تطهير عرقي..
تقرير عربي: من تركيا إلى قطر شكرًا لتمويل العدوان على سوريا
الأمر يتعدى هذه الدول ليصل إلى تهديد الرياض
وجه وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، خلال زيارته الأخيرة إلى الدوحة، الشكر إلى القيادة القطرية على تمويلها العملية العسكرية خلال الفترة الماضية؛ والتي استهدفت توغلًا تركيًّا في عمق الأراضي السورية، وسط انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وانتهاكات ترتقي إلى جرائم حرب، كما وثقها عدد من المنظمات الدولية.
وبهذا الشكر العلني أجاب الوزير التركي عن تساؤل مهم مرتبط بمصادر تمويل العدوان التركي على الأراضي السورية؛ حيث أثارت التحركات العسكرية المكثفة في سوريا والنفقات الباهظة للعدوان تساؤلات عن مدى قدرة النظام التركي على تحمل كلفة العدوان في ظل تراجع غير مسبوق لليرة التركية وتراجع مؤشرات الاقتصاد التركي بشكل حاد على أساس سنوي وشهري؛ بما ينذر بأزمة اقتصادية داخلية في ظل عدم ثقة المستثمرين في النظام التركي وتراجع مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر.
أوغلو غرد، عبر حسابه على “تويتر” بعد لقائه أمير قطر تميم بن حمد، قائلًا: “أبلغته تحيات رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، وشكر قطر على تمويلها عملية (نبع السلام)”، في خطوة تعكس الشراكة الوثيقة بين الدوحة وأنقرة باتباع سياسات مناهضة لما تتبناه الدول العربية.
عضو رئاسة مجلس سوريا الديمقراطي سيهانوك ديبو، قال في تعليق لـ”كيوبوست”: “إن قطر تلعب أدوارًا خبيثة في الملف السوري منذ بداية الأزمة في 2011، وحرصت على تضليل الرأي العام العربي والعالمي من خلال منابرها الإعلامية المختلفة، وفبركت أحداثًا؛ مستغلةً الوضع في سوريا لتحقيق أهداف خاصة بها”، مشيرًا إلى الدور القطري في تقديم شخصيات إلى الرأي العام باعتبارها من المعارضة، ومع الوقت أصبحت تبحث عن معارضين سوريين ينفذون أجندتها في تحويل حراك الشارع ورغبته في التغيير؛ ليكون حراكًا إخوانيًّا ينفذ الأجندة القطرية.
وأضاف ديبو أن التمويل القطري للإضرار بسوريا لم يكن فقط بتمويل عملية العدوان التركي على الأراضي السورية؛ ولكنها قامت أيضًا بعمليات تمويل كبيرة لحشد الجهاديين وتدريبهم وتسليحهم وتوجيههم إلى سوريا، بل وتعمل من خلال دور الحقيبة المالية التي لا تنضب، على تمهيد الطريق لتحقيق الأطماع التركية بعودة الاحتلال العثماني إلى المنطقة؛ وهو ما يظهر في المواقف القطرية الداعمة لتركيا بسياساتها تجاه مصر وليبيا.
وتابع عضو رئاسة مجلس سوريا الديمقراطي بأن الأمر يتعدى هذه الدول ليصل إلى تهديد الرياض وأبوظبي وغيرهما من البلدان التي يتم تسخينها لتتحول إلى ساحة تدمير من قبل عصابات أنقرة والدوحة، مشددًا على وجوب وجود خطوات فعلية من جانب المتضررين؛ تتمثل في حلف مشروع تقره القوانين الدولية المتعلقة بحق الدفاع المشروع؛ خصوصًا في ظل وجود تناقض مؤلم داخل الجامعة العربية التي رفضت العملية العسكرية التركية والتدخل التركي في الشأن السوري ووصفته بالاحتلال، بينما رفضت قطر بيان الجامعة.
