"فنان صاعد بقوة"..

تقرير فني: "أبوبكر شملول".. حين يكون للصوت العذب "طموحاً كبيرا"

الفنان ابوبكر شملول يغني لقوات الجيش الجنوبي - أرشيف

سلمان صالح
مراسل ومحرر متعاون مع صحيفة اليوم الثامن
أبوبكر شملول، فنان في منتصف العشرينات من العمر، من مواليد مدينة الشحر بحضرموت، عاصمة الثقافة والفن والشعر والأدب الجنوبي الزاخر، والذي لا يزال يهيمن على الجزيرة العربية "لونا ولحنا وكلمات"، كيف لا وسفير هذا التراث هو الفنان الخالد في الوجدان "أبوبكر سالم بلفقيه طيب الله ثراه".
حين كان أبوبكر الصغير في العاشرة من عمره، واثناء ذهابه للمدرسة، كانت اشرطة الكاسيت المنتشرة حينها للفنان ابوبكر سالم بلفقيه، والشاعر الخالد حسين ابوبكر المحضار، المدرسة الشعرية على مستوى الجزيرة العربية.
بدأ الفتى الصغير بحفظ كلمات الأغنيات من سر حبي فيك غامض، فلتلك الأغنية وقعها الخاص على قلب الفتى الصغير، فهل الحب للفن والغناء والشعر "يكون غامضا"، هل حب فنان كبير أخرس الساحة الفنية، بموال طويل انقطعت انفاس من كانوا يدققون في المقامات والفنان الخالد ينتقل من مقام إلى أخر دون عناء.
ان يكون للاسم تشابه، بين فنان كبير ملئ الساحة الفنية لونا وشعرا والحانا لا تتكرر، وبين فتى صغير يرى ان طموحه يجب ان يصل إلى اعلى مستوى.
ذات ليله وفي مساء جميل، كانت عائلة الفتى الصغير، تتابع سهرة غنائية على احدى الشاشات الخليجية، كان بطل تلك السهر هو الفنان ابوبكر سالم بلفقيه.
فحين يعتلي بلفقيه المسرح، على الجميع ان يركز باهتمام، حتى لا يفقد المشاهدة الممتعة لفنان العرب الأول، كان الفتى الصغير يتابع مع الأسرة، التي كانت تذهب مع مقامات الفنان الكبير، ثم تعود، الجميع كان صامت وقاعة المسرح تضج بالتصفيقه، حين انطلق الفنان يداعب الكلمة بالصوت الشجي "أقول له ايه لو قال ما حب".
 لكنه الفتى الصغير قطع صمت واهتمام عائلته، وذهب مع صوت بلفقيه من خلف الشاشة، مرددا خلفه :"
 أقول له ايـــــــه لــــوقال مالي نفس تهـواك
ما لي أذن تسمعك مالي عـــين تتمنى تــــراك
أقول له أيه لــــوقال مــــــاحبك ولا أبـغـــاك
ما ارضى بقربك ولا با لريح لوهـب من حماك
أقــــــــول له حبني با لغصب؟ ..لا لا
أثـــــــور أعــلـــــــن عـــليه الحـرب؟ .. لا لا 
كانت العائلة تشاهد فتاها بانبهار كبير، كيف لهذه الموهبة الفنية الصاعدة ان تتفجر الآن وفي حضرة صاحبة الجلالة الفنية الكبيرة "أبوبكر سالم بلفقيه".
فهذا الحب ليس غامضاً، فأي غموض والفتى الذي لم يعش تجربة حب بعد، يذهب بإحساس العاشق المرهف، الذي يتوسل محبوبته بان تعطف عليه، لأن حبه لها ليس حبا عادياً "أسوي ايه ما حيلتي ألا أصالح وأعطف، خاف عاده يرد عقله عليه".
لم يجد أبوبكر شملول الاهتمام في البداية فبعد اكمال الدراسة الجامعية، أنضم إلى قوات النخبة الحضرمية "أحد وحدات الجيش الجنوبي المحترفة"، كتوجيه معنوي، ولأن القوات كانت تخوض أقدس معركة وطنية في الدفاع عن "الأرض والعرض"، ما كان للفتى الشاب الا ان يلهب الحماس ويطلق العنان لحنجرته وصوته الذي تحول إلى أشبه بالصواريخ على الأعداء.
قاوم الإرهاب وشيلاته بأغان وطنية وعسكرية، وكان لاهتمام محافظ حضرموت السابق اللواء أحمد سعيد بن بريك، الدور الكبير في تحويلها إلى "كليبات عسكرية"، لتعمم التجربة الفنية على كل الجنوب.
حمل الفنان الشاب حقائبه وذهب إلى مختلف الجبهات من المهرة شرقا حتى الضالع غرباً، يمنح الجيش والمقاومة الحماس، في ان يتحول المقاتلون إلى فدائيين لمواجهة أعداء الجنوب.
لم يكن هذا الأمر السهل، ولم يكن الطريق مفروشا بالورود بكل تأكيد، فالفنان الشاب الذي كان يعتقد في البداية انه سيغني للحب وللعشق والحنين، هاهو يقاوم الإرهاب بنفس الأساليب.
تعرض للتهديدات ولوحق، ولكن كان لديه إيمان كبير بان "التضحية دون الوطن"، هي أقل ما يمكن للإنسان ان يقدمه في سبيل ان تعيش الأجيال القادمة في آمن واستقرار.
لكن طموحه الكبير لم يقف هنا فالأغاني الوطنية هي أيضا تعبر عن الحب، لكن لـ"بكري"، كما هو اسمه الفني، طموحه في ان يعود ولكن بقوة لكي يغني للحب ويساهم مع زملاء له في إعادة احياء التراث الفني الجنوبي، الذي تعرض للتدمير والسطو من قبل الدخلاء على الفن، فهذه الأرض ولادة مبدعين، وابوبكر شملول بصوته العذب واصراره الكبير على بلوغ هدفه وطموحه الكبير في ان يسير على درب الفنان الخالد "ابوبكر سالم بلفقيه"، الذي أثرى الساحة العربية "بكل شيء".
أبوبكر شملول وغيره من الفنانيين الصاعدين بحاجة الى الاهتمام والتشجيع والدعم، وتوفير كل الإمكانيات الفنية لإعادة احياء الاغنية الجنوبية التي يراد لها ان تطمس من الخارطة الوجودية.