محمد مرشد عقابي يكتب:
وداعاً كوكب الحواشب ونبراس منابر بيوت الله
خيم الظلام الدامس وسادت أجواء الحزن والأسى الشديد، وفقد المستضعفين والفقراء والمحتاجين والأيتام والأرامل في مديرية المسيمير الحواشب محافظة لحج خاصة والوطن بشكل عام، البدر المنير في يوم الثاني والعشرين من شهر رمضان لهذا العام 1442هـ انه الشيخ الجليل والفاضل "عبد الحميد أحمد العبادي" قرين القرآن وسراج المحراب ونبراس منابر بيوت الله، أنني أقف عاجزاً عن وصف هول الفاجعة المؤلمة والرحيل المفاجئ "الصادم"، فكيف لي أن أروي تفاصيل قصة أهتزت لها كل الأرجاء تمثلت بفراق أعز من نحب أنه نور الخير وعطر العطاء ورمز البذل والسخاء الذي أنطفئ من دنيانا الفانية بصورة سريعة ومفاجئة وغيب للأبد، فماذا عسانا ان نقول سوى الصبر والإحتساب وقول ما يرضي ربنا فله أخذ وله ما أعطى ونحن جميعاً له واليه راجعون.
في رحيلك أبا أحمد يحتجب سراج الخير وتختفي شموسه خلف عتمة الغمام، وبرحيلك نفتقد أباً حنوناً وأخاً كريماً وصادقاً وشيخاً فاضلاً طالما كان لنا الواعظ ومن يرشدنا الى طريق الهداية والخير والصلاح والفلاح، انه الشخص الذي لا يمكن تعويضه مهما تعاقبت الأزمان إلا ما شاء الله، في رحيلك أبا أحمد يتصاعد أنين الأيتام ويعلو نواح الثكالى والأرامل والفقراء والمحتاجين والمساكين، في غيابك تتصحر أراض المكلومين وتصبح قاحلة تبحث عن غيث وسيول خيرك المتدفقة، لغيابك أرتوت أرض الحواشب بدموع الحزن فكل أخ وحبيب وصديق وعزيز أرهق بلهفة ولوعة وشوق وحنين اللقاء بك أبا أحمد قد أدمى قلبه الحزن والقهر على فراقك، في رحيلك أضحى جوع الفقير يمشي بيننا ولا يلام، في فراقك تهدمت ديار الخير والإنسانية وظلت تبحث عن من بناها بالأمس امثالك ممن رحلوا إلى دار ومقر الخلود الأبدي.
بغيابك أبا أحمد، مات كل شيء فينا وأن كنا ندعي زيفاً العيش والحياة، لقد أضمحلت أجسادنا المتعبة المتهالكة من وجع وأنين وآهات فراقك المؤجع والمؤلم، وأضنانا لهيب الشوق الذي يكوي الفؤاد كل لحظة وحين، بفراقك أيها الشيخ الكريم والرجل الأصيل تاهت أنفسنا في دياجير الظلام، وبقينا نبحث عنك في الليلة الظلماء والديار تشكي أختها، ونار ووجع الفراق تأكل وتحرق كل شيء فينا مثلما تأكل النار الحطب، لقد أتى يوم 22 رمضان هذا العام 1442هـ ليطوي صفحة حياة واحداً من خيرة رموزنا وكوادرنا انه الشيخ الفاضل والداعية الإسلامي الكبير الأستاذ عبد الحميد العبادي.
ترجلت أبا أحمد عن دنيانا وغادرتنا بصمت رهيب وتركتنا نداري أحزاننا وآلامنا وأحزاننا في هذا الرحيل الأزلي المفجع، ترجلت بعد حياة حافلة بالعطاء والعمل الخيري والتضحية في كل المنعطفات الوطنية، ترجلت بعدما سخرت سنين عمرك القصير في الدعوة الى الله وفي إقامة حدود الله وإحياء دور العبادة والمساجد بالذكر والتذكير وحفظ وتحفيظ كتاب الله تعالى وفي فعل الخير والسعي للإحسان، لقد ترجمت في حياتك شخصية الإنسان الحقيقية في النبل والأخلاق والبساطة والتواضع، لقد كنت من المحسنين الذين يكظمون الغيظ ويعفون عن الناس، لقد كنت من الصابرين على الأذى السباقين في العفو والصفح والسماح، لم تحمل يوماً في قلبك غيضاً او شراً على من أساء اليك، كنت متواضعاً الى أبعد الحدود، لقد كنت من السباقين في البر والطاعة والإحسان لكل الناس، لقد كنت واصلاً للأرحام سباقاً لإصلاح ذات البين مساهماً بل ومتفرغاً رغم ألتزاماتك الكثيرة وظروفك المرضية ومشاغلك العديدة في بناء وتشييد دور العبادة والمساجد فهنيئاً لك الجنة ان شاء الله يا من بريت بوالدتك وأهلك وناسك وكل من عرفوك.