من جهته، اتهم مدير مركز الدراسات الكردية بألمانيا نواف خليل، في تعليقه لـ”كيوبست”، قطر بالعمل على تخريب البلاد العربية منذ بداية الربيع العربي، مشيرًا إلى أنها اتخذت موقفًا عدائيًّا ضد النظام السوري؛ بسبب رفضه إشراك جماعة الإخوان المسلمين في الحكم، منوهًا بأن تركيا أصبحت محطة وصول الجماعات المتطرفة قبل وصولها إلى الأراضي السورية، في حالة تشبه ما كانت عليه باكستان أيام الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفييتي.
وبالنسبة إلى الدور القطري، قال خليل: “إن الدوحة سخرت قناة (الجزيرة) وكثيرًا من المنصات الإعلامية ومراكز دراسات وبمسميات مختلفة، تقوم بالترويج لجماعات الإسلام السياسي، والجماعات التي تطلق على نفسها جهادية، ومنحتها حسابات مالية مفتوحة؛ وهو ما يجعل الجماعات الإرهابية تتحرك بحرية، فالسياسة التي تنفذها هذه الجماعات هي سياسة تركية والمال المدفوع تركي”، معتبرًا أن شهادة الشكر من وزير الخارجية التركي بمثابة اعتراف وتوثيق يجعل هناك ضرورة لمحاسبة قطر مع تركيا على جرائم العدوان؛ حيث يعتزم حقوقيون ملاحقة قطر وتركيا على الجرائم المرتكبة أمام الجهات الدولية.
وتابع مدير مركز الدراسات الكردية بألمانيا بأن العدوان التركي على الأراضي السورية خلق عمليات تهجير وتغيير ديموغرافي ممنهج عكس سياسات تركية كانت تسعى لها منذ سنوات، مشددًا على أن قطر لو كانت تهتم بمحيطها العربي كان عليها أن تدعم اللاجئين الذين يعيشون ظروفًا صعبة في عدد من البلاد العربية، بدلًا من تمويل عملية عسكرية لانتهاك سيادة بلد عربي آخر.
مسلحو أردوغان العرب يحولون شمال سوريا إلى منطقة غير آمنة
بتركيز عالٍ وبعيون محدقة في شاشة هاتفه الذكي، يكرر محمود (اسم مستعار)، بشكل متواصل، الفيديو القصير الذي أرسله إليه صديقه، 25 ثانية فقط، من مقابلة سبق بثها في 24 أكتوبر الماضي على قناة “TRT”، يستحضر فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رؤيته لـ”المنطقة الآمنة” الجديدة، والتي دخلت حيز التنفيذ، يوم الثلاثاء 29 أكتوبر في المساء، مع الانسحاب المؤكد للقوات الكردية من هذا الجيب الواقع في شمال شرق سوريا.
يقول أردوغان في هذا الشريط: “علينا أن نجهز نمط حياة جديدًا تحت السيطرة في هذه المنطقة الشاسعة، إن أفضل الناس للعيش فيها هم العرب، هذا المكان غير مناسب لطريقة حياة الأكراد؛ لأنه صحراء قاحلة”، مشيرًا بإصبعه إلى خارطة تشمل الشريط الطويل، والذي يمتد على الجانب السوري بطول 120 كيلومترًا وعمق 30 كيلومترًا، من تل أبيض إلى رأس العين، وَفقًا للاتفاقية الموقعة بين أنقرة وموسكو؛ لوضع حد للهجوم العسكري التركي والذي حمل اسم “نبع السلام”.
بنظرة أسف، يضغط محمود على مفتاح الإيقاف المؤقت على جهاز الهاتف الخاص به، وهو اللاجئ العربي “السوري” في تركيا، والذي نشط منذ البداية ضد جميع أشكال التمييز. محمود كما غيره من السوريين لا يعترف بهذا الوصف للمنطقة العازلة؛ حيث تنوي تركيا إعادة نحو 3.6 مليون لاجئ سوري موجود حاليًّا على أراضيها.
تطهير عرقي
يقول محمود: “في السنوات الأخيرة، فرض مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية قانونهم في شمال شرق سوريا، كان علينا أن نجد طريقة لوقفهم؛ لكن ليس بهذا الشكل ولا تحت هذه الظروف. الوضع الجديد لا يبشر بالخير، إنه تطهير عرقي وتغيير للهندسة الديموغرافية في المنطقة، هذا أمر معاكس لقيم ثورة 2011 التي طالبنا بها”.
في الأربعينيات من عمره، كان محمود عضوًا في المجلس المحلي لمدينة دوما، في الغوطة الشرقية، و في أبريل 2018 غادر مدينته بعد حصار عنيف؛ مثل ما حدث في داريا أو حمص أو حلب الشرقية، وانتهى بالإجلاء القسري إلى شمال سوريا.
بعد ذلك، وفي عام 2018، عُرض على محمود وعائلته الإقامة في عفرين، والتي تقع في شمال غرب سوريا؛ حيث استولت القوات التركية والجماعات المتمردة المتحالفة معها على هذا المكان ذي الأغلبية الكردية بعد قتال شرس مع مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، التي صنفتها أنقرة بأنها “إرهابية”.
منطقة غير آمنة
هذا هو المكان الذي يدرك فيه محمود الكارثة المخطط لها، يقول: “وصلنا إلى مدينة أشباح تقريبًا، أُفرغت من سكانها الأكراد؛ حيث تشرف عليها وحدات من الفصائل المتمردة السورية والمقربة من أنقرة”.
قيل لنا: “خُذ هذا المنزل، إنه لك”. عندما عاد بعض السكان الأكراد إلى المدينة “حاولت التوسط بعرض لتوقيع عقود إيجار بين السكان الأكراد والعرب النازحين؛ لكن الميليشيات السورية عارضته، أرادوا السيطرة على كل شيء”، يقول محمود.
ويضيف محمود، الذي انتقل منذ ذلك الحين إلى غازي عنتاب، عندما عارض تلك الميليشيات وقُبض عليه واتُّهم بالانتماء إلى قوات حماية الشعب الكردية: “لا يمكنني حساب عدد عمليات النهب والسلب التي شاهدتها، مثل ما حدث مع الصديق الكردي، صاحب المصنع، الذي أُجبر على دفع ضريبة قدرها 12000 دولار كل ستة أشهر”.
ويشير محمود متحدثًا إلى مراسل صحيفة “لوفيغارو”: “هؤلاء الناس ليسوا ثوارًا؛ إنهم مرتزقة ومدربون وتدفع لهم تركيا، لا أعتقد أن أنقرة تصدر لهم أوامر مباشرة؛ لكن ما يقومون به من أعمال قذرة يناسب الحكومة التركية”.
محمود يردد دائمًا أسماء الجماعات المسلحة الموالية لتركيا في هذه المنطقة؛ وعلى رأسها “لواء حمزة” و”السلطان مراد”، ولكنه يركز بشكل خاص على إسلاميي أحرار الشرقية، المشتبه في ارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان، وظهر اسمهم للمرة الأولى مع إعدام عدة شخصيات كردية؛ بينها أمينة عامة لحزب سياسي كردي خلال عملية “نبع السلام”. يقول محمود: “لقد وعدتنا تركيا بمنطقة آمنة، في الواقع إنها منطقة من انعدام الأمن تلوح في الأفق في شمال سوريا”.
مظاهر إسلامية
مراسل الصحيفة حاول التواصل مع شاب كردي يُقيم في عفرين؛ لكنه اشترط للحديث عدم الإفصاح عن هويته: “يسود نظام أخلاقي جديد في المدينة، بيع الكحول بات محظورًا، والنساء المحجبات يتزايدن بشكل كبير في ضواحي عفرين، وفرضت الفصائل السورية المتمردة ضريبة قيمتها دولاران على كل شجرة زيتون”.
يقول المعارض السوري زكريا ملاحفجي، وهو عضو سابق في المجلس الثوري في حلب: “إن الرغبة في إعادة توطين مليوني لاجئ سوري في هذا الشريط الذي يبلغ طوله 120 كيلومترًا تبدو مهمة مستحيلة”، والسبب وجيه كما يؤكد؛ حيث تتكون هذه المنطقة الزراعية من بلدات صغيرة لا تملك البنية التحتية اللازمة لاستقبال كثير من القادمين الجدد. بالإضافة إلى ذلك، فهي منطقة معزولة، ومنفصلة عن المناطق الأخرى التي تسيطر عليها المعارضة السورية.


