صحيفة أمريكية ترى أن موقف الغرب ضعيف للغاية..
تقرير: فلاديمير بوتين.. هل ستغير العملية العسكرية بأوكرانيا "العالم"؟

بوادر بداية أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية - أرشيف

قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن الغرب أساء قراءة ما يدور في ذهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وذكرت الصحيفة أن ضابط المخابرات السوفيتية السابق أمضى سنوات في مهاجمة نظام ما بعد الحرب الباردة وأرسل إشارات متكررة بشأن اعتزامه توسيع دائرة نفوذ روسيا.
ورأت الصحيفة أن القوى الغربية وحلفاءها الذين اتحدوا في معارضة العملية العسكرية التي يقودها الرئيس الروسي بوتين في أوكرانيا، لا يستطيعون القول إنه لم يوجه إليهم تحذيرات بأنه سيقوم بذلك.
وأضافت أن بوتين سعى منذ 15 عاما إلى شجب الهيمنة الأمريكية على الشؤون العالمية وانتقد بشدة النظام الأمني الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بصفته تهديداً لدولته. وخلال السنوات التي تلت ذلك، قام بضم أجزاء من جورجيا، وشبه جزيرة القرم، وأرسل قوات إلى إقليم دونباس شرق أوكرانيا.
كما بعث بوتين بإشارات متكررة إلى اعتزامه توسيع نطاق النفوذ الروسي، ووصف توسع حلف شمال الأطلسي، الناتو، في شرق أوروبا بأنه تهديد وجودي لأمن روسيا، وأكد أنه يرى أوكرانيا جزءا من روسيا، بحسب الصحيفة.
وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أنه "حتى وقت قريب، كان عدد قليل من القادة الغربيين يعتقدون أن بوتين سيشنّ غزوا واسع النطاق ضد أوكرانيا، ولم يقدّروا بشكل صحيح إصراره على استخدام القوة، بنفس الطريقة التي قام خلالها الاتحاد السوفييتي السابق بغزو تشيكوسلوفاكيا في عام 1968، للسيطرة من جديد على الدول الواقعة على أطراف روسيا".
ونقلت عن الجنرال المتقاعد هربرت ماكمستر، المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، قوله :"كانت هناك حالة من النرجسية الاستراتيجية، والفشل في تقدير العاطفة والأيديولوجية والطموح الذي يدفع بوتين والأجهزة الأمنية المحيطة به".
وترى الصحيفة أن هجوم بوتين الشامل على أوكرانيا وضع الغرب في موقف ضعيف للغاية، حيث يسعى لإيجاد سبل لردع عدوان الكرملين والتأثير على زعيم روسي أبدى صراحة ازدراءه للغرب وأثار الشكوك بشأن استعداده لاتخاذ إجراءات حاسمة.
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن أوكرانيا هي من يتحمل الآن تكاليف فشل الغرب في ردع روسيا، والتي ظلت على مدى 14 عامًا في حالة معاناة استراتيجية, فقد كان في انتظار الحصول على عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي، لكنها لم تقبل على الإطلاق الانضمام إلى الحلف والضمانات الأمنية التي قدمتها.
وعلى المدى الطويل، مزق الغزو العلاقات الباردة بالفعل بين التحالف الغربي وموسكو.
وخلال الأشهر الأخيرة، أعلن كبار المسؤولين الأمريكيين خطط غزو بوتين. لكن سوء قراءة بوتين مر عبر العديد من الإدارات الأمريكية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وكتب جيرالد سيب في صحيفة "وول ستريت جورنال" أن التوغل العسكري الروسي في أوكرانيا عملية لن تخلف تأثيراً محدوداً، بل ستغير العالم.
تفسر هذه المصالح المتضاربة رد فعل بكين المحرج، حيث امتنعت عن تأييد خطوة موسكو، لكنها تحدثت بغموض عن احترام "المخاوف الأمنية الشرعية للبلدان المعنية" بالتقدم نحو دولة سيادية لإخضاعها، حطم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين البنية الأمنية التي حافظت عليها أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة.
ومرة جديدة، قوضت الأزمة الأوكرانية قدرة الولايات المتحدة على تحقيق ما تعهد به ثلاثة رؤساء متتاليين، بالتخلص من النزاعات الدولية للتركيز على المنافسة مع الصين. وظهرت الانقسامات في السياسة الأمريكية، بين الأمميين والانعزاليين الجدد، خاصةً داخل الحزب الجمهوري.
وعلى غرار هجمات 11 سبتمبر(أيلول) الإرهابية، تشكل بوادر بداية أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، خروجاً عن القاعدة التي تخفى عواقبها ولاعبيها. ولفت الكاتب إلى تأثيرين حتميين لهذه الحرب.
أولاً، سرعت روسيا إلى حد بعيد جهود بوتين لاستعادة بعض النفوذ وأراضي الاتحاد السوفيتي السابق، ما يؤثر على أكثر من عشرة بلدان منتشرة عبر خريطة أوروبا ما بعد الحقبة السوفيتية. وتشعر الحكومات في بولندا، وليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا بالقلق من استهدافها بعد أوكرانيا، وإدراجها في لائحة بوتين لزعزعة استقرار الدول المجاورة.
