادي في التنظيم "وقيع الصيدي"[1].

وفسر غرامة أهداف الهجوم، بغية اطلاق عناصر في تنظيم القاعدة معتقلة لدى قوات الحزام الأمني".. مشيرا الى ان الهجوم الذي خلف قتلى وجرحى "شارك فيه عناصر إرهابية ينتمون لتنظيم القاعدة  بقيادة الإرهابي وقيع الصيدي، وكانوا يرتدون اللباس الأفغاني وهم متلثمون ويوجد معهم بعض العناصر التي لا تنتمي للقاعدة وقد تكون لهم أغراض وأجندات أخرى، وكان الهدف من الهجوم على "الحزام الأمني هو تهريب مساجين ينتمون لتنظيم القاعدة  وعناصر ارهابية تابعة للقاعدة متواجدين في سجن مقر الحزام الأمني".

واتهم العقيد صدام غرامة "تشكيلات عسكرية مناوئة للحوثيين (لواء الاماجد ومقاومة الحازمية)، بالمشاركة في الهجوم الذي شنه تنظيم القاعدة على مقر قوات الحزام الأمني"؛ وتلك الاتهامات ان صحت فهي قد تشير الى وجود أطراف محلية يمنية وأخرى إقليمية بالوقوف وراء مخططات هدفها القضاء على قوات الحزام الأمني، كما يوضح غرامة في تصريحه.

واتهم غرامة قوات الشرطة المحلية بمساندة الهجوم على قوات الحزام الأمني، ولم تتمكن اليوم الثامن من الحصول على تعليق من مدير شرطة لودر العقيد عادل العوسجي الذي لم يجب على هاتفه الخلوي.

في أغسطس/ اب من العام 2022م، أطلق المجلس الانتقالي الجنوبي[2] – السلطة السياسية المتحالفة مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية – عملية عسكرية نوعية في محافظة أبين، أطلق عليها عملية "سهام الشرق"، وهدفها طرد عناصر تنظيم القاعدة من أبرز معاقل "وادي عومران" شرقي مدينة مودية، وقد نجحت القوات المحلية الجنوبية التي تكافح الإرهاب بدعم من القوات المسلحة الإماراتية التي تشرف على ملف مكافحة الإرهاب في الجنوب منذ العام 2015م، عقب طرد الحوثيين المتحالفين مع إيران من منها.

 وجاءت عملية "سهام الشرق" [3] عقب عملية لتنظيم القاعدة استهدفت قوات الحزام الأمني في أبين، وقد خرج التنظيم في فيلم وثق العمليات الإرهابية ضد القوات الجنوبية متوعداً من وصفهم بالانفصاليين الجنوبيين ودولة الامارات العربية المتحدة التي تقود الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب[4].

 

 مقدمة 

تنظيم القاعدة في أبين، يعد واحدة من ابرز المشكلات الأمنية التي تواجه المجتمع المحلي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث سجل أول ظهور لتنظيم قاعدة الأفغان العرب، من جبال حطاط، التي أعلن التنظيم منها حربه على ما وصفها بقايا الشوعية في الجنوب الذي كان قد دخل للتو  في مشروع وحدة اندماجية مع نظام الجمهورية العربية اليمنية.

في الـ22 من مايو/ أيار العام 1990م، وقع في العاصمة الجنوبية عدن على مشروع وحدة اندماجية دون أي رؤية مستقبلية لهذا المشروع الذي لم يكتب له النجاح منذ الشهور الأولى، حيث جاء توقيع اتفاقية الوحدة، بالتزامن مع تحالف نظام الجمهورية العربية اليمنية في صنعاء مع الأفغان العرب الذي عادوا للتو من أفغانستان، وشاركوا في حرب الاجتياح التي مهدت لها فتوى دينية أصدرها وزير العدل في الجمهورية العربية الإخواني المتطرف عبدالوهاب الديلمي، وقد اتبع تلك الفتوى العديد من الخطب الدين التي تصدرها رجل الدين الإخواني المتطرف عبدالمجيد الزنداني، والمتضمنة دعوة الاشتراكيين الى الإسلام بدعوى انهم "ليسوا مسلمين".