الشيخ الداعية "الحميد العبادي" رحمة الله تغشاه، أحتل مكانة مرموقة في قلوب ووجدان جميع ابناء المجتمع، فقد كان كشخصية إجتماعية وإعتبارية وخيرية بارزة، علاوة عن كونه أحد مشايخ الدين في بلاد الحواشب، رحل عنا بعد نضال وتضحيات على كافة المستويات، رحل ببساطته وانسانيته المعهوده، رحل عنا بعد ان قاوم وأرشد ووجه ناصحاً للناس من على المنابر بالعودة الى الله والتزود بزاد التقوى والحذر من الأخرة والإستعداد ليوم الرحيل، عاش مع الجميع ببساطة وصدق وعفوية وصفاء دون تكلف او ضغينة أو احقاد، ظل طوال حياته مبتسماً في وجه الصغير والكبير متعاوناً مع الجميع دون أستثناء، كما ظل مجتمعياً فاعلاً ومبرزاً وحاضراً في أزمات الناس وقضاياهم ومشاركاً لهم أفراحهم وأتراحهم، واصل مسيرته الإجتماعية والدينية بين الناس بابتسامته المعهودة وكلامه الطيب الذي يأسر القلوب ويطفي غيض القلوب.
وفي حرب 2015م ولحظة أجتياح المليشيات الحوثية الجنوب، شد الشيخ عبد الحميد العبادي رحاله الى الجبهات محتزماً جعبته ومتابطاً بندقيته مواجها صلف تلك العصابة الإجرامية مقاوماً بطلاً مدافعاً عن حياض الأرض والعرض والدين، وفي اللحظة الأولى عند وصولها عاصمة مديرية المسيمير الحواشب بمحافظة لحج بادرت بتفخيخ وتفجير وتدمير منزله أنتقاماً منه على مواقفه البطولية النضالية والوطنية المشرفة والثابتة المناهضة لها، لقد كان الفقيد أبا أحمد من الصامدين والثابتين على مواقفهم في كل المراحل والمنحنيات.
برحيل الداعية عبد الحميد العبادي، فقد الوطن شيخ نبيه تميز بالبساطة وأتصف بالإنسانية، وخسرت بلاد الحواشب مربياً فاضلاً وتربوياً مبرزاً ومتميزاً لطالما ترعرت وتخرجت أجيال من مدرسته التربوية النموذجية، برحيله خسر الوطن شخصية أجتماعية ورجل دين وقور وإنسان نبيل لطالما تعرض للإقصاء والتهميش والظلم والمكائد لكنه آثر العفو والسماح إبتغاء لمرضات الله مصداقاً لقوله عز من قائل "ومن عفا وأصلح كان أجره على الله"، وبرحيله المؤلم والحزين والمصاب الجلل نبعث عظيم التعازي والمواساة لأنفسنا وأسرته وأبناءه وأخوانه وبني عمومته وقبيلته آل العبادي والى المسيمير الحواشب الحزينة والوطن ككل.
نم قرير العين فأنت من الفائزين بإذن الله وقدرته، نم قرير العين يامن عشت هادئاً وقوراً متجاوزاً عن أخطاء الآخرين، نم قرير العين يا من غادرتنا بخلق وأدب وتركت لنا ذكرى طيبة لن تمحى الى نهاية الحياة، نم قرير العين يا من عملت بجد واجتهاد لترضي ربك وخلفت أثراً كبيراً ومؤثراً بحياتنا، نم قرير العين يا من تركت بصمة خالدة ومناقب وبصمات مضيئة بالصمت والكبرياء والأدب والأخلاق وحسن الصنيع والإلتزام بقول الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتمسك بدين الله تلك الهوية التي فطرت عليه وورثتها عن الأباء والأجداد.
وداعاً يا من عشقت المساجد وتعلقت بها وخطيتها صبياً وطفلاً وشاباً ورجلاً ناضجاً، وداعاً يا من أحييت صلاة الجماعة وواضبت عليها في بيوت الله، وداعاً يا من عشقت فعل الخير والتآخي وحب الفقراء والمساكين والمستضعفين، وداعاً يا من آثرت محبة الناس دون او أنتظار الجزاء والشكور، وداعاً يا دمث الخلق وطيب المعشر وعربي الجذور وكريم النفس ونظيف اللسان وبشوش الوجه، وداعاً يا رمز الهدوء والورع ومنجم الحكمة والمستقيم بالفطرة، وداعاً يا من لم يقحم نفسه في صراعات الدنيا الزائفة وظل محايداً متمسكاً بقيم ومبادئ وسلوكيات وتعاليم دينه الإسلامي الحنيف بعيداً عن ملوثات وغبار الحياة الفانية، وداعاً لمن كان يقف على مسافة وأحدة من الحميع في مختلف المنابت والأصول والمناسبات، وداعاً لمن أمتلك مهارة لا يجيدها إلا الكبار بالخلق والعقل والتجربة.
وداعاً لمن عاش بين الناس ومات بينهم بعفويته وبساطته، تاركا وراءه ولمن عرفه ذكرى طيبة وسجلاً مكتوباً بالذهب والرائحة العطرة من محبة الناس والجيرة الطيبة والرفقة الحسنة، وداعاً لهذا الرجل العصامي المجتهد والصابر والهادئ المزاج، رحل أحمد رحمه الله، عن هذه الدنيا بهدوء وصمت دون ضجيج كما عاش بهدوء وصمت وكرامة، رحمك الله رحمة واسعة واسكنك فسيح جناته يا من عشت ومت بكرامة وعزة نفس قل نظيرها في هذا الزمن الصاخب بالضجيج والمفتون بالدنيا الفانية.
إلى جنات الخلود بأذن الله ومنه وكرمه.