وثانياً، اتحد التحالف الغربي عامة، وحلف شمال الأطلسي خاصةً لمواجهة روسيا، وقد تخضع هذه الوحدة لضغوط وتوترات في الأسابيع والأشهر المقبلة. ومع ذلك، رأى المسؤولون الأمريكيون أن نجاحها قد يحول مغامرة بوتين في أوكرانيا إلى خطأ استراتيجي فادح. فاليوم، يبدو عمق التماسك الغربي وصلابته على المحك، في ظل تردد ألمانيا في مواجهة بوتين.
وفي المقابل، بدأت صادرات الغاز الطبيعي الأمريكي المسال تسد الفجوة التي خلفها تراجع الصادرات الروسية، ما يشير إلى إمكانية بناء علاقة جديدة مع الحلفاء الأوروبيين.
لكن السؤال اليوم هل تنجح جهود عزل موسكو، بفرض عقوبات اقتصادية، في الدفع إلى تقارب بين روسيا، والصين.
وفي الواقع لروسيا والصين مصلحة مشتركة في بناء دفاعات ضد الضغوط الاقتصادية التي يمكن أن تمارسها الولايات المتحدة. وتسهم المساعدة الفورية التي يمكن أن تقدمها الصين لروسيا في تخفيف بسيط للعقوبات، المقرر تشديدها.
وعلى نطاق أوسع، تتشارك الدولتان الدافع للعمل معاً على بناء نظام مالي دولي مواز، بعيداً عن نظام الدولار الذي تقوده واشنطن.
مع ذلك، فإن للصين مصالح أخرى في علاقتها مع الولايات المتحدة ولا تبدو مستعدة لقطع العلاقات بالكامل، ما قد يحد من تعاونها مع روسيا.
وتفسر هذه المصالح المتضاربة رد فعل بكين المحرج، حيث امتنعت عن تأييد خطوة موسكو، لكنها تحدثت بغموض عن احترام "المخاوف الأمنية الشرعية للبلدان المعنية".
من جهة أخرى قد تؤثر الأزمة الأوكرانية على جهود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي. وإذا قطعت امدادات الطاقة الروسية عن الأسواق العالمية، قد يوفر الاتفاق الذي يفتح الصنبور على نطاق أوسع للنفط الإيراني راحة مهمة.
ويشعر بعض المسؤولين بالقلق من سعي كوريا الشمالية إلى الاستفادة من الوضع في أوكرانيا لتكثيف أنشطتها الخاصة بالأسلحة النووية والصاروخية.
وفي النهاية سرعان ما ظهرت تبعات الأزمة داخل أوكرانيا وخارجها، وجددت النقاش المضطرب بين من يفضل أن تحافظ واشنطن على دور عالمي نشط، ومن يرغب في انسحابها من النزاعات الدولية، للتركيز على الجبهة الداخلية.
ولفت الكاتب إلى الانقسام التقليدي في السياسة الأمريكية، الذي لخصه الرئيس السابق دونالد ترامب في شعار "أمريكا أولاً"، واليوم، قد يكون هذا الدافع أوضح بفضل المرشح الجمهوري لعضوية مجلس الشيوخ جي دي فانس، الذي أعلن أن "النزاع الحدودي بين روسيا وأوكرانيا لا يهم الأمن القومي للولايات المتحدة"، مضيفاً "قادتنا الأغبياء يسمحون له بأن يشتت الانتباه عن مشاكلنا الداخلية".
وسرعان ما وصله رد سريع من أحد منافسيه الجمهوريين الأساسيين، جين تيمكن، التي قالت في حسابها عبر تويتر إن "الأمريكيين يؤمنون بقوة قادتهم، لا بلا مبالاتهم".
وشهد سكان العاصمة الأوكرانية كييف القذائف تنهمر كالمطر على المدينة خلال الأيام الماضية، تماما كما حدث في عام 1941، في بداية حرب وحشية تجرعت فيها أوكرانيا معاناة لا يمكن تصورها.
وتقول الكاتبة والمحللة الأمريكية كلارا فيريرا ماركيز في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إنه "مع انتشار صور العائلات الأوكرانية وهي تحتشد في الطوابق السفلية ومحطات مترو الأنفاق بالمدينة طلباً للسلامة، بينما تضىء الهجمات الصاروخية السماء، من الصعب عدم إجراء هذه المقارنة، فقط هناك استثناء وهو أن التهديد هذه المرة قادم من الشرق".
وتضيف أن "المقارنة منقوصة، لكنها واضحة لكثير من الأوكرانيين، وتتناقض تماماً مع مزاعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يحرر أوكرانيا من النازية، ففي إشارة لما حدث في عام 1941، عندما كانت كييف الهدف الأول للنازيين، قال بوتين مؤخراً (لن نسمح بارتكاب هذا الخطأ مرة ثانية)".
وهي مقارنة ترى ماركيز أنه ليس من الحكمة أن يتجاهلها الكرملين، حتى وهو في حالته الوهمية؛ وهي أن حملات الحرب الخاطفة دائماً ما تكون جذابة في أعين مخططيها، لكن نادراً ما تكون بغير ألم أو قصيرة الأمد - حتى بالنسبة للدول القوية التي تتمتع بتفوق عسكري واضح، فالقوات الروسية قد تجتاح العاصمة الأوكرانية تماماً، لكن الحفاظ على تلك السيطرة في وجه قوة دفاعية متحمسة وشعب يكن لها العداء، ناهيك عن تحقيق هدف بوتين الأطول مدى المتمثل في تغيير النظام والأمن، يعد أمراً مختلفاً تماماً.
وتقول ماركيز أنه من الملاحظ أن هناك صموداً أوكرانياً في مواجهة روسيا، وأنباء عن استعادة السيطرة على أحد المطارات بعد مهاجمة قوات روسية محمولة جواً له، وهناك مسالة أعداد القوات، إذ أن نظرية القتال تقضي بأن القوات المهاجمة تحتاج على الأقل أن تكون النسبة ثلاثة إلى واحد لاجتياح القوات المدافعة في المقام الأول، وأن هذا أمر مؤكد حتى في حروب هذه الأيام؛ في ظل التكنولوجيات الحديثة والأنظمة الذاتية الحركة، كما قال لماركيز ميك رايان، وهو مخطط استراتيجي وميجور جنرال متقاعد في الجيش الأسترالي.
فالقوات الروسية التي يبلغ قوامها نحو 190 ألفاً في منطقة الحدود وحولها، تواجه قوة قوامها 205 آلاف جندي أوكراني، ويوضح رايان أن القتال على الأرض غير مضمون ولا يمكن التكهن به دائماً، وربما لم تحسن موسكو تقدير الصعوبات التي تنتظرها.
وتقول ماركيز إن روسيا، بطبيعة الحال، تمتلك المزيد من الموارد التي يمكنها نشرها، وحذر مسؤولو المخابرات في الغرب من أن موسكو تعتزم السيطرة على كييف بــ" قوة ساحقة"، وكما تردد في وسائل الإعلام الأوكرانية، سيكون من الصعب التصدي لخطة السيطرة على كييف والاستيلاء على الحكم إذا كانت الأعداد كبيرة للغاية، وفي ظل هجوم سيبراني وقوات محمولة جواً ومخربين بشاركون في أعمال حرق وسلب ونهب، تؤدي إلى عملية خروج في ذعر، ولكن في أفضل الأحوال ذلك سيكون فوز في معركة ، وليس انتصاراً شاملاً، ناهيك عن نجاج طويل الأمد وفق شروط بوتين، التي تشمل تأمين ولاء أوكرانيا لروسيا.
وتؤكد ماركيز أن الجيش الروسي أصبح أفضل تدريباً وتجهيزاً عما شهدته في جروزني منذ 20 عاماً، فقد أنفقت روسيا أموالاً طائلة لتأهيل قواتها المسلحة لهذه اللحظة تحديداً، والقادة والجنود على أهبة الاستعداد، لكن الروس يهاجمون دولة جارة، وهناك روابط عائلية تربط الكثير منهم بها، وهم ليسوا كالأوكرانيين يدافعون عن حياتهم، أومساكنهم، أوعائلاتهم أو قيمهم السامية مثل الديمقراطية والحرية، ولكن هناك الأمر الأكثر أهمية، وهو ما إذا كان هذا الانتصار كما يراه بوتين - وهو ضمان تنصيب حكومة صديقة، ووقف اتجاه أوكرانيا نحو الغرب- يمكن تحقيقه فعلاً في ظل الاستراتيجية الحالية.
وترى ماركيز أن هذا يبدو أمراً مشكوكاً فيه، ويبدو أن الكرملين يحقق العكس، فهو يقول إنه يريد تحرير أوكرانيا، وليس احتلالها، وهو يريد الإطاحة برئيس أوكرانيا وتنصيب شخص صديق بدلاً منه، ولكن أوكرانيا، رغم كل متاعبها، دولة ديمقراطية، وليست سلطوية، ولا يمكن ببساطة تغيير قيادتها من خلال الإطاحة بالرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي.
ورغم أن علاقات الأوكرانيين اتسمت بالود تجاه موسكو على نطاق واسع للغاية في وقت من الأوقات، تشير استطلاعات الرأي إلى أن هذا لم يعد الحال الآن.
وأكدت ماركيز في ختام تحليلها أن إحلال بديل لزيلينسكي موال لروسيا سوف يكون أمراً مستحيلاً بدون قوة دائمة- بمعنى القيام باحتلال لأوكرانيا وهو أمر لا تستطيع روسيا تحمله، وقد يسيطر بوتين على كييف، ومن المؤكد أنه سوف يسبب في حالة من عدم الاستقرار- وهو ما حدث بالفعل، لكن هل يستيطيع أن يحول أوكرانيا إلى دولة مجاورة موالية له والجدار العازل الذي يحتاجه؟ إن هذا يبدو أمراً أكثر صعوبة.
---------------------------
المصادر| وسائل إعلام أمريكية والمانية وعربية