د. باسم المذحجي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الحَربُ القادمة..الشرق الأوسط خارج الصندوق
تحويل المستحيل الى ممكن في الشرق الأوسط، هكذا تسمى الاستراتيجية الأميربكية الجديدة في الشرق الأوسط ،والتي تعد جزء لايتجزء من استراتيجية الفوضى الخلاقة.
الشرق الأوسط حسب مراكز الأبحاث الأميريكية والبريطانية هي الجغرافيا من المغرب حتى الحدود الصينية ليشمل المغرب العربي، آسيا الوسطى الإسلامية ، آسيا العربية، أما مفهوم مشروع الشرق الاوسط هو إدارة المنطقة الحساسة، و إعادة هيكلة بلدان الشرق الأوسط حسب الرؤية الأميريكية ،ومنها على سبيل المثال : إنشاء نظام اقليمي جديد ،و دولة فلسطينية خارج الحدود الفلسطينية.
_المشروع مر بمرحلتين..
الانقسامات العرقية والدينية داخل الدول العربية لإعادة إعادة رسم خريطة المنطقة على أساس عرقى ودينى، بما يضمن استمرار الحروب والمنازعات بلا توقف والقضاء على فكرة القوميات المتماسكة، وغرس بذور التعصب والكراهية والإرهاب بدلاً منها..
السيناريو مبنى على عدم توقف الحرب فى المنطقة، فلا تكاد تهدأ حرب، حتى تندلع أخرى إلى أن يتم القضاء على المنطقة بأكملها.تفتيت البلدان الواقعه فيه، ثم الهيمنة على مقدراتها وحماية المصالح الأميريكية أولًا والإسرائيلية ثانيًا.
انطلاقة المشروع ركزت على أن دول الشرق الأوسط تشكو من نقص حرية الرأي والمساءلة وضعف التنمية البشرية .رسامو المشروع يرون أن الابتعاد عن «القوة الخشنة «Hard Power»والاتجاه إلى «القوة الي تعتقد أن تديّن الشعوب الجاهلة هو المسار الوحيد للسيطرة عليها، وهذا خطأ استراتيجي يصعب الخلاص منه اليوم، ومع ذلك تبقى أن القوةالناعمة «Soft Power»كانت ومازالت التي ستمكنها من تنفيذ المخططات بالكامل دون أي خسائر بالأرواح والأموال من جانبها ،لذلك فقد عمدت إلى تغيير الأنظمة عبر تحريك الشارع العربي، بينما الهدف في حقيقة الأمر هو رسم لوحة اللا استقرار وحالة اليأس و اللا عودة إلى ما كان عليه الأوضاع قبل استبدال النظام فيها ،وذلك بإطالة أمد الصراع المصحوب بالأسلوب الدموي للقتل والدمار الناتج عن هذا الصراع والفوضى .
والهدف الثاني للمشروع هو إنشاء مجتمع مثالي بعد التخلص من حركة المقاومة الإسلامية حماس ، جماعة الأخوان المسلمين، الاحزاب الإسلامية الشيعية،إضعاف الأنظمة السياسية العربية ، تطويع الأنظمة السياسية الأقليمية تركيا وإيران.
_الأبعاد والاهداف المتعددة للمشروع..
أهداف ظاهرها مشروعة بإمتياز بأجواء حقوق الإنسان، لكنها مرسومة بدقة لنشر الأنقسام الداخلي داخل الدول، والتي جاءت مع التمويل الغربى للحركات الثورية التي تتكون من ناشطي الإنترنت والمنظمات غير الحكومية وناشطي حقوق الإنسان، الذين ساهموا في تفريخ الفتنة في الوطن العربي، ومع تشظي الأنظمة العربية وسقوطها، جاءت القوى الغربية لتضخيم حالة الاضطراب.
البندول« Pendulum» الاستراتيجي لهذا المشروع سنة 2025 توقف وفق رؤية أي تحالفات أو صراعات في الشرق الأوسط على المدى المدى المتوسط ، ستكون أطرافها دولًا، وليست كيانات أخرى، ولايعني ذلك انهيار وأختفاء الفاعلين من غير الدول بشكل كامل أو خروجها من المعادلة نهائيًا ، وإنما ستظل تلك الكيانات موجودة وحاضرة ،لكن بدرجة تأثير وفاعلية أقل بكثير مماكانت عليه.