ولم تكن هذه الفتاوى التكفيرية في حق شعب مسلم، والتي لبست مسوح الدين، الا عبارة عن أيديولوجيات سياسية عدائية منطلقة من عقائد لا تختلف عن النازية والفاشية، في استباحت دماء الأبرياء وقتلهم، ولكن هنا جاءت تحت خديعة "الإسلام يحارب الشيوعية".

 

المطلب الأول: تأريخ الإرهاب في محافظة أبين

 

تشير تقارير صحافية إلى أن  البدايات الاولى لاستهداف الارهاب للجنوب تعود الى اعوام 1988 و1989 حيث كشف النقاب قبل فترة من الان عن تفكير وخطة كان يعتزم زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن اطلاقها وتنفيذها في الجنوب قبل مشروع اتفاقية الوحدة اليمنية عام 1990 وضد النظام السابق في اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية انذاك) وتحديداً في عام 1989 من خلال القيام بأعمال «جهادية» عسكرية وتشكيل حركة او تنظيم جهادي على علاقة بالقاعدة ومحاولة اسقاط ذلك النظام باعتباره نظاماً شيوعياً ومعادياً للإسلام بحسب توصيف تنظيم القاعدة وزعيمه له[5].

وكان الامين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني المعارض جار الله عمر ، لقي حتفه بعد كشفه عن خطة اسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» ضد النظام في الجنوب، حيث كان ضحية لتلك العناصر الإرهابية التي اغتالته يوم 28 ديسمبر (كانون الاول) 2002، خلال مشاركته في مؤتمر لتنظيم الاخوان المسلمين في صنعاء، وكان جار الله عمر من ضمن المئات من القيادات الاشتراكية - أغلبهم جنوبيون – التي استهدفها الإرهاب القاعدة منذ ما قبل توقيع اتفاقية الوحدة بين الجنوب واليمن.

وكل تلك العمليات الإرهابية، وان اختلفت اصابعها، ولكنها تعمل على بصمة واحدة "قتل كل من يفضح مخططاته، او يحاول القضاء على مشاريعها، فهي لا تفرق بين من كان معها وتمرد عليها او من وقف ضدها".

في عام 1998، أسس خالد عبد النبي[6] ما يعرف بالجيش الإسلامي بأبين وأصبح زعيم ما يعرف بـ"جيش عدن أبين الإسلامي" الذي يستقي أدبياته من الفكر الجهادي.

ورغم مبايعته أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، وعلاقته بعدد من قيادات التنظيم البارزة في اليمن وخارجه، إلا أن خالد فضل أن يكون طليقا دون الانضمام إلى تنظيم محدد، مكتفياً بتقديم الدعم اللوجستي والمادي لأي من الجماعات الأصولية الجهادية والتي وفق نظرته تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق الخلافة الإسلامية، وإخراج "الكفار" من ديار "الإسلام".

وشارك مع جموع من "المجاهدين" اليمنيين، فيما يعرف بحرب "الوحدة" ضد الجنوب صيف عام 1994، إلى جانب القوات اليمنية "لقتال الكفار الاشتراكيين ومن والاهم، تزامنا مع الاتفاق الثنائي الذي جمع ما بين علي عبد الله صالح وعبد المجيد الزنداني لاستدعاء المقاتلين الراديكاليين اليمنيين من أفغانستان للمشاركة في القتال الدائر باليمن.

في أغسطس 2008، اشتبكت قوات الأمن المحلية مع عناصر عبد النبي في محافظة أبين وقتل في المواجهات 5 من رجاله المقاتلين، وإلقاء القبض على 28 من أنصار "القاعدة" من بينهم عبد النبي.

