الحجاب الإسلامي..
مئة مسلم فرنسي: “الحجاب تمييز جنسي.. وليس من أركان الإسلام”

الحجاب تتميز جنسي ضد المرأة- مجلة “ماريان” الفرنسية
يشهد المجتمع الفرنسي جدلًا حادًّا منذ أسابيع، بعد أن عاد ملف الحجاب الإسلامي إلى الواجهة، بالتزامن مع الذكرى الثلاثين لاندلاع الجدل حول هذا الموضوع في فرنسا التي اختارت العلمانية نهجًا لها؛ لكن الخطير هذه المرة ليس فقط في تصاعد حدة الجدل الذي سيطر على كل البرامج والنشرات الإخبارية الفرنسية، بل في أن الانقسام حول الحجاب برز بوضوح داخل المسلمين أنفسهم؛ الانقسام ظهر بوضوح على السطح وتصدر وسائل الإعلام.
بدأت الحكاية في اجتماع لمجلس محلي لإحدى المدن الفرنسية الصغيرة، يحضره، كما يحدث أحيانًا، مجموعة من تلاميذ المدارس في رحلة تربوية، وترافقهم أم متطوعة لهذه المهمة؛ ولكن السيدة المتطوعة كانت محجبة، فقام أحد أعضاء المجلس ممن ينتمون إلى حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، بمطالبة الأم المرافقة، باسم مبادئ الدولة العلمانية، بخلع الحجاب أو مغادرة القاعة؛ وهو الأمر الذي رفضته رئيسة المجلس المحلي، لأن القانون لا ينص على ذلك.
اشتعل الجدل بعدها؛ جدل ربما كان أكثر قوةً مما حدث قبل ٣٠ عامًا مع بداية أزمة الحجاب في فرنسا، عندما حاولت ثلاث تلميذات في إحدى المدارس الإعدادية في خريف عام ١٩٨٩ الدخول إلى المدرسة بحجابهن، وانتهى الأمر بعد عقد ونصف العقد بصدور قانون يمنع أية إشارة دينية في الملبس والمظهر في المدارس، وعلى موظفي مؤسسات الدولة الذين يتعاملون مع الجمهور، ويسمح به في الجامعات وللسيدات اللواتي يترددن على هيئات الدولة لإنهاء معاملات معينة.
كراهية المسلمين
في بيان نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية، تحت عنوان “إلى أي مدى سوف نسمح بتمرير كراهية المسلمين؟” ، قامت نحو تسعين شخصية فرنسية، تتصدرها شخصيات تدين بالدين الإسلامي، بإدانة ما وصفوه بـ”الاعتداء” الذي قام به أحد نواب اليمين المتطرف ضد السيدة التي وجدت برفقة ابنها لحضور الجلسة، مطالبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بإدانة الحادث.
أصحاب البيان برروا احتجاجهم، بالقول: “لا يوجد شيء في اللوائح أو في القانون يبرر طردها، كان لديها كل الحق في أن تكون هناك وارتداء الحجاب.. هذا السلوك من أعمال العنف والكراهية لا يصدق؛ لكن بسبب خوفنا وتخاذلنا، ومن خلال تنازلاتنا طوال تلك السنوات، أسهمنا، شيئًا فشيئًا، في السماح لمثل هذه التصرفات بالمرور”.
المحتجون أيضًا وجهوا لومًا كبيرًا إلى وسائل الإعلام (التي لم تكن متوازنة قط في طرحها لهذا الموضوع)، على حد تعبيرهم، لافتين إلى أن العلمانية، التي كرسها قانون عام 1905، هي بالتأكيد الفصل بين الدولة والدين؛ ولكنها أيضًا حرية الاعتقاد، حرية ممارسة إيمان الفرد أو عدم إيمانه بممارسة ذلك، حرية التعبير عن قناعاته ضمن حدود احترام النظام العام.. هذه المرأة وابنها يدفعان الثمن اليوم؛ مثل الآخرين من قبلهما، لكن ما الذي سيحدث غدًا؟
لسن “كل المسلمات”
حتى الآن يبدو الأمر متسقًا مع المناكفات المتواصلة بشأن مسألة الحجاب في فرنسا، وكيف يمكن التعامل مع هذا الرمز الديني منذ أكثر من ثلاثين عامًا؛ لكن التطور اللافت كان هذا البيان الذي وقعه نحو مئة شخصية مسلمة حصرًا في فرنسا؛ ردًّا على البيان الأول، وتكفلت بنشره مجلة “ماريان” الفرنسية، تحت عنوان “الحجاب هو رمز ظلامي وعلامة على التمييز الجنسي”.
يقول الموقعون على هذا البيان: “منذ ثلاثة عقود تمزقت بلادنا حول مسألة الحجاب، بكل ما لهذا الموضوع من تبعات على التعايش في فرنسا.. لقد حان الوقت لأن يعرف مواطنونا أن ارتداء الحجاب ليس بالأمر المجمع عليه بين المسلمين”.
ويضيف الموقعون على البيان: “الحجاب لا ينتمي إلى العبادات الإسلامية الواجبة، على عكس صيام رمضان أو الصلوات الخمس، إنه ليس (علامة دينية)؛ لأن الإسلام يُدين كل فتنة مادية؛ الإسلام مكانه في القلب وليس على الرأس”.
وفي مقطع آخر يقولون: “نحن، الموقعون على هذا النص، نؤكد بصوت عالٍ وواضح أن ارتداء الحجاب هو علامة الرجعية والظلامية والتمييز الجنسي ويعكس فهمًا مغلوطًا لما جاء في القرآن، إن تغطية النساء في الأماكن العامة هو طمس لوجودهن؛ لكن بلدنا الجميل يكافح من أجل التحرك نحو مزيد من المساواة بين الجنسَين. إن التمييز الجنسي ومفهوم الشيطان الذي يتمثل في أجساد النساء يتعارضان مع مُثُلنا”.
الموقعون على هذا البيان وجهوا نقدًا لاذعًا إلى الشخصيات التي وقعت على البيان الأول؛ خصوصًا ممن وصفوهم بـ”الأرثوذكسيات المسلمات المهووسات بأجساد النساء”، لافتين إلى أن مَن يرتدين الحجاب لسن كل المسلمات؛ بل بعضهن، ممن فهمن النص القرآني بشكل خاطئ، بل ويصررن على “رفض الجمع بين الإيمان وأعمال العقل الناقد”.