وبماأن الدول العريية ذات اقتصاد استهلاكي، وليس انتاجي ،حيث تعتمد على تصدير الثروات الطبيعية، وهذا يلخص لنا البعد سياسي الاقتصادي في استعباد الدول الضعيفة ،وإرهاق الدول الفقيرة ،ثم بعد اجتماعي ثقافي تدميري نابع من أن الوعي الفكري والثقافي عملية شبه مفقودة في عالمنا العربي ،فإنه أصبح من السهل إيهام الشعوب العربية بأن شكلًا ديمقراطيًّا يشبه الغرب يمكن أن يقوم في المنطقة العربية بمجرد إحداث الفوضى ،وتغيير القيادات السياسية ،وتغذية البلدان العربية بأفكار الديموقراطية مستغلين التهميش، بينما حقيقة المشروع هي نشر الفوضى بغطاء ديموقراطية الاسلام السياسي، والذي نجح في تأجيج الفوضى الخلاقة، واسقاط الامن والاستقرار.
_المنظور الاستراتيجي للشرق الأوسط.
قام في" أيلول" سبتمبر ٢٠٢٤ رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو برفع خريطة تتجه فيها خطوط الطاقة والثروات من الخليج العربى فى سهم كبير يتجاهل قناة السويس (!) ، بحيث يكون رأس السهم للبحر المتوسط هو إسرائيل ذاتها. كان نتنياهو قد تحدث فيما سبق عام ۲۰۲۰ عن شرق أوسط جديد مع توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، وسبق أن رفع في " ايلول "سبتمبر ۲۰۲۳ خريطة للشرق الأوسط من دون الضفة وقطاع غزة.وعليه، يبدو أن حلم الشرق الأوسط الجديد بدأت إرهاصاته مبكرًا وترتكز الآن عليه - بعد تعديلات رؤى الحكومة الإسرائيلية الحالية للشرق الأوسط مستهدفة السير نحو هدفها على ساقين: الأولى ساق أمريكية، حيث تسعد تل أبيب بتصريحات لترامب ومعاونيه عن «توسعة قادمة لحدود إسرائيل الضيقة»، والساق الأخرى أفكار اليمين العنصرى الاستيطاني الإسرائيلى بشأن «أرض إسرائيل الكاملة». ولهذه الرؤى الجنينية أيضا ذراعان: الأولى هى «الأمن» الذى يتحقق بالردع والبطش والأخرى «الابتزاز» للجميع وتجاوز كل الخطوط الحمر والحد الأدنى لقواعد القانون الدولى بتجويع الفلسطينيين، وجعل بيئتهم الطبيعية مدمرة وخربة، ولا يمكن احتمال العيش فيها ، ما يسهل اقتلاع السكان في ترحيل جماعي مع ابتزاز الدول اقتصاديًا أو الضغط عليها سياسيا لقبول الفلسطينيين وتصفية القضية.
_الرأي الاستراتيجي خارج الصندوق ..
حرب الظل التي كانت دائرة بين إسرائيل و إيران تحولت اليوم الى صدام مباشر ،وسيتجدد الصدام المدمر مع دخول فصل الشتاء ،حيث ذلك يسهل مهام الجيش الإسرائيلي من بوابة بقاء الإسرائيليون في الملاجيء في جوء غيرحار ،وهذا مصلحة إسرائيلية، بينما المصلحة الإيرانية في احتياج أوروبا للغاز في فصل الشتاء بديل عن الغاز الروسي بعد قرار كييف بعدم تجديد اتفاقية نقل الغاز المُوقعة مع موسكو عام 2019 ،وبالمناسبة هي ورقة ضغط على الموردين للغاز من الشرق الأوسط ،وفي نفس الوقت تصب في مصلحة الروس الشركاء الاستراتيجيين لإيران.
الحرب الإيرانية الإسرائيلية ليست في مصلحة العرب، ولذلك على العرب الوقوف على الحياد ،فأي تدخل عربي مباشر بصورة أو بأخرى يصب في مصلحة الطرفين ، بما أن شبح الحرب المتعدة يسهل لإسرائيل تدخل الغرب المباشر، ولايختلف الأمر على إيران فهي مستفيدة من نقل المعارك من أرضيها صوب الارضي العربية وهي ذات الاستراتيجية التي تبنتها منذ عقود.
خلاصة خارج الصندوق الاستراتيجية؛ بأن جر قدم الدول العربية الى الحرب يصب في صالح إيران وإسرائيل، تمامًا ماتفعله حركة حماس وإسرائيل بغية مآرب شتى، قد يكون منها جر العرب لمشاكل داخلية وخارجية، والحليم بالإشارة يفهم.
ملاحظة: المادة المنشروة تحمل بصمات عدد من الباحثين.