وافق خالد عبد النبي حينها، على الدخول في حوار مع علي عبد الله صالح، قاده القيادي في إخوان اليمن حمود الهتار[7]، تمخض عنه اتفاق ثنائي تضمن مساندة الأخير في قتالهضد قوى الحراك الجنوبي، مقابل إطلاق سراحه وكافة عناصره المقاتلة.

ليطلق سراحه عام 2009 في إطار عفو عام شمل قرابة 175 مسلحا من تنظيم القاعدة[8]، وعاد إلى أبين مركز قوته، ليعيد نفوذه من جديد وجمع صفوف مقاتليه.

وتشير حروب تنظيم القاعدة في أبين، احداث بلدة المعجلة الحدث الأبرز في محافظة أبين والجنوب، ففي ديسمبر/ كانون الأول العام 2009 : ارتكبت القوات الأمريكية واليمنية (مجزرة المعجلة) على اثر  هجوم زعم انه استهدف قاعدة تدريب مزعومة للتنظيم المتطرف، وقد اسفرت تلك الضربات في مقتل وجرح عشرات المدنيين، بينهم 14 امرأة و21 طفلا، قتلوا في تلك العملية.

وقالت أيه بي سي نيوز إن صواريخ كروز الأمريكية كانت جزءا من هذه الغارات، لكن الولايات المتحدة عقب تلك المجظرةو نفت انها شاركت في هذه الغارة على الرغم من وجود الأدلة من «منظمة العفو الدولية».

بين الـ19 و25 من أغسطس / أب 2010 شنت قوات محلية هجوما كبيرا لاستعادة السيطرة على مدينة لودر  التي اخضعها تنظيم القاعدة في وقت سابق حينها، لكن التنظيم عاد مرة أخرى وسيطر على أجزاء من المدينة لتكرر العملية في الـ 25 أغسطس/ أب العام 2011 من تحريرها وطرد التنظيم بعيدا عن المدينة الجنوبية التي ظلت لاحقا عصية على التنظيم في اخضاعها.

 في الـ 27 مايو/ ايار 2011، سيطر مسلحو القاعدة وعددهم يفوق الـ250 مقاتلا على مدينة زنجبار مركز محافظة أبين والواقعة على شريط بحر العرب.

ووجهت قوى الحراك الجنوبي السلمي المنادي باستقلال الجنوب، الاتهامات لنظام علي عبدالله صالح والاخوان المسلمين في صنعاء، بالوقوف وراء مخطط اسقاط أبين في قبضة تنظيم القاعدة المفترض.

وحتى مايو أيار/ العام 2012م، ظلت زنجبار وجارتها جعار في قبضة تنظيم القاعدة، الى حين حاول التنظيم توسيع رقعة سطرته بالهجوم على مدينة لودر، معقل قبائل العواذل كبرى قبائل أبين، التي حمل افرادها السلاح في مواجهة التنظيم المفترض، واستطاعت القبائل بدعم محلي من هزيمة التنظيم قبل ان تتوسع المقاومة القبلية للتنظيم إلى زنجبار وجعار لتخرج منها القاعدة وتترك أبين لكن بعد ان أضحت أكثر من اثنا عشر ألف منزل ومفرق حكومية مدمرة بالكامل".

 

المطلب الثاني: اختيار "تنظيم القاعدة" لأبين

 

لم تمض على توقيع مشروع اتفاقية الوحدة، في منتصف العام 1990، سوى بضعة شهور، حتى احتضنت مرتفعات "حطاط" في أبين تشكيل أول جيل لتنظيم القاعدة بفرعه اليمني، على يد "أبو الحسن المحضار"، والذي حمل اسم "جيش عدن أبين"؛ وهنا يمكن طرح سؤال أكثر جدية: هل كانت هذه الجماعات المتطرفة تتحرك بتلقائية ام هناك معسكرات وخطط وامكانيات قد بيتت للجنوب الطعنة الغادرة؟.

