د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):

في الجنوب .. مأساتنا في اغتيال الوعي

 وَعْي: (اسم) وَعْي : مصدر وعَى،وعَى: (فعل)، وعَى يعِي ، عِ / عِهْ ، وَعْيًا ، فهو واعٍ ، والمفعول مَوْعِيّ - للمتعدِّي،.وعَتِ الأُذُنُ :سَمِعت
وَعَى الْمَاءَ أَوْ أَيَّ شَيْءٍ : جَمَعَهُ فِي وِعَاءٍ
وعَى الشّخصُ الأمرَ: أدركه على حقيقته
عقلٌ لا واعٍ: عقل باطن، لا شعوريّ
وعَى الشّخصُ حديثًا: حَفِظهُ وقبِلَهُ وفَهِمَه وتدبَّره.

الوعي هو القدرة على التفكير، وإرادته الحرة في اتخاذ القرار، وما أفكارنا إلا نتيجة لسلوكنا الذي ننتهجه، فالإنسان يجب أن يكون واعياً من أجل الخلق والابتكار، وليس التقليد والاتباع، لذلك لا بد من غرس اتجاهات تنمي التفكير الوعي التفكير الناقد، ولا بد من وجود استراتيجية لإدارة وعي الذات أولا لأن (إدراك المرء لذاته وما يحيط به إدراكاً مباشراً، فهو الأساس لكل معرفة). وعندما يعي الفرد ذاته بإمكانية أن يعي المجتمع الذي يحيط به وقد عرف ماركس" الوعي الاجتماعي بأنه مجموع الآراء والنظريات والأفكار والتقاليد والعادات التي قد تتواجد لدى الأشخاص، ومن خلالها ينعكس واقعهم الاجتماعي)، كما أكد تشارلز كولي أن الوعي بالمجتمع أو الوعي الاجتماعي لا يقبل الانفصال عن الوعي الذاتي، ومن الطرق التي يمكن من خلال الاعتماد عليها.

الوعي الاجتماعي هو المقدرة على التفاعل والفهم بطريقة مناسبة مع مختلف المشكلات العامة التي قد يواجهها المجتمع، وكذلك القدرة على تفسير مشاعر من يتفاعل معهم الإنسان وفهمها بدقة.

لذا فإن من أهم معايير الوعي الاجتماعي الكفاءة بالعديد من المجالات منها التعاطف والذكاء العاطفي وفهم المواقف بسرعة.

وفي الواقع فإن الغالبية العظمى من الناس يعتقدون أنهم مستمعون جيدون لما يوجه إليهم من حديث أو ما يستمعون إليه من كلام عبر التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك حيث غالباً ما يكون الشخص منشغلاً بالتفكير وقت الاستماع لحديث الآخرين، ولكن لكي يكون الشخص على قدر جيد من الوعي الاجتماعي عليه أن يتفاعل مع الغير فيما يقولونه وما يشعرون به وبالتالي اكتساب المزيد من المهارات والخبرات.

استشبرت خيرا في تشكيل كيانا نقابيا جنوبيا للصحافة والإعلام، رغم أني كنت غير متفائلا بعد انعقاده لما رأيت من حشد غير واع لأهمية انعقاد مؤتمر كهذا، لكن الأمل مازال قائما في ذلك الكيان الوطني، ليقوم بمهامه الوطنية وإعادة الوعي الذي سلب منا مذ ستة عقود، لاسيما الوعي السياسي الجنوبي الذي تم استبداله بالوعي السياسي المزيف يجب ان تدرك الجميع أن ثمّة مطابخ ومختصون نفسيون واجتماعيون وسياسيون وإعلاميون، وقفت ومازالت واقفة وراء إنتاج مصطلحات جديدة أو بديلة، بهدف الاستمرار في اغتيال أي وعي جمعي يصنعه أبناء الجنوب، وتلك الجريمة لم تكن وليدة اللحظة بل هي ممتدة من زمن، وهدفها الرئيس التيه بعقولنا السياسية والفكرية والانزياح بها عن التمسك بالثوابت واستجلاب فكر مزيف يقودنا إلى حفرة التنازل والتخلّي عن الهوية والوجود.

وهذا العمل جاء كإمتداد طبيعي لإشكالية" الصراع العقل السياسي السبئي"  الذي تضخمت فيه الأنا وترسخت في الحزبية وما ضخته في أوصال المجتمع الجنوبي من أبوية حزبية وفكر إقصائي واستبعادي.

وأمام ذلك التراث المثقل من الوعي المزيف هل يستطع الوعي المنتفض أن يقف في وجه صناعة الوعي الجمعي المزيّف، وهل يستطع الإعلام الجنوبي أن يحمل على عاتقه مهمة تصويب المصطلحات، تلك التي تم تسويقها وتعميمها بشكل مقصود، حتى باتت جزءا من خطابنا اللاواعي وغير المدروس، لنكتشف بأننا نمارس اغتيال الوعي الحقيقي ونروج للرؤى الملفّقة والنقيضة من خلال استعمال مصطلحات صُدِّرت لخطابنا الإعلامي والسياسي، وحتى حديثنا اليومي.
نحن في أمس الحاجة إلى  وعي سياسي اجتماعي وثقافي ومحتاجين لوعاء مصطلحاتي بديل يحفّزه على خلق مرادفات اصطلاحية تُعبّر عن هويته الثقافية والسياسية، وهذا يأخذنا حُكماً إلى إعادة التفكير في مخزوننا من المصطلحات، والانتباه إلى شكل المفردة التي نقولها، ونكتبها وكيف لنا أن نوظّف الاصطلاح في مواجهة اغتيال الوعي، الذي تعرضنا له، منذ وطأت أقدام أول يمني نازح ومستعمر لهذه الأرض، سعى منذ تلك اللحظة إلى تأسيس هوية ثقافية وسياسية مغايرة في وعينا العام، تُعبّر عنه وتبرر وجوده.