محمد ماموني العلوي يكتب:

فصل جديد في العلاقات الثنائية الألمانية – المغربية

يرى المغرب في الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك إلى الرباط بين 25 و26 أغسطس – آب الجاري، إشارة قوية لمتانة العلاقة بين البلدين والتي دخلت مرحلة جديدة وقوية قائمة على الوضوح والاحترام المتبادل، بعد أن أدت توترات دبلوماسية متصاعدة وغير مسبوقة في الماضي إلى تعليق التعاون السياسي والثقافي وتأجيل مشاريع اقتصادية مشتركة كبرى كان مخططا لها في وقت سابق من هذا العام.

في سياق التطورات الجيوسياسية مرت بها المنطقة، لا بد من التذكير بأنه بعد اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على صحرائه في ديسمبر 2020، دعت ألمانيا (رغم أنها ليست عضوا في مجلس الأمن) إلى اجتماع عاجل للمجلس لمواجهة قرار ترامب.

قبل ذلك تجاهلت ألمانيا دور المغرب كلاعب مهم ورئيسي في أفريقيا، ولم توجه للمملكة دعوة لحضور مؤتمر دولي في برلين عام 2019 حول الأزمة الليبية، وهو ما أدى إلى فجوة سياسية ودبلوماسية بين البلدين.

الأزمة التي حصلت بين الطرفين تحولت إلى فرصة للتعرف على بعضهما البعض بشكل أفضل، ومعالجة سوء الفهم الذي وقعت فيه برلين، وتوضيحه.

تأتي زيارة وزيرة الخارجية الألمانية للرباط بهدف الاطلاع على النقاط التي تحتاج إلى مناقشات مستفيضة، وإلى تبادل المعارف بشأنها لزيادة تعزيز الثقة. هنا لا بد للرباط من التفكير في تفعيل دبلوماسية البرلمان بالتعرف على نواب البوندستاغ (البرلمان الألماني) لما في ذلك من تحصين لأدوات التعاون على المدى المتوسط والبعيد، وتلافيا لتعرض العلاقات بين البلدين إلى انتكاسة جديدة.

وتتطلع برلين إلى اكتساب مكانة إستراتيجية في شمال وغرب أفريقيا، لهذا كان اختيار روبرت دولجر سفيرا لبرلين بالرباط موفقا، يتماشى مع الأجندة التي تحملها الحكومة الألمانية الجديدة نحو المغرب وأفريقيا، ومع الرهانات الاقتصادية والأمنية والاستثمارية التي توليها هذه الحكومة أهمية كبيرة. فالسفير يعرف ملفات المنطقة جيدا، إضافة إلى تجربة عملية ميدانية اكتسبها من خلال عمله السابق مديرا لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة الساحل في وزارة الخارجية.

يشير الجدول الزمني لزيارة وزيرة الخارجية أنالينا بربوك للرباط التي تزامنت مع زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر إلى أنها تخدم ذات السياقات الجيوسياسية التي تتحكم في المنطقة، خصوصا بعد غيرت برلين موقفها من قضايا المغرب وعلى رأسها قضية الصحراء، وبعد أن وجدت الرباط المخاطب المناسب في الحكومة الجديدة، في وقت لازالت فيه باريس تناوش الرباط حول ملفات عديدة تسعى من خلالها للضغط إلى أن تنال غاياتها.

ملفات عديدة تثير حساسية باريس؛ منها نقاط التقارب التي تدعم التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمغرب، وطموحات ألمانيا إلى لعب دور جديد مع المملكة المغربية في دول ذات أهمية إستراتيجية في أفريقيا منها مالي وليبيا، واستغلال الإمكانات المتاحة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

في إطار برنامجها الجديدة للبحر الأبيض المتوسط وخطتها الاقتصادية والاستثمارية، شرعت برلين في تعزيز العلاقة الإستراتيجية متعددة الأبعاد والمتميزة مع المملكة المغربية، فهي تدرك أهمية المغرب في تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين. ويتفق الجانبان على دعم السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، ويلتزمان خاصة بمكافحة الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وهو أمر ضروري لأمن واستقرار المنطقة الأورومتوسطية.

اتفق الجانبان على إعادة العلاقات الثنائية بينهما ورفعها لتصبح بمستوى عالٍ في جميع المجالات. خاصة مع إبداء ألمانيا حرصها على العمل في جو من الاتساق والاحترام المتبادل بهدف إيجاد حلول للتحديات الإقليمية والعالمية في المستقبل.

ألمانيا ترى اليوم في المغرب شريكا ذا مصداقية وتجربة ودراية في التعامل مع القضايا الحساسة، لاسيما المتعلقة بسياسات الهجرة والإرهاب والطاقة المتجددة، وباعترافها بمبادرة الحكم الذاتي كإطار للحل في الصحراء المغربية، تكون برلين قد أعطت لنفسها فسحة سياسية ودبلوماسية للاستثمار في الصحراء دون معوقات.

من المهم هنا ملاحظة الأهمية التي تلعبها التجارة بين البلدين، وبرز ذلك من خلال المسؤولين لتجنيب هذا القطاع من الانهيار والتأثر بالأزمة السياسية والدبلوماسية التي طالت تسعة أشهر. ويتوقع أن تشهد استثمارات الشركات الألمانية في المغرب، انتعاشة في مجال البنى التحتية والتعاون في مجال الهيدروجين الأخضر بشكل خاص.

في يونيو 2020، توصلت الرباط وبرلين إلى اتفاق بشأن إنشاء محطة طاقة هجينة هيدروجينية خضراء، وهو مشروع أطلق عليه بوور- تو- إكس بتكلفة 347 مليون دولار، ويضم محطة لتحلية مياه البحر ومحللا كهربائيا بقدرة 100 ميغاواط، وكاد المشروع أن يتعرض للانهيار بسبب الأزمة الدبلوماسية. ورغم أن المغرب هو الشريك الأكثر نشاطا بين العديد من الشركاء في مشاريع الطاقة الألمانية حول العالم، إلا أن الأزمة أضرت بشدة بهذا التعاون. ويمكن القول إن زيارة وزيرة الخارجية الألمانية الأخيرة المحملة بوعود قابلة للتطبيق أتت لتعويض الوقت الضائع.

يعتمد التعاون بين المغرب وألمانيا في المقام الأول على التنمية الاقتصادية والمستدامة، بما في ذلك المناخ والطاقة المتجددة والمياه، ويرغب الطرفان بالاستثمار في الإمكانيات التي يتمتع بها كلا البلدين، ولهذا تم تحديد مشاريع رئيسية يرغب الطرفان في الشروع بها.

من خلال مساعدات تقدمها للمغرب، تهدف ألمانيا إلى التقليل من اعتمادها على الغاز الروسي، وفي نفس الوقت استخدام الهيدروجين الأخضر من الصحراء المغربية لإحراز تقدم في مكافحة الاحتباس الحراري وتقليل انبعاثات الغازات إلى 65 في المئة بحلول عام 2030.

واضح أن ألمانيا تتابع الإصلاحات التي قام بها المغرب، بقيادة الملك محمد السادس من أجل مجتمع واقتصاد مغربي أكثر انفتاحا وحيوية، لاسيما من خلال نموذج التنمية الجديد، وهذا ما يعطي للعلاقة بين البلدين بعدها الحيوي، ويدعم تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع الشراكة الثنائية الطويلة في المجالات الأمنية.