إن اختيار أبين من قبل الرعاة لتنظيم القاعدة المفترض في الجنوب، يعود لعدة أسباب من بينها "طبيعة التضاريس الجبلية الشاهقة والاودية التي تساعد على الاختباء والتمترس، وكون أبين هي ظهر عدن، وهناك جوانب تاريخية كانت لأبين فيها علاقة ما بين العبور من البيضاء لقوات اليمن كي تغزو عدن، لذلك احتلت المحافظة هذا الموقع الهام والخطير في كل الصراعات بين الجنوب العربي واليمن، وهو ما يتكرر اليوم وان اختلفت الأساليب، كانت في الماضي غزوات من الهضبة اليمنية الزيدية بجذورها الفارسية، بينما اليوم تستخدم جماعات دينية منسلخة عن المذهب الشيعي الزيدي، ولكنها تقاتل معه من منطلق الغرض السياسي.

وكلها تتجمع لتصب في اتجاه واحد اقتحام الجنوب وصنع الأرض المحروقة حتى يظل الوضع، في حالة عدم استقرار، وهذه الركيزة الهامة التي تجمع بين الحوثيين والإخوان وتنظيم القاعدة لاحتلال الجنوب.

وتمثل محافظة أبين أيضا "بموقعها الاستراتيجية" نقطة اتصال بين عدن وحضرموت، وهذا يطلق عليه في علم السياسة "نظرية التجمع والاقتحام"، واي اسقاط للمحافظة يعني قصل حضرموت عن عدن، وهو ما حصل في العام 2011م، حين سلمت الوحدات الأمنية اليمنية مركز المحافظ مدينة زنجبار لتنظيم القاعدة المفترض دون أي مقاومة تذكر، وهو ما اضطر المواطن الجنوبي في محافظات شبوة والمهرة وحضرموت، الى العبور عن طريق محافظة البيضاء اليمنية، بعد ان تم قطع الطريق الدولية في أبين.

استغل تنظيم القاعدة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، الحالة المعيشية التي يعاني منها الغالبية العظمى من سكان أبين، للتمترس والبقاء وإقامة القواعد الإرهابية، خاصة في تلك المناطق النائية جداً والتي لم تصلها يد التطور ، وبعيدا عن أي سلطة أمنية يمكن ان تحمي السكان من هذه العناصر التي تقوم بتجنيد الشباب الفقراء واغرائهم بالمال السياسي الذي يعمل على إعادة برمجة العقول، بخدع "منها الجهاد في سبيل الله لتحرير بيت المقدس، ومحاربة الكفار[9]، وتصوير للشباب الذين لا يزالوا في مقتبل العمر "ان المجتمعات الجنوبية ليست مسلمة"، بالاستناد الى فتاوى عبدالوهاب الديلمي.

ويمكن وصف تمركز تنظيم القاعدة في أبين إلى المعرفة الكاملة بجغرافية المنطقة وعملية مثل هذه، ويمكن الإشارة الن عمل مثل هذا لا يتم الا بعقلية الاستخبارات لدول لها باعٍ في صناعة الحروب الاهلية وتفجير المجتمعات من الداخل.

 

المطلب الثالث: العلاقة بين تنظيم القاعدة والأذرع الإيرانية في اليمن

 

كشفت القوات الجنوبية خلال عملية سهام الشرق في أبين، عن وجود عبوات ناسفة مصنوعة محليا او اعيد تصنيعها على يد خبراء إيرانيين، كانت في وقت سابق تظهر بحوزة الحوثيين، قبل ان يستخدمها تنظيم القاعدة لاستهداف القيادات الأمنية الجنوبية.

وعلى الرغم من ان تنظيم القاعدة، أعلن حربه ضد الحوثيين لخلفية دينية طائفية "على اعتبار انهم شيعة اثناعشرية"، ولكن هذا لم يكن الا نوع من المغالطات السياسية، وستارة سوداء تحجب التحالف الحقيقي بين هذه الجماعات التي تجمع بينها عقيدة الإرهاب.

ويمكن تفنيد هذا التحالف بشخصية أمنية حوثية هو اللواء عبدالقادر الشامي، بدأ عمله مع التنظيم المتطرف في العام 1998، بتسهيل عملية اختطاف سياح أجانب حين كان يشغل منصب مسؤول جهاز المخابرات في محافظة أبين،

فيما نفذ تنظيم القاعدة أول عملية اختطاف لسياح أجانب عام 1998، بتسهيلات من الذي كان يشغل منصب مسؤول أمني في المحافظ، قبل أن يتحول اليوم إلى أخطر الأذرع المخابراتية لمليشيات الحوثي[10].

ويفسر ذلك بان الشامي قد لعب دورا كبيرا في وقف الاعمال القتالية بين القاعدة والحوثيين، ويمكن الإشارة الى قيام الحوثيين بالإفراج عن قيادات في التنظيم كانت معتقلة في سجن الأمن السياسي بصنعاء، قبيل الحرب التي شنها اخوان اليمن على محافظة شبوة في العام 2019م.

ومنح الحوثيون اللواء عبدالقادر الشامي منصب نائب رئيس جهاز الامن والمخابرات[11] ، ومنذ خمسة أعوام توقف الخطاب الهجومي لتنظيم القاعدة على الحوثيين، وتركز خطاب التنظيم في مواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي ودولة الامارات العربية المتحدة، وهو استنساخ لخطاب الاذرع الإيرانية تجاه عدن وأبوظبي.

وهذا يدل على ان تنظيم القاعدة قد انتقل من مرحلة الاحتياط في هذه المعركة الى مرحلة المشاركة الفعلية، وهذا ما كان يحدث في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، الذي جعل تنظيم القاعدة ورقة يحركها وفق مصالح اللعبة السياسية، واليوم نجد نفس المنطق يجمع بين الحوثيين وهذه الجماعات المتطرفة في مشروعهم التآمري، ليس فقط على الجنوب، بل على دول الجزيرة العربية التي تدرك تماماً ان الجنوب لو سقط بيد هذه الجماعات سوف يصل الحريق إلى براميل النفط وسوف تشتعل المنطقة برمتها.

 

المطلب الرابع: مصادر التمويل واهداف تنظيم القاعدة  

 

تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية لديه فروع عديدة ومصادر متعددة للدخل، الكثير من أطراف الصراع المحلية والاقليمية تمول القاعدة لتحقيق اهدافها، وهذه الاهداف حتى الآن لم تصل الى نقطة مشتركة مع تلك الاطراف التي تمول التنظيم.

مما يجعل ورقة القاعدة جزءا من لعبة المساومات بين القوى الاقليمية والدولية على مستقبل الجنوب، ولكن يبقى هناك سؤال مهم :"هل فعلا منطقة شقرة، غنية بالنفط والغاز مما يجعل هناك أكثر من طرف يتصارع عليها من بوابة القاعدة التي ليس لها وجه واحد في هذه اللعبة"، ولكنها مجرد وسيلة قد يتم الاستغناء عنها في اي وقت لو ترتب المصالح بين الاطراف الدولية.

يلجأ التنظيم في كثير من الاحايين إلى عمليات الاختطاف ومن ثم المفاوضة على الفدية للحصول على مكاسب مالية سريعة، لكن هناك ما يمكن الحديث عنه هو لماذا يتم استهداف القوات الجنوبية دون غيرها في هذه المناطق، ربما هذا يدل على عدم تمكين القوى العسكرية الجنوبية، من هذه المناطق وحتى تظل مبتورة عن السيادة الوطنية السياسية لمشروع الدولة الجنوبية القادمة.

الحرب التي تخوضها قوات سهام الشرق في أبين، هي بكل تأكيد تكشف عن وجود تحالفات وتقاطع مصالح بين الاذرع الإيرانية المتمثلة بالحوثيين وبين جماعة الاخوان الممولة من قطر، وكليهما يتفقان بشكل رئيسي على ان يظل الجنوب دون استقرار.

يجب ان يكون في الادراك ان هذه الجماعات المسلحة لا تحمل اي مشروع دولة بل هي ميليشيات لتفجير الاوضاع أمنيا فقط، ولذلك تصبح مسألة الدخول معها في حوار خديعة سياسية يقع فيها الطرف الذي يظن ان الحوار مع هذه الجماعات (الاخوان والحوثيون) قد يؤدي إلى حل سلمي ولكن مسألة الحوار بالنسبة لها مجرد كسب للوقت واعادة ترتيب اوضاعها كي تبدأ بالهجوم من جديد.

 

المطلب الخامس: أمراء الحروب وتنظيم القاعدة في الجنوب

 

تصادم المصالح الإقليمية والدولية في الجنوب، لعبت الدور الأكبر في خلق بؤر التوتر التي تحيى فيها الجماعات الإرهابية، وكل ما طالت مدة الازمات تواصل هذه الجماعات مع بعضها البعض لتشكل حلقات مشتعلة وتعمل على كسر كل محاولة لفرض النظام والقانون وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

لذلك لا تقف المصلحة فقط عند الغرض السياسي او العسكري، بل هناك أموالا كثيرة تدخل في حسابات أمراء الحروب الذين يحصدون الكثير من الأموال، على حساب دمار الأوطان وقتل الشعوب، هنا تصبح المسألة كم المكسب وكم الخسارة، فلا يدخل فيها عرف ديني ولا اخلاق ولا حقوق انسان.

وهذا يدل على ان هذه اللعبة لا تعرف حدود الاخلاق الإنسانية، بل هي تتبع نظرية "الغاية برر الوسيلة"، وكم هو محزن ان ينزل الدين من قداسة السماء، الى مصلحة الأرض[12].

 

المطلب السادس: مستقبل مشروع الإرهاب في الجنوب

 

حروب تنظيم القاعدة في الجنوب، تفتح الباب امام جملة من التساؤلات حول الأسباب والدوافع، وأبرز تلك التساؤلات هل يراد للجنوب ان يظل ساحة صراع مفتوحة تعرقل قيام مشروع الدولة الوطنية، ويصبح خيار الاستقرار مقابل هيمنة صنعاء ومأرب على منابع النفط.

تاريخيا بدأ الإرهاب بضرب الجنوب منذ عهد الائمة  القديم، وهذا يؤكد على ان الصراع بين الجنوب العربي واليمن، صراع له ابعاده التاريخية وليس وليد عام 1994م، وما حدث ما هو الا استنساخ لفتاوى التكفير والحروب الممنهجة عقائديا ضد الشعب المسلم في الجنوب، وهي قادمة من مصادر تاريخية ما زالت حتى اليوم جزءا لا يتجزأ من عقيدة ومذهب كل من حكم اليمن، ونظر الى الجنوب كخصم وغنيمة.

 ويمكن الإشارة الى الامام أحمد حميد الدين، حين سعى لضم شبوة في العام 1954م، عندما أعلنت الشركات الامريكية للتنقيب عن النفط أن شبوة تسبح على بحار من النفط، زعم الامام احمد انها جزء من المملكة المتوكلية الهاشمية، وما ما لم يتحقق في ذلك الزمان، تحقق في حرب 1994م، حين شن تحالف اليمن الحزبي والمذهبي والقبلي والمناطقي، حربه على الجنوب بدعوى محاربة الشيوعية لكنه كان يهدف الى تنفيذ ما يمكن وصفها بوصية الامام أحمد حميد الدين؛ "الامامة هي من ظلت تحكم باسم الجمهورية والوحدة اليمنية".

 النتائج

يمكن الاستنتاج ان بقى الجنوب دون تحرير وتأمين من خلايا الإرهاب والتنظيمات المتطرفة المدعومة من مركز الحوثيين في صنعاء والاخوان في مأرب، يمكن ان تصل نيران الإرهاب الى منابع النفط، وقد دللت الاعتداءات الحوثية والتهديد الإيراني والجماعات المتطرفة، لدول الخليج بانها لن تكون بعيدة عن هذا البركان المشتعل الذي قد يضرب مصالح القوى العظمى ويعيد ترتيب حسابات المنطقة من جديد.

 ونرى انه من المهم اليوم دعم التوجهات الجنوبية في إقامة دولة جنوبية قوية تساعد الرباعية العربية "السعودية، الامارات، مصر، البحرين"، على مواجهة التحديات التي تهدد المنطقة، فالجنوب بات له خصوصية وحسابات سياسية لا يمكن اغفالها في أي عملية سياسية، متصلة بأمن المنطقة، سواء عبر البحر او الجو او البر.

يمكن للقارئ الحصيف ان يخرج بعدة تصورات ليس فقط مرهونة بالراهن، ولكن بنظرة مستقبلية نسعى من خلال هذه القراءة التحليلية على تأكيدها، بان الدولة الجنوبية العربية، هي السد المنيع الذي سوف يحمي المنطقة من خطر "طوفان النار"، ان تعاملت بعض الأطراف الإقليمية مع القضية الجنوبية، على انه "مشكلة يمنية محلية"، بينما الكل يدرك انها "مصير دول ومصالح شعوب".

https://alyoum8.net/files/012023/63cc43d3530c6.pdf

تنزيل "قاعدة جزيرة العرب" في أبين.. لعبة خلط الأوراق وصراع الأيادي الخفية

-------------------------
المصادر

[1] "جبهة الحازمية تدخل خط الحرب ضد الحزام الأمني".. قتلى وجرحى في مواجهات عنيفة.. هل ثأر "القاعدة" لهزيمته في لودر؟ - صحيفة اليوم الثامن

[2] الزبيدي يرأس اجتماعاً طارئاً للحكومة.. "سهام الشرق".. تنهي وجود القاعدة في أهم معاقله بالجنوب - صحيفة اليوم الثامن

[3] انفراد.. "سهام الشرق" تعلن تطهير كامل محافظة أبين من إمارات تنظيم القاعدة - صحيفة اليوم الثامن

[4] القوات الجنوبية تخوض معاركها ضد الاذرع الايرانية وتنظيم القاعدة يتوعد بالانتقام - صحيفة اليوم الثامن

[5] «الأفغان العرب» بدأوا عودة مخططة لليمن أوائل التسعينات وتحالفوا مع الحكومة في الحرب الأهلية قبل أن يصطدموا معها – صحيفة الشرق الأوسط السعودية

[6] من هو "عبد النبي" الذي بايع بن لادن ثم تبع البغدادي؟ - قناة العربية السعودية

[7] إخوان اليمن والإرهاب.. حمود الهتار.. حليف "تنظيم القاعدة" في أعلى هرم القضاء باليمن - صحيفة اليوم الثامن

[8] "رئيس لجنة المناصحة مع "القاعدة".. "القيادة الرئاسي" يطيح برئيس السلطة القضائية.. فمن هو حمود الهتار؟- صحيفة اليوم الثامن

[9] كتاب معالم في الطريق لمؤلفه سيد قطب ومن أشهرها وأكثرها جدلاً، تتركز فيه أفكاره الأساسية في تكفير المجتمعات الإسلامية

[10] تنظيم القاعدة في اليمن – صحيفة العين الإخبارية الإماراتية

[11] عبدالقادر الشامي نائب رئيس جهاز الامن والمخابرات – قناة المسيرة الناطقة باسم الحوثيين 

[12] المؤلف